سد النهضة| بعد تعليق التفاوض وتهديد السودان.. هل حانت لحظة الحسم؟

سد النهضة

اعتبر عدد من خبراء المياه فى مصر، أن الموقف الإثيوبي الأخير من المفاوضات الجارية حول سد النهضة يشكل استمرارًا لسياسة المراوغة وحرق الوقت بمناورات عبثية، لكن الجديد هو الموقف السوداني الحازم، الذي هدد بالانسحاب من المفاوضات، رافضا الربط بين اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، ومطالب إثيوبيا بتقاسيم مياه النيل الأزرق.

 

ووصفت الخرطوم ربط أديس أبابا التوصل لاتفاق حول تشغيل السد بتوقيع اتفاق حول مياه النيل الأزرق بالتطور الكبير الذي يهدد استمرارية المفاوضات التي يقودها الاتحاد الإفريقي، كما اعتبرته خروجاً على إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في ٢٣ مارس ٢٠١٥.

 

وانطلقت جولة من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، الاثنين الماضى، عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، برعاية الاتحاد الإفريقي وحضور مراقبين دوليين من الولايات المتحدة الأمريكية وأعضاء من الاتحاد الأوروبي ومكتب الاتحاد الإفريقي برئاسة جنوب إفريقيا.

 

وخلال الاجتماع اعترضت مصر عبر وزير الموارد المائية والرى محمد عبد العاطي على الاجراء الأحادى لملء سد النهضة دون التشاور والتنسيق مع دول المصب مما يلقى بدلالات سلبية توضح عدم رغبة اثيوبيا في التوصل لاتفاق عادل كما أنه إجراء يتعارض مع إتفاق إعلان المبادئ.

 

 

وأكد وزير الرى المصري على أهمية سرعة التوصل لإتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة بحيث يتم التوافق حول كل نقطة من النقاط الخلافية، وأشار إلى اقتراح مصر لآلية العمل خلال الإجتماعات الحالية التي ستُعقد لمدة أسبوعين، وأكد أنه بناءاً على القمة المصغرة فإن التفاوض الحالي سيكون حول ملء وتشغيل سد النهضة فقط وأن التفاوض حول المشروعات المستقبلية سيكون في مرحلة لاحقة بعد التوصل لاتفاق سد النهضة.

 

وفى نهاية الاجتماع تم التوافق بين الوزراء على قيام اللجان الفنية والقانونية بمناقشة النقاط الخلافية يومي 4، 5 أغسطس فى مسارين متوازيين وعرض المخرجات في الاجتماع الوزاري يوم الخميس 6 أغسطس.

 

 وبالأمس أصدرت مصر بيانًا كشفت فيه أنه قبل موعد عقد الاجتماع مباشرة، قام وزير المياه الاثيوبى بتوجيه خطاب لنظرائه فى كل من مصر والسودان مرفقا به مسودة خطوط إرشادية وقواعد ملء سد النهضة لا تتضمن أي قواعد للتشغيل ولا أي عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، فضلا عن عدم وجود آلية قانونية لفض النزاعات.

 

وفى هذا الشأن أكدت مصر أن الخطاب الاثيوبي جاء خلافا لما تم التوافق عليه فى اجتماع يوم الإثنين برئاسة وزراء المياه والذى خلص الى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية لعرضها فى اجتماع لاحق لوزراء المياه يوم الخميس القادم، ومن ثم طلبت مصر وكذلك السودان تعليق الاجتماعات لاجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الاثيوبي الذى يخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي فى ٢١ يوليو ٢٠٢٠، وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه يوم الاثنين ٣ أغسطس الجارى.  

 

وكانت إثيوبيا قد أعلنت في الحادي والعشرين من يوليو الماضي انتهاء أولى مراحل ملء خزان السد بنحو 5 مليارات متر مكعب في خطوة أحادية قوبلت برفض مصر والسودان، ويمكن لإثيوبيا فى الوقت الراهن اختبار اثنين من توربينات المشروع المقام على نهر النيل الأزرق بتكلفة 5 مليارات دولار أمريكي.

