يعاني الاقتصاد العماني من مأزق مزدوج وعميق، حيث تزامن تفشي فيروس كورونا في البلاد، وما صاحبه من تعطل للنشاط الاقتصادي، مع التدني الكبير في أسعار النفط، الذي يمثل مصدر الدخل الرئيسي للسلطنة، وفاقم الأمر يوجد عجز متراكم في ميزانية البلاد التي تعد الأقل دخلا بين نظرائها في الخليج.
ولجأت السلطنة في بداية أزمة كورونا لاتخاذ سلسلة قرارات لخفض المصروفات العامة، وأصدرت وزارة المالية توجيهات إلى جميع المؤسسات والشركات الحكومية بترشيد الإنفاق التشغيلي والاستثماري بما لا يقل عن نسبة عشرة في المائة خلال العام الحالي، مطالبة ببذل قصارى الجهد لتحقيق تخفيض في الإنفاق الفعلي بأقصى نسبة ممكنة، وأن تشمل المراجعة رواتب الموظفين وامتيازاتهم.
وفي محاولة لتعزيز موارد موازنة البلاد، أشار موقع "واف" الإخباري العماني، اليوم الثلاثاء، إلى أن مجلس الشورى وافق على اقتراح إحدى لجانه بربط ضريبة القيمة المضافة بالنمو الاقتصادي.
وقال الموقع الإخباري إن اللجنة الاقتصادية والمالية في مجلس الشورى تقترح تطبيق ضريبة القيمة المضافة فقط في حال تحقيق معدل نمو اقتصادي لا يقل عن ثلاثة بالمائة. كما اقترحت استثناء من يبلغ دخلهم الشهري 900 ريال عماني (2340 دولار) أو أقل من الضريبة. ولا يزال الأمر مرهونا بقرار السلطان هيثم بن طارق آل سعيد نظرا لأن مجلس الشورى له دور استشاري فحسب.
وعمان أحد أضعف اقتصادات منطقة الخليج الغنية بالنفط ولجأت للدين لتعزيز ماليتها العامة. وذكرت نشرة الاكتتاب في سندات وزعت على مستثمرين في العام الماضي أن عمان، المصنفة عندي مستوى "عالي المخاطر" من جانب وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث، ستطبق ضريبة القيمة المضافة في 2021 لتعزيز الإيرادات.
وتوقع محللون استطلعت رويترز آراءهم انكماش الناتج المحلي الإجمالي لعمان 4.7 بالمائة هذا العام ونموه ثلاثة بالمائة في العام المقبل. وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف عمان السيادي إلىBa3 من Ba2 الشهر الماضي.
وقالت الوكالة إن الإصلاحات المرتقبة، مثل تطبيق ضريبة قيمة مضافة بنسبة خمسة بالمائة وخفض الإنفاق الذي لا يدر فائدة بنسبة عشرة بالمائة في 2020 باستثناء الإنفاق المتصل بإنتاج النفط والغاز، لن تعوض على الأرجح الخسائر في إيرادات النفط التي تتوقع تراجعها بأكثر من 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشارت موديز إلى أنها تتوقع عجزا ماليا بنسبة 19 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام و15 بالمائة في العام المقبل حتى إذا تم تطبيق هذه الإجراءات.
وفي السياق، قال رئيس أبحاث الشرق الأوسط لدى إم.يو.إف.جي إن سلطنة عمان ستصدر على الأرجح سندات هذا العام، لكنها ربما تحتاج إلى التعويل على مساعدات من جيرانها الأثرياء وإلا فليس أمامها سوى اللجوء إلى مساعدة من صندوق النقد الدولي.
ولم تدخل عمان، وهي من أضعف الاقتصادات في منطقة الخليج الغنية بالنفط، حتى الآن أسواق الدين بالرغم من وجود عجز مالي آخذ في الاتساع في ظل تراجع أسعار النفط وتبدد الطلب بسبب جائحة فيروس كورونا.
