"كأن كل مخلوق على وجه الأرض حمل طبلًا وبدأ يقرعه، كأن كل الزواحف الديناصورية المنقرضة مزّقت صفحات التاريخ وخرجت تهدر وتصرخ، كأن الفصول الأربعة تتشاجر ويخرب بعضها بعضًا".
عندما وصّفت الكاتبة غادة السمان العاصمة اللبنانية في روايتها كوابيس بيروت قبل 44 عامًا، كانت تتنبئ أنّ بيومٍ يأتي على العاصمة اللبنانية لم يكن كما قبله، وحتمًا لم يكون كما بعده بحالٍ من الأحوال.
الثلاثاء، الرابع من أغسطس 2020، "مساءٌ" سيخلده التاريخ اللبناني وربما الدولي كثيرًا، عندما اشتعلت نيرانٌ مرعبة تلاها انفجارٌ قاس هزَّ بيروت بأكملها، وأسال الدماء على قارعة الطريق.
بيروت كانت على موعد اليوم الثلاثاء، على موعد مع انفجار ضخم في أحد مخازن المفرقعات، حيث شوهد تصاعد سحابة دائرية بيضاء وأعمدة الدخان من مكان الموقع، مما أدى إلى إثارة حالة من الذعر مع اهتزاز الأرض في المناطق المحيطة به.
مصدر سياسي لبناني أبلغ "مصر العربية" أنّ حريقًا اندلع في مستودع في مرفأ بيروت، ثم حدثت انفجارات صغيرة، تلاها انفجار ضخم هز بيروت، ما سبّب أضرارًا ضخمة، وأوقع أعدادًا غير محددة حتى الآن من القتلى والجرحى، والإحصاءات المعلنة لا تزال في ازدياد.
أغلب التحليلات تقول إنّ الحريق (سواء كان طبيعيًّا أو مفتعًلا) شبّ في مخزن أسلحة تابع لحزب الله، وأنّ الأسلحة متطورة وحديثة، تم توصيلها للحزب من إيران، عن طريق المرفأ.
وبحسب المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، فإنّ المعلومات المتداولة تتحدث عن مستودع ألعاب نارية، لكن مراقبين يقولون إن الانفجار أضخم بكثير من أن يكون مجرد ألعاب نارية، ويؤكّد أنّه هناك تسريبات تقول إنه مستودع مفرقعات وذخائر، وربما مصنع صواريخ لحزب الله.
ويذكر المصدر: "مفيش دليل حتى الآن حول أنّ الحريق مدبر أو بخطأ تصنيع من رجال الحزب داخل المصنع، أو حتى ماس كهرباء.. لكن أيًّا ما يكون لو ثبت أنّ الانفجار في مخزن أسلحة أو مفرقعات للحزب سيكون له أثر سياسي (على الأقل) على شعبية الحزب".
ويضيف المصدر: "لهذا السبب، يتحدث البعض بدون دليل أنّ ما حدث مدبر .. وأنّ هذا الأمر ضمن مخطط إنهاء نفوذ الحزب في لبنان، وهو مخطط اعتمدته الإدارة الأمريكية قبل شهور".
ولم تصدر أي إفادات رسمية بشأن أسباب وتداعيات الانفجار، لكنّ مجريات الأحداث لا يمكن فصلها عن توترات غير مسبوقة بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله.
ومع التخبُّط الذي ساد منذ اللحظة الأولى لا سيّما فيما يتعلق بموقف حزب الله على الأرض، فقد توجّهت الأنظار إلى إدانة الاحتلال الإسرائيلي بشن هذا الاعتداء، لا سيّما أنّ الاحتلال مارس أكثر من هجوم ضد ما يقول إنّها أهداف لحزب الله.
وبعيدًا عن التورُّط الإسرائيلي من عدمه، فيبدو أنّنا أمام تغيير جيو سياسي سيحدث على الأرض خلال الفترة المقبلة، فيما يتعلق تحديدًا بتراجع شعبية حزب الله في الداخل اللبناني، بعدما ظلّ لسنوات يقول إنّ معسكراته وذخيرته تقع في الجنوب، لكنّ وجودها في قلب بيروت أمرٌ سيغيِّر الكثير في المشهد برمته.
وينقل المصدر عن صحيفة صينية وصحف عبرية "لم يسمها" قولها إنّ ما جرى قصف إسرائيلي على مستودع ذخيرة لحزب الله، لكن الواقع أنّ الانفجار لم يكن مفاجئًا، إنما حريق تبعه انفجار، كما نفت تل أبيب مسؤوليتها، رغم أنه أمر مستبعد يكون قصف إسرائيلي لكن الشواهد كلها تشير لعكس ذلك.
وهناك شواهد تقوي أن يكون المخزن بالفعل تابعا لحزب الله، منها صمت الحزب إزاء ما جرى، وارتباك تصريحات بعض المحسوبين عليه، وكذلك انتشار بعض عناصر الحزب في محيط المرفأ، وفق المصدر.
وفقًا للرواية الرسمية، نفت دولة الاحتلال ضلوعها في انفجار بيروت حسبما أعلنت إذاعة الجيش "الإسرائيلي"، التي نقلت عن مصدر أمني هذا النفي.
كما أفادت "القناة 12" العبرية نقلا عن مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى قولهم إنه "لا علاقة لإسرائيل بالانفجار الذي هزّ العاصمة اللبنانية بيروت".
وفيما التزم حزب الله صمتًا ملحوظًا، فقد نقلت قناة "OTV" اللبنانية، عن مصادر مقربة من "حزب الله" قولها إنه لا صحة لما يتم تداوله عن ضربة إسرائيلية لأسلحة للحزب في مرفأ بيروت.