 

وبدوره وصف الدكتور محمد نصر علام وزير الرى الأسبق، قيام إثيوبيا بتقديم مسودة اتفاق جزئى لملء السد متعللة بأن قواعد التشغيل سيتم مناقشتها مع اتفاق تنمية النيل الأزرق والحصحصة، بأنه استمرار لمسلسل هابط، لافتا إلى أن مصر والسودان رفضتا المقترح وتم رفع الاجتماع.

 

وأوضح علام أن الفشل الذى تكرر فى عشرات الجولات السابقة نتيجة للتعنت الأثيوبى، كانت له بعض النتائج أبرزها التحسن النسبي فى الموقف السودانى بعد تجرع الخرطوم مرارة تبعات ملء المرحلة الأولى من السد وعطش آلاف الأسر فى العاصمة الخرطوم، مقابل تبجح أثيوبى رسمى بادّعاءها الكاذب بحقها فى حصة مائية من النيل الأزرق وفى مشاريع سدودها المستقبلية مع تعاطف واضح من الاتحاد الأفريقى، فى تغاض مخل عن الاتفاقية التاريخية والحدودية 1902، واتفاقية إعلان المبادئ مع كل من مصر والسودان.

 

وأشار الوزير السابق، إلى تقصير الاتحاد الأفريقى في الإعداد الجيد لجولات التفاوض سواء عبر تحديد الأجندة أو إعداد لائحة إجرائية لجولات التفاوض، وعدم فاعلية المراقبين الدوليين، بالإضافة إلى تراخيه الواضح فى اتخاذ اللازم حول قيام أثيوبيا بملء المرحلة الأولى من السد فى عمل منفرد بالرغم من التعهدات المأخودة عليها.

 

وأكد نصر علام أنّ أثيوبيا غير جادة على الإطلاق فى التوصل الى اتفاقية "تقيد مخططاتها" كما جاء على لسان مسؤوليها، فالهدف الأثيوبى الحقيقى من سد النهضة هو الهيمنة الكاملة على مياه النيل الأزرق، ولذلك فإنّ الفشل هو الاحتمال الأغلب لنهاية هذه المفاوضات طالت أو قصرت، نتيجة لاختلافات فنية أو قانونية أو كلاهما، بل قد يستجد غيرها من خلافات أثيوبية مصطنعة.

 

 

مراوغة معتادة 

بدوره وصف حمدي عبد الرحمن استاذ العلوم السياسية المختص في الشأن الأفريقي، تعليق المفاوضات حول أزمة سد النهضة بعد يوم من بدايتها، بأنه مراوغة إثيوبية معتادة.

 

وأشار عبد الرحمن، عبر صفحته على فيسبوك، إلى أن أثيوبيا عادت مرة أخرى لطرح اتفاق جزئي حول الملء الأول للسد، وهو ما رفضته كل من مصر والسودان في إبريل الماضي، مضيفا: "يبدو أن الاتحاد الأفريقي يجلس في مقاعد المتفرجين".

 

خيار الحرب

من جانبه قال نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، فى تدوينه له عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك بعد ساعات من تعليق المفاوضات :"صدقوني لو قامت حرب مياه في المنطقة ولا دولة أوروبية او أفريقية ستدين مصر لأنهم يعلمون تماما أن إثيوبيا تريد أن تبني نهضتها على جثث المصريين، خلاصة عشرات المؤتمرات التي حضرتها في أوروبا في السنوات الخمس الماضية".

 

 خيار الحرب والتدخل العسكري التى طرحه نور الدين، سبق أن استبعده الرئيس عبد الفتاح السيسي فى تصريح له الأسبوع الماضي، حيث قال: "مصر تتفاوض حول أزمة سد النهضة"، واصفا التفاوض بأنه "معركة ستطول"، ومؤكدا على رفضه لأي تهديدات.

 

وأضاف السيسي، أن "القلق لا يعني إطلاق التهديدات"، مضيفا "التهديد وكلام الإعلام عن أي عمل عسكري، انتبه أنت تكلم الرأي العام في مصر، نحن نتفاوض والتفاوض وحده معركة ستطول.. المصلحة تقتضي أن نبقي كلنا مستفيدين وأن يكون الضرر مقبول لنا كلنا"، مشيرا إلى أن مصر تحاول تقليل حجم فقد المياه عبر تبطين الترع.