وقال إحسان خومان، رئيس أبحاث واستراتيجيات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى إم.يو.إف.جي، إنه من المرجح أن تطرق عمان أسواق الدين العالمية لعدم رغبتها في السحب كثيرا من احتياطياتها الأجنبية. وقال خومان إن عمان يمكنها إصدار سندات لأن البحرين، وهي الدولة الخليجية الوحيدة الأخرى المصنفة ديونها مرتفعة المخاطر، فعلت ذلك بالفعل في ظل الجائحة، وجمعت ملياري دولار في مايو.
وقال خومان لوكالة رويترز إنه "إذا لم تكن ستلجأ للسوق، فستحتاج للحصول على تلك السيولة من مكان آخر. لذا، فربما يكون مجلس التعاون الخليجي أو صندوق النقد الدولي". ولفت خومان إن الدينار البحريني والريال العماني المربوطين بالدولار تعرضا لبعض الضغط في الأسواق الآجلة، غير أن ذلك الضغط "تراجع بشكل كبير جدا" في الشهر الماضي.
وقال خومان "تصورنا الأساسي هو أن عمان ستواصل تشكيل مصدات ملائمة من الاحتياطيات للإبقاء على ربط العملة على المدى المتوسط، لكن إذا انحسر الإقبال على المخاطرة بالسوق، وهو ما قد يؤدي إلى تسارع استنزاف الأصول، فقد تضعف الثقة في الربط".
وفي محاولة لتقليل الانفاق وتعزيز الموارد، أعلن جهاز الاستثمار العُماني قبل يومين عن إعادة تشكيل مجالس إدارة 15 شركة يشرف عليها الجهاز في إطار المراجعة الشاملة للشركات المملوكة للدولة، في خطوة اعتبرها مراقبون فرصة أخيرة أمام هذه الشركات لإثبات جدواها الاقتصادية، وضمن مسعى سلطان عمان هيثم بن طارق لإجراء مراجعة شاملة لجهاز الإدارة في الدولة.
وذكر البيان الصادر عن الجهاز أنه "وفقا لمعايير محددة تشمل الأوضاع التشغيلية لهذه الشركات والقطاعات العاملة بها، وضمان تحقيق المشاركة المجتمعية، فقد تم تعيين 79 من أصحاب الخبرة والاختصاص في مجالات مختلفة في القطاعين الحكومي والخاص، لتمثيل الجهاز كرؤساء وأعضاء جدد لمجالس إدارة الشركات التابعة له".
وقررت عمان تحويل ملكية الشركات العامة إلى جهاز الاستثمار الذي تم تشكيله مؤخرا بهدف تحسين الأداء وضبط الانفاق وتعظيم العوائد، مع فتح الباب أمام تصفية الشركات التي لا جدوى من استمرارها.
وقال الشيخ ناصر بن سليمان الحارثي مدير عام استثمارات التنويع الاقتصادي في جهاز الاستثمار إن "العمل في المرحلة القادمة سيقوم على مراجعة دور هذه الشركات ومهامها ونتأكد من أن هذه الأدوار تتماشى مع استراتيجيات الحكومة".
وأضاف لبرنامج المنتدى الأسبوعي الاقتصادي الذي تبثه إذاعة سلطنة عمان "سنتأكد من أن هذه الشركة أو تلك تؤدي الدور المطلوب منها، وسنعمل كذلك على تقييم الشركات وإمكانية التخارج ليس بالإدراج في السوق فقط فقد يكون من خلال الطرح أو من خلال البحث عن شريك استراتيجي لتحسين الخدمة أو من خلال التصفية".
وحسب آخر تقرير لمعهد صناديق الثروة السيادية العالمية تملك عمان صندوقين سياديين، هما صندوق الاحتياطي العام بأصول 14.28 مليار دولار، إضافة إلى صندوق عمان للاستثمار بأصول 3.34 مليار دولار. وعمان منتج صغير للنفط بحجم إنتاج لا يتجاوز مليون برميل يوميا.
وتمتلك عُمان، مثل جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى، مجتمعا شابا تتزايد نسبة الشباب فيه بشكل ملحوظ. ويدخل حوالي خمسين ألف عماني شاب مجال القوى العاملة كل عام. وتم تصميم استراتيجية "رؤية 2040"، التي تم الكشف عنها في عام 2018، لتمكين وتنويع القطاع الخاص وبالتالي خلق فرص عمل للشباب مع تخفيض فاتورة أجور القطاع العام الباهظة.