كورونا وسلاسل التوريد.. كيف تتصرف دول الخليج أمام أزمة غذاء متوقعة؟

تقع دول مجلس التعاون الخليجي في واحدة من أقسى المناطق الصحراوية في العالم، مع عدم وجود موارد مياه عذبة طبيعية، وإنتاج زراعي محدود، ومناخ يمكن أن تصل فيه درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية في أشهر الصيف.

 

ولكن بالرغم من هذه التحديات الدائمة، التي واجهتها الحكومات الإقليمية لأجيال، لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد بشكلٍ شبه كامل على واردات السلع الأساسية، مثل الغذاء والمعدات الطبية وقطع الغيار لمحطات التحلية والطاقة التي تحافظ على الحياة في المنطقة.

 

والآن، مع ظهور جائحة "كوفيد-19"، وتعطيلها لشبكات الإمداد العالمية، قد تجد دول المجلس صعوبة متزايدة في توفير تدفق آمن ومستقر لهذه السلع المستوردة.

 

ولحسن الحظ، بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، لم تواجه أي دولة حتى الآن نقصًا طارئًا في الإمدادات الحيوية. ولكن مع ذلك، هناك احتمال أن يوقف الشركاء التجاريون الرئيسيون الصادرات إلى المنطقة.

 

على سبيل المثال، أعلنت أوكرانيا، وهي مصدر كبير للقمح والمنتجات الزراعية إلى دول المجلس، أنها ستنظر في تصدير القمح لضمان إمدادات كافية لسوقها المحلية.

 

 

سلات غذاء الخليج

 

وفي الهند، وهي مصدر رئيسي للمنتجات الزراعية إلى دول الخليج، واجه تجار الأرز نقصًا في اليد العاملة، وتحديات لوجستية، ما جعل صادرات "الأرز البسمتي الممتاز" عالقة ولم يتم تسليمها إلى دول مثل السعودية والعراق وإيران خلال شهري مارس وأبريل.

 

ونظرًا لوضعها كدول تعتمد بشكل كبير على الاستيراد وتتعرض لصدمات الإمداد الخارجية، فقد اعتبرت دول الخليج منذ فترة طويلة أمن إمدادات الغذاء والماء والسلع الأساسية الأخرى مصدر قلق رئيسي للأمن القومي.

 

ومع ذلك، فإن حجم وتأثير وباء كورونا على الدول حول العالم يمكن أن يدفع دول الخليج إلى تسريع المبادرات لتعزيز وتأمين سلاسل التوريد الخاصة بها من السلع الحيوية.

 

وسيكون تحقيق ذلك أمرًا ضروريًا لضمان الأمن الاقتصادي والازدهار للمنطقة في المستقبل.

 

وقبل تفشي وباء كورونا الجديد، بدأت حكومات مجلس التعاون الخليجي في تبني العديد من الأساليب لتأمين الإمدادات من السلع والخدمات الحيوية.

 

وتنقسم هذه الأساليب إلى 3 فئات، تتراوح من السهل نسبيا في التنفيذ، إلى العمليات التي تستغرق وقتا طويلا وتستهلك الكثير من رأس المال.

 

وتشمل الأولى مراكمة المخزونات من السلع والمعدات، وتشمل الثانية تنويع مصادر التوريد، والاستثمار في القدرة الإنتاجية في الخارج، فضلا عن توطين إنتاج السلع والخدمات على المستوى الوطني.

 

وأصبحت زيادة سعة المخزونات تدبيرا رئيسيا في جميع أنحاء المنطقة في الأعوام الأخيرة.

 

 

مخزونات المواد الغذائية

 

وفي قطر، على سبيل المثال، بعد صدمة العرض الناتجة عن المقاطعة الاقتصادية المفروض في يونيو 2017، تحركت الحكومة لزيادة مخزونها الاستراتيجي من المواد الغذائية عن طريق زيادة المخزونات لتستمر لمدة عام تقريبا لمواجهة أي أزمات مطولة.

 

وبالمثل، أنشأت الإمارات مجمع كبير يضم ميناء وصوامع تخزين في إمارة الفجيرة في أقصى شرق البلاد، ما يوفر للبلاد 6 أشهر من إمدادات القمح ونقطة وصول تقع خارج مضيق هرمز.

 

وبالإضافة إلى تخزين الأغذية، ركزت دول المنطقة أيضا على زيادة تخزين موارد المياه العذبة الثمينة. وبدأت عدة دول خليجية في بناء خزانات جديدة بسعة كبيرة لضمان إمدادات كافية لسكان المنطقة المتناميين.

 

على سبيل المثال، تخطط السعودية، التي تعتمد بشكل كامل تقريبا على المياه العذبة المحلاة، لزيادة سعة تخزين المياه من أكثر من يوم واحد فقط من الاستهلاك في عام 2017 إلى أكثر من 7 أيام من الاستهلاك بحلول عام 2030.

