منذ دخول فيروس كورونا المستجد البلاد، ويقف على خط الدفاع الأول جيش مصر الأبيض للتصدِّي للفيروس ومداوة ضحاياه، لكن لم يتخيَّل هؤلاء الأبطال أنَّ هذه المهمة ستجعلهم محط تنمُّر جيرانهم وتعرضهم للإيذاء، ومحاولة الطرد من محل سكنهم.
في مستشفيات العزل يعمل الأطباء والممرضون وغيرهم من العاملين بالقطاع الطبي كخلية النحل، ربما لا يحصل كثير منهم على قسط من الراحة لبدنه، كل ذلك من أجل إنقاذ حياة المرضى، غير أنه كثيرًا من الأطباء أصبحوا هم أيضًا ضحايا لكورونا، فماذا فعل معهم جيرانهم؟
ومع وجود من يقدِّر دور الأطقم الطبية في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا، لكن هناك من إذا علم أن أحد جيرانه من الأطباء سعى لطرده من المنزل حتى إن لم يكن مصابا بكورونا، فذلك الفيروس أصاب البعض بالهوس والهلع، ما جعله يتنمر على من سوف يعالجونه إذا أصابه المرض.
"عايزيني اتدفن جوه الشقة"
أحدث حالات التنمر التي يتعرض لها الأطقم الطبية، وقعت للطبيب محمد الدمرادش، فبعدما أصيب بالفيروس المستجد نتيجة عمله بأحد مستشفيات العزل، وجد ما لم يتوقعه من جيرانه.
يروي الطبيب، عبر حسابه على فيس بوك، قائلا :"أنا اتصابت في المستشفى عشان بنعالج الناس، وعزلت نفسي في شقة لوحدي مبخرجش منها نهائي، أبويا بيجي كل يوم يحطلي الاكل قدام باب الشقة ويمشي".
واستطرد :"الجيران حسوا وكانوا عايزين يحطوا قفل على باب الشقة عايزيني اتدفن جوا، لولا أن ليا عيلة وضهر مكانوش اتلموا، منهم ناس جمايل أهلي مغرقاهم ورغم كده اتلموا بالعين الحمرا مش بالادب والاصول، مقدروش اني دكتور اتصابت في مستشفى عشان نعالجهم".
وتابع :"مفيش تقدير، فيه ندالة وقلة أصل، طبعا لو حد اتصاب منهم الفترة الجاية هيتهموني فيه، رغم اني مخرجتش من باب الشقة".
محاولة طرد طبيبة الإسماعيلية
بداية التنمر على الأطقم الطبية كانت من الإسماعيلية، ففي الثاني من أبريل الماضي، تسلَّمت الطبيبة الشابة دينا مجدي عبد السلام، العمل باستقبال طوارئ مستشفى حميات الإسماعيلية، لتقف على خط الدفاع مع رفقائها من جيش مصر الأبيض للتصدي لفيروس كورونا.
وقبل يوم من تسلم الدكتورة دينا عبد السلام، أخصائي الجلدية بمستشفى القنطرة غرب، لمهمتها الجديدة في مستشفى حميات الإسماعيلية، لفزر حالات الاشتباه بفيروس كورونا، قررت أن تترك منزل عائلتها، وتسكن في مكان آخر بمفردها، كإجراء احتياطي اتخذه كثير من زملائها.
وبعد نحو 5 أيام من انتقالها لمقر إقامة جديد، حدث شيء لم يكن يخطر ببالها يوم، وهو أن يكون ثمن عملها كطبيبة تؤدي مهمة في مستشفى الحميات لاستقبال حالات اشتباه كورونا، محاولة طردها من السكن، حسبما روت في مقطع فيديو نشرته عبر صفحتها على فيس بوك.
فبعد عمل متواصل لأيام بالمستشفى حصلت على إجازة، قررت أن تأخذ فيها قسطا من الراحة داخل السكن، وفجأة سمعت أصوات مرتفعة تنادي بسباب على صاحبة الشقة، وهي "خالة الطبية"، فخرجت مسرعة تطل من النافذة، فوجدت رجال ونساء وأمن العمارة ينتظرونها.
سألت الطبيبة في استغرب "ماذا يحدث؟"، لتجد حناجر مرتفعة ترد عليها "انت الدكتورة فلانة اللي شغالة في الحميات، احنا عرفنا عنك كل حاجة، انت جاية تجبلنا المرض هنا، احنا عندنا عيال صغيرة، انت عاملة عزل صحي في البيت ومش مهم احنا".
وقالت الطبيبة :"احنا سايبين بيوتنا ومتمرطين ومتبهدلين وطالع عينا وطافحين الدم عشان تعملوا معانا كده، انا مش بعمعم، بس نسبة كبيرة الجهل مغمي عينها وعقولها".
وواصلت حديثها :"احنا سايبين بيوتنا نروح فين، نبات في المسشفيات، احنا فعلا بنبات في المستشفيات، بس مش حقنا نريح، نفصل شوية عشان نعرف نساعدكم ونجدد طاقتنا شوية، ناكل لقمة كويسة".
