كورونا والكويت.. الخسائر أسوأ من غزو صدام

إصابات كورونا في الكويت أضرت الاقتصاد

سيكون التعامل مع تأثير جائحة "كورونا" على مدى السنوات القليلة القادمة أحد أصعب الاختبارات لدول مجلس التعاون الخليجي حيث أن الأثر الاقتصادي للوباء هو مزيج من انخفاض أسعار النفط، وخسائر كبيرة في القطاع الخاص وريادة الأعمال، وبالتالي الكثير من التحديات المالية.

 

بالنسبة للكويت، يعد هذه أصعب أزمة منذ الاحتلال العراقي عام 1991.

 

وسيكون التأثير أكبر بكثير وقد يؤدي إلى انهيار القطاع الخاص الهش بالفعل بسبب انخفاض عائدات النفط، والإفلاس الجماعي. وهذا تقييم أولي للعواقب الاقتصادية للوباء حتى الآن.

 

يعتبر سلوك الوباء خلال الأشهر المقبلة غير معروفا إلى حد كبير.

 

سجلت الكويت حتى 18 يونيو الماضي، 8.254 مصابًا من بينهم 29.512 حالة تعافت بشكل كامل فيما فقد 308 شخص حياتهم.

 

 يوجد في الكويت واحد من أعلى نسب الضحايا في العالم، مع 60 حالة وفاة لكل مليون. وقد تسببت إجراءات حظر التجوال في إغلاق جميع منافذ التجارة تقريبا.

 

خطة عودة متعثرة

 

اقترحت الحكومة خطة لإعادة التشغيل بحلول منتصف سبتمبر/أيلول، وتتكون الخطة من 5 مراحل ولكن المرحلة الأولى تم تمديدها بالفعل لمدة أسبوع بسبب عدم القدرة على احتواء العدوى.

 

وكما تعلمنا للأسف، لا يوجد يقين في أي مكان لهذه الأنواع من التنبؤات حيث لا يستجيب تفشي الفيروس للضرورات الاقتصادية.

 

من المحتمل أن تكون المخاوف الاقتصادية، على المدى الطويل، أخطر بكثير لأن الوباء لا يمكن أن يأتي في وقت أسوأ بالنسبة للحكومة الكويتية من هذا الوقت، فقد اهتز الوضع المالي الكويتي بالفعل منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014، والذي شهد انخفاض عائدات النفط الكويتي بنسبة 60%.

 

وفي حين كانت الكويت الدولة الأولى في دول مجلس التعاون الخليجي التي خفضت الإنتاج بعد مفاوضات أوبك في أبريل الماضي، بسعر تعادل 53-55 دولار للبرميل ومع حصص الإنتاج التي ظلت منخفضة تاريخياً وغير مستقرة للغاية، فمن الصعب تخطيط وتنفيذ الميزانيات الحكومية للدولة التي تعتمد على 90% من عائداتها على مبيعات النفط الخام.

 

تتزامن هذه الخسارة في الإيرادات مع الإنفاق الحكومي المرتفع بسبب التركيز على الاستثمارات في البنية التحتية لتطوير المرحلة الثانية من خطط رؤية الكويت 2035.

 

ويزداد تعقيد الأزمة مع التأخير في إعادة تشغيل حقل إنتاج المنطقة المحايدة، وبطء التطور في حقل الرقة للنفط الثقيل، ومشروع مصفاة الزور الضخم.

 

وفي الوقت نفسه، ارتفعت الإعانات الاجتماعية السخية منذ عام 2010 لتشكل ما يقرب من 80% من الميزانية السنوية.

 

وبسبب هذه الإيرادات المنخفضة، سجلت الكويت عجزًا ماليًا منذ عام 2015.

 

وفي يناير 2020، توقعت بالفعل عجزًا قدره 30 مليار دولار لهذا العام.

 

ولدى الكويت أصولا مخصصة لهذه المواقف المالية الخطيرة.

 

أصول الكويت

 

وبحسب وكالة التصنيف "فيتش"، يمتلك صندوق جيل المستقبل نحو 489 مليار دولار.

 

ولدى الكويت أيضا 44.65 مليار دولار متبقية في صندوق الاحتياطي العام، والذي من المرجح أن يتم استهلاكه بالكامل، كما يمكن استخدام مصادر تمويل أخرى من شركاء من القطاعين العام والخاص، مثل شركة مشاريع الكويت القابضة "كيبكو"، كما يمكن للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الإقراض بعدة مليارات لمشاريع الإسكان.

 

كما تمتلك شركة نفط الكويت أيضًا مليارات الدولارات من الأرباح التي يمكن استغلالها.

 

وفي ضوء عدم الاستقرار في القطاع المالي، ألغت الهيئة العامة لسوق المال الكويتية جميع التداولات في 11 يونيو الجاري، بسبب خلاف قانوني مع الجمعية المصرفية الكويتية بعد أن أعلنت أن أعضائها لن يدفعوا أي أرباح نقدية لعام 2020.

 

وتعليقا على هذا الأمر، يقول الباحث في الشؤون الخليجية، "جيفري مارتن" إن الأموال الكبيرة ليست الأداة المهمة الوحيدة اللازمة للتعامل مع هذه الأزمة الاقتصادية، حيث يعتمد الكثير على التوقيت وكيفية توجيه الأموال إلى المناطق المناسبة من الاقتصاد لحماية الأعمال والمؤسسات من العاصفة.