 

وفي قطر المجاورة، بدأ العمل في إنشاء ما سيكون في الأساس أكبر خزان مياه في العالم. وسيعمل "مشروع الخزان الضخم" على زيادة سعة تخزين المياه العذبة في البلاد بنسبة تقارب 150%، أو ما يعادل 180 بركة سباحة أوليمبية، ما يضمن إمدادات مياه الشرب لفترة طويلة من الزمن.

 

ولن تحافظ خزانات المياه العذبة ومستودعات التخزين الإضافية على الحياة في شبه الجزيرة لفترة طويلة من الزمن، ولكنها ستوفر للحكومة المزيد من الوقت لمعالجة أي اضطراب طارئ في نظام تحلية المياه في البلاد.

 

ويعد تنويع طرق الإمداد والاستثمار في القدرة الإنتاجية في الخارج أيضا نهجا استخدمته دول الخليج للحصول على السلع الأساسية، حتى في أوقات الأزمات.

 

وفي عام 2017، فقدت قطر الوصول إلى طرق الشحن الجوي والبري والبحري الرئيسية بعد أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين مقاطعة على البلاد.

 

وفي مواجهة النقص الكبير المحتمل في الإمدادات نتيجة تلك المقاطعة، سرعان ما تحركت قطر لتأمين الإمدادات من خلال تحديد طرق شحن بديلة عبر دول مثل إيران وعمان وتركيا.

 

ومن خلال استخدام المجال الجوي الإيراني لشحن البضائع الجوية للسلع الحرجة وزيادة واردات المنتجات الغذائية من تركيا وأماكن أخرى، زادت الدولة من تنوع سلسلة التوريد الوطنية وقللت من اعتمادها على الدول المجاورة.

 

السلع  الزراعية

 

كما ساعدت الاستثمارات في الطاقة الإنتاجية في الخارج دول المجلس على تأمين الإمدادات من السلع الزراعية الأساسية.

 

على سبيل المثال، أنشأت السعودية والإمارات شركات قابضة للاستثمار في المجالات الزراعية في مناطق بعيدة مثل أستراليا وأوكرانيا لضمان استمرار الواردات من المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية.

 

وفي الشهر الماضي، سلمت الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني "سالك" شحنتها الأولى من 60 ألف طن من القمح من الحيازات الزراعية في أوكرانيا.

 

وستساعد هذه الحيازات على ضمان التدفق المستمر للسلع الزراعية إلى البلدان التي لا يمكنها تنفيذ عمليات زراعة واسعة ومجدية اقتصاديا بسبب نقص المياه والأراضي الصالحة للزراعة.

 

ومع ذلك، فمن بين الطرق الثلاثة، فإن التحدي الأكبر هو أن تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي في توطين إنتاج السلع التي يمكن إنتاجها في الداخل.

 

وتهدف مبادرات الأقلمة إلى زيادة حصة المحتوى المحلي في المشتريات وتطوير القدرات الإنتاجية المحلية في صناعة أو قطاع معين.

 

على سبيل المثال، قد تقرر الدولة الاستثمار في بناء مصنع لتصنيع الأدوية محليا، بدلا من الاعتماد على الواردات من الخارج.

 

كما استهدفت مبادرات التوطين في المنطقة إنتاج الغذاء.

 

ومن خلال برنامج قطر للأمن الغذائي، تمكنت الدوحة من زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني بسرعة بعد المقاطعة الخليجية لها في منتصف عام 2017.

 

وبعد استيراد أبقار الألبان وغيرها من الماشية بسرعة، إلى جانب بناء منشأة كبيرة خارج الدوحة، يمكن لشركة "بلدنا"، التي تأسست بعد الأزمة، أن توفر الآن نحو 100% من احتياجات قطر من الحليب والجبن ومنتجات الألبان الأخرى، مع إمكانية إرسال فائض التصدير إلى دول مثل أفغانستان وعمان واليمن.

 

ويرى بعض المحللين أن أزمة قطر ساعدتها على التعامل مع جائحة "كوفيد-19" بشكل أفضل.

 

وجلبت أزمة تفشي كورونا اهتماما متجددا بسلاسل التوريد العالمية؛ حيث تظهر تقارير نقص الإمدادات والتحديات اللوجستية التشغيلية.

 

وفي هذا السياق، يبدو أن دول الخليج تبنت مزيجا من الأساليب الثلاثة من خلال تخزين الإمدادات الطبية والغذائية الرئيسية، مع الاستمرار في تحديد وسائل جديدة لتحسين قدرات الإنتاج المحلية.

 

وفي محاولة لتنسيق الأمن الغذائي عبر دول مجلس التعاون الخليجي، اجتمعت الدول مؤخرا لإنشاء شبكة مشتركة لسلامة الإمدادات الغذائية.

 

وفي حين لم يتم نشر تفاصيل محددة حول المبادرة المشتركة، إلا أنها خطوة إيجابية في تعزيز الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة.

مقالات متعلقة