واختتمت الطبيبة حديثها برسالة قائلة :"احنا مش عاوزين منكوا حاجة، قدروا بس تعبنا واللي احنا بنعمله، وتخفوا الضغط علينا شوية عشان احنا طفحنا، وربنا ما يحوج حد فيكم لأي دكتور، ويارب الفترة دي تعدي على خير، بس عشان خاطرنا سبونا في حالنا".
"جيراني ظلموني"
وروت طبيبة الامتياز هدير سعيد، أنها تعرضت لظلم من إدارة مستشفى الزهراء ووزارة الصحة وجيرانها في العمارة التي تسكن بها.
واستطردت :"الموضوع بدء يوم ١-٥ لما اسمي نزل اجباري في نابطشيات استقبال الطوارئ وكان ممنوع احول لاي راوند وممنوع احول برة المستشفي..نزلت ٥ نابطشيات كل نابطشية ١٢ ساعة واللي في الصورة دي وسايل الحماية اللي كانت متوفرالي والتزمت بيها كاملة وكان بطبيعة عملي بتعامل كل يوم مع حالات مشكوك فيها وكنت شغالة مع طاقم طبي اكتشفت بعد كدة انه معظمه اتصاب".
وواصلت حديثها :"بالرغم من كدة متوفرليش اي مسحات لحد الخميس ٧-٥ بالليل، كان المفروض ساعتها اعمل ايه؟ اقعد في السكن اللي مليان عدوي في انتظار المسحات؟، سافرت وبلغتهم في البيت يفضولي اوضة لوحدي اتعزل فيها ومخرجتش من يومها ولا حد شاف وشي وعادة أصلا انا مش من النوع اللي بيخرج ولا بيحتك بحد حتي في الأيام العادية".
وتابعت :"بعدها بيوم خبر الحالات اللي في الزهراء انتشر ووصل للإعلام وده أجبر الوزارة انها توفر مسحات للدكاترة المخالطين وبعد مناهدة مع الإدارة نجح بعض زمايلنا من الامتياز والنواب انهم يحصلوا ع مسحات بطلوع الروح ومش الكل اتاخد منه مسحات، لحد عدد معين لقوا ان عدد الحالات اللي بتطلع ايجابي كبيرة ووقفوا المسحات وأعلنوا المستشفي انها موبؤة وبلغوا اللي متعملوش مسحات انه ينزل يتعزل في بيته ١٤ يوم ".
وأردفت :"انهاردة صحيت علي اختي بتقولي ان العمارة اللي انا ساكنة فيها من ايام م كنت طفلة، السكان ييتكلموا ع ان عندنا في البيت حالة كورونا وانهم هيبلغوا واننا معندناش أمانة ومكتمين علي الموضوع".
التنمر على مسعف
لم يقتصر التنمر على الأطباء فقط، فقد طال أحد المسعفين الذي يقوم بتوصيل المصابين إلى المستشفى، فكان جزاؤه إهانته والتنمر عليه.
ويروي المسعف محمود لطفي، أنه تعرض للتنمر والإهانة والضرب بدون أي سبب أثناء نقله مصاب بفيروس كورونا لمستشفى الحميات بالعاباسية، قائلا "كل ذنبي إني شايف شغلي بما يرضي الله، سايب بيتي وأسرتي وكل يوم بتعرض للموت والعدوى عشان ننقذ المرضى".
وبحسب ما قصه المسعف، في تصريحات صحفية، فإنه تلقى بلاغا من طواريء 105 لنقل حالة مصابة بكورونا، وكان ذلك قبل آذان المغرب في شهر رمضان بنحو 90 دقيقة، وأثناء توقفه في الشارع لانتظار الحالة، فوجئوا بأحد الأشخاص يحاول توسعة الطريق قائلا "وسع يا عم الإسعاف الطريق".
وواصل المسعف "قال لهم السائق أنا مستني حالة كورونا مش هينفع اتحرك، فوجدنا بوابل من السباب والشتائم، وقال لنا أحدهم ابعدوا عننا واتكلموا من بعيد، الجو حر ومش ناقصينكم، انت كورونا وهتعدونا، جتكم القرف يابتوع كورونا".
وبحسب تحريات النيابة فإنه أثناء مرور المسعف تبين ضيق الطريق، فقام متهمان بالتنمر على المسعف بسبب نقل حالة مصابة بكورونا، ما أدى إلى مشادات كلامية تطورت إلى مشاجرة، مزق المتهمان على أثرها ملابس المسعف، وتبين إصابته بشرخ في اليد نتيجة الاعتداء عليه، وتمزيق ملابسه.
وأمرت نيابة الوايلي بإخلاء سبيل شخصين بكفالة 2000 جنيه لكل منهما لاتهامهما بالاعتداء بالضرب والتنمر على مسعف اثناء سيرهما بمنطقة العباسية.