 

قلة حزم التحفيز

 

ويضيف: في الوقت الحاضر، تم بذل الحد الأدنى من جهود التحفيز الحكومية، مما يعني أن الاقتصاد المحلي ترك إلى حد كبير ليشعر بالأثر الكامل لصدمة الطلب، ومع الغياب الكامل لحزمة الإغاثة السريعة والموجهة منذ شهر مارس الماضي، تسببت العديد من القضايا الأساسية في الاقتصاد الكويتي في أضرار كبيرة، ربما لا يمكن إصلاحها، وستظل آثارها لسنوات عديدة قادمة.

 

 من المرجح أن يتراجع عدد المغتربين في الكويت إلى ما بين 500 ألف و 750 ألف شخص في الاثني عشر شهرًا القادمة.

 

وما يتبادر إلى الذهن هو التحول الديموغرافي الوحيد الذي يمكن مقارنته وهو الفجوة التي خلفها طرد المغتربين الفلسطينيين بعد عام 1991، والتي تركت فراغًا بيروقراطيًا وتقنيًا هائلاً في الاقتصاد لم يتم استبداله أو استرداده حقًا.

 

سيغادر عدد كبير من المغتربين، وسيشمل النقص في العمال موظفي الصيانة، وموظفي الإصلاح، وسائقي المركبات المتخصصة، والعديد منهم من منطقة كيرالا الهندية، ومن المرجح أن تجعل الصعوبات الاقتصادية واللوجستية والسياسية، ناهيك عن فقدان مليارات التحويلات، من الصعب على العديد من العاملين العودة مرة أخرى إلى الكويت عندما تكون هناك حاجة إلى مهاراتهم لإعادة تشغيل الاقتصاد.

 

هناك بالفعل انخفاض حاد في مصادر العمالة الماهرة في الكويت.

 

تشمل خسائر العاملين في الأعمال الإدارية المديرين رفيعي المستوى والمحاسبين وضباط الإمداد وأخصائيي التسويق والمهندسين وموظفي تكنولوجيا المعلومات.

 

سيكون من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، ملء الفجوات للعاملين الفنيين والإداريين على المدى المتوسط.

 

يمثل الوافدون أصحاب المهارات العالية، مثل المهندسين الكوريين الجنوبيين، خسارة كبيرة بشكل خاص لأنهم محرك رئيسي لجميع المشاريع الضخمة، وخاصة مصفاة الزور.

 

والأهم من ذلك بكثير هو التأثير العاطفي للأشهر القليلة الماضية على جميع المغتربين، والذي أعتقد أنه أقرب إلى صدمات الحرب، حيث لم يتلق العديد منهم رواتب منذ مارس الماضي.

 

ومن المرجح أن تجعل التكلفة النفسية الهائلة لحظر التجول والإغلاق الكثيرين مترددين في العودة إلى الكويت بعد انتهاء الوباء، بغض النظر عن رواتبهم.

 

الشركات الصغيرة والمتوسطة

 

ولعل الأكثر أهمية على المدى الطويل هو التأثير على الشركات الصغيرة والمتوسطة.

 

هناك 25 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم في الكويت، وبالرغم أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تساهم بنسبة 8% فقط في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الكويت، فهي الأساس الذي يمكن أن يعتمد عليه أي تحول بعد النفط من حيث المواهب والمهارات الريادية.

 

كانت المشكلة الأكبر بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة هي عقود الإيجار.

 

ومع عدم وجود تدخل حكومي أو إعفاء من الإيجار للمستأجرين التجاريين، تم خنق معظم الشركات. وأدى التعهد التعاقدي بالدفع إلى كسر ظهور معظم أصحاب الأعمال منذ مارس الماضي.

 

ولعل أحد أسباب قضية الملاك الذين يطالبون بالإيجار هو أن سوق العقارات في الكويت من المرجح أن ينهار بالكامل في ظل الانكماش الاقتصادي الحالي، وهم يعرفون ذلك.

 

ومرة أخرى يأتي الأمر في توقيت سيء، فخلال العامين الماضيين، كان هناك فائض في المعروض من العقارات التجارية بنسبة تصل إلى 30% من جميع العقارات غير المشغولة.

 

 تضررت العقارات التجارية بشكل سيئ، مع انخفاض المعاملات بنسبة 79% ومعدلات المبيعات الشهرية التي انخفضت من 171 مليون دولار إلى 1.3 مليون دولار فقط في أكتوبر 2019.

 

وبينما وعدت الحكومة الكويتية بقروض ميسرة وأسعار فائدة منخفضة، فمن المحتمل أن يكون هذا أيضًا قليلا، وبعد فوات الأوان بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب قضايا العمالة، وانخفاض رأس المال، والإرهاق النفسي بين الملاك والموظفين.

 

بالنسبة لمعظم المالكين، سيكون أفضل قرار هو الإغلاق؛ من المرجح أن تستمر صدمة الطلب وزيادة العرض في السوق لسنوات.

 

لن تؤدي تداعيات الوباء إلى إلحاق  المزيد من الضرر بهذه الصناعة، حيث من المرجح أن ترتفع أسعار السلع العالمية بشكل حاد بنسبة تصل إلى 50% خلال العام المقبل بسبب تعميق الأمن الغذائي العالمي والأزمة اللوجستية.

 

وخلال العام المقبل، من المحتمل أن نشهد زيادة كبيرة في حالات الإفلاس والفساد في الشركات الصغيرة والمتوسطة، بنسبة تتراوح بين 50-80%، على غرار التقارير الواردة من دبي.

مقالات متعلقة