اجتماع بعد اجتماع بعد اجتماع، والنتيجة واحدة هى عدم التوصل إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف، حتى الآن لم تجد مصر والسودان وإثيوبيا، حلاً لأزمة سد النهضة التى شرعت أديس أبابا فى بنائه عام 2011 ويمثل خطراً كبيرا على القاهرة والخرطوم.
وانتهت فى وقت سابق اليوم جولة المفاوضات الحالية التى تجرى برعاية الاتحاد الإفريقى، بحضور وزراء الري في الدول الثلاثة، وممثلى الدول والمراقبين، بعد 11 يوما من التباحث حول اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، دون التوصل إلى اتفاق بسبب "استمرار الخلافات حول القضايا الرئيسية بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.
وفى نهاية الاجتماع اتفق وزراء المياه على قيام كل دولة برفع تقريرها النهائى عن مسار المفاوضات غداً الثلاثاء إلى دولة جنوب إفريقيا بوصفها الرئيس الحالى للإتحاد الإفريقى تمهيداً لعقد القمة الإفريقية المصغرة.
كانت المفاوضات تعثرت أكثر من مرة، بسبب عدم التواصل إلى اتفاق حول الجوانب القانونية والفنية للسد، الأمر الذى دفع مصر التي تعتبر هذا المشروع مصدر تهديد "وجودي"، إلى اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي للتدخّل، وناقش المجلس الملف فى أزمة طارئة بعدها أحال الأمر إلى الاتحاد الإفريقي.
وخلال الجولة الأخيرة من المفاوضات، طرحت مصر خلالها بعض الصياغات البديلة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بخصوص النقاط الخلافية، كما طرح الجانبان السوداني والإثيوبي بعض الصياغات البديلة للأجزاء محل الخلاف في الجزء الفنى والقانونى، وعكست المناقشات استمرار الخلافات حول القضايا الرئيسية.
واقترحت إثيوبيا تأجيل البت في النقاط الخلافية على أن يتم إحالتها إلى اللجنة الفنية، التي سوف يتم تشكيلها بموجب الاتفاقية لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق، لكن مصر أبدت رفضها لإحالة النقاط الخلافية، التي تعد بمثابة قضايا فنية رئيسية تمثل العصب الفني للاتفاق إلى اللجنة الفنية لتقررها لاحقا إلى ما بعد توقيع الاتفاق.
تبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل حوالي 55.5 مليار متر مكعب، تعتمد بنسبه أكثر 90% في الشرب والزراعة والصناعة، فى المقابل تبني إثيوبيا سد النهضة على أحد الروافض الرئيسية لنهر النيل بتكلفة 4 مليارات دولار، منذ عام 2011؛ لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا من خلال توليد أكثر من 6000 ميجاوات، فيما تقول القاهرة إن السد يهدد حصتها من المياه.
وخلال المفاوضات التى أجريت خلال السنوات الماضية، أبدت القاهرة استعدادها للتنازل عن جزء من حصتها من مياه نهر النيل، والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، شرط ألا تقل في فترة ملء الخزان عن 40 مليار متر مكعب سنويا، بينما اقترحت إثيوبيا خفض حصة مصر لـ35 مليار متر مكعب فقط.
وشهدت العلاقات المصرية الإثيوبية خلال الفترة الأخيرة حالة من التوتر، وبدأ التصعيد من الجانب المصري، عندما ألقى الرئيس السيسى كلمة بالأمم المتحدة عام 2019، أعلن فيها رفض مصر، فرض حكومة أديس أبابا سياسة الأمر الواقع، على قضية السد، بعدها أعلنت وزارة الموارد المائية المصرية، أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي ورفضه المقترحات كافة التي تراعي مصالح مصر المائية، وذلك عقب اجتماع لوزراء الموارد المائية في العاصمة السودانية الخرطوم، وزارة الخارجية المصرية شاركت هي الأخرى فى عملية التصعيد، إما بيانات رسمية أو تصريحات للمسئولين فيها على هامش لقاءاتهم بمسئولين أوروبيين.
وفى إحدي الندوات التثقيفية للقوات المسلحة العام الماضى، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، قال إن مصر لا تعارض جهود التنمية التى تقوم بها إثيوبيا، وتأمل فى التوصل إلى اتفاق حول طريقة ملئ خزان السد، وادخال وسيط رابع فى المفاوضات، وتمثل الوسيط الرابع فى الولايات المتحدة الأمريكية، والبنك الدولي.
وعقدت سلسلة اجتماعات بين الدول الثلاث فى حضور أمريكا والبنك الدولي، وكان من المقرر التوقيع على اتفاق فى نهاية فبراير الماضى، وكشف بيان صادر عن الخزانة الأمريكية أن الاتفاقية بشكلها الحالى تضع حلولا لكافة القضايا العالقة حول ملء وتشغيل سد النهضة وتتأسس على المبادئ المتفق عليها بين الدول الثلاث في إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015 وبالأخص مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، ومبدأ الالتزام بعدم احداث ضرر جسيم ومبدأ التعاون، لكن الجانب الإثيوبي تغيب عن عمد عن جولة المفاوضات التى عقدت في واشنطن يومي ٢٧ و٢٨ فبراير ٢٠٢٠، لإعاقة مسار المفاوضات، وفقا لبيان صادر عن وزاتي الخارجية والري المصرية.
وفى بداية شهر يونيو الماضى استكملت المشاورات الثلاثية بمبادرة من السودان، وجرى مناقشة ورقة تقدمت بها إثيوبيا، تتضمن رؤيتها حول أسلوب ملء وتشغيل سد النهضة، فى المقابل أعربت مصر، السودان، عن تحفظهما على هذه الورقة لكونها تمثل تراجعا كاملا عن المبادئ والقواعد التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث في المفاوضات التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بل وإهدارا لكافة التفاهمات الفنية التي تم التوصل إليها في جولات المفاوضات السابقة.
بعد ذلك لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولى، الأمر الذى استنكرته إثيوبيا، واعتبرته يشكل ضغطا دبلوماسيا خارجيا، مشيرة إلى أنه ليس مؤشرا على الشفافية وحسن النية في المفاوضات – على حد قولها-.