 

 

وقفة سودانية قوية

 

أبرز ما كشفت عنه جولة المفاوضات الأخيرة، هو الموقف السوداني الصلب والحازم، وذلك عقب تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، للإشراف على المفاوضات.

 

وأشارت وكالة الأنباء السودانية (سونا)، إلى أن الدكتور ياسر عباس وزير الري السوداني بعث خطابا أمس الثلاثاء إلى وزيرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في جنوب أفريقيا بشأن التطورات التي شهدها الموقف الأثيوبي من عملية التفاوض في الساعات القليلة الماضية.

 

واعتبر الوزير السوداني أن الرسالة التي تلقاها من نظيره الاثيوبي بتاريخ ٤ أغسطس ٢٠٢٠ تثير مخاوف جدية فيما يتعلق بمسيرة المفاوضات الحالية والتقدم الذي تحقق والتفاهمات التي تم التوصل إليها بما في ذلك تلك التي شملها التقريرالأخير لمكتب مجلس رؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي بتاريخ ٢١ يوليو ٢٠٢٠.

 

وأشار عباس إلى أن الخطاب الأثيوبي يقترح أن يكون الاتفاق على الملء الأول فقط لسد النهضة؛ بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق، الأمر الذي يمثل تطوراً كبيراً وتغييراً في الموقف الاثيوبي يهدد استمرارية مسيرة المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي، كما اعتبر ذلك خروجاً على إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في ٢٣ مارس ٢٠١٥.

 

وشدد وزير الري و على جدية المخاطر التي يمثلها السد للسودان وشعبه بما في ذلك المخاطر البيئية والاجتماعية وعلى سلامة الملايين من السكان المقيمين على ضفاف النيل الأزرق؛ وكذلك على سلامة سد الروصيرص؛ الأمر الذي يعزز ضرورة التوصل لاتفاق شامل يغطي جانبي الملء والتشغيل.

 

وأكد عباس أن السودان لن يقبل برهن حياة ٢٠ مليون من مواطنيه يعيشون على ضفاف النيل الأزرق بالتوصل لمعاهدة بشأن مياه النيل الازرق، ورهن الوزير استمرار مشاركة السودان في المفاوضات التي يقودها الاتحاد الافريقي؛ بعدم الربط ما بين التوصل لاتفاق بشأن الملء والتشغيل من جهة والتوصل لمعاهدة حول مياه النيل الأزرق من جهة أخرى.

 

 

الدعم المالي والمعرفي

 بالتوازي مع فرضها لسياسة الأمر الواقع، دعت جمعية المغتربين الإثيوبيين، المجتمع الإثيوبي أن يعزز مساهمته المالية والمعرفية، بالإضافة إلى سماع صوته في العالم لسد النهضة الإثيوبي الكبير، وفقا لوكالة الأنباء الإثيوبية.

 

قال المدير التنفيذي للجمعية، أبراهام سيوم، إن المجتمع الإثيوبي يعمل بنشاط في الدفاع وتوضيح أهمية السد التنموية في للبلاد.

 

وذكر أن الجالية الإثيوبية في الغربة تكثف دعمها لإنهاء السد لأن السد سيساعد البلاد على تخفيف حدة الفقر والحصول على الكهرباء للمواطنين.

 

وبحسب المدير التنفيذي ، فإن الحدث الذي تم تنظيمه بالأمس من قِبل مكتب المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة بشأن  سد النهضة بالتعاون مع  ليفت إثيوبيا ويهدف ذلك إلى إظهار التضامن والدعم لسد النهضة من قبل الإثيوبيين وأصدقاء إثيوبيا تحت شعار "صوتنا لسدنا".

 

ويقام سد النهضة الكبير على بعد نحو 15 كيلومترا فقط من الحدود مع السودان على النيل الأزرق مصدر أغلب مياه النيل بعد أن يلتقي بالنيل الأبيض في السودان.

 

ويخشى السودان ومصر أن يؤدي السد، الذي يهدف إلى توليد الكهرباء وتبلغ كلفته أربعة مليارات دولار، إلى نقص في حصة كل منهما من المياه. ويثير المشروع مخاوف في مصر من تناقص أكبر في مياه النيل. وأخفقت مفاوضات شاقة جرت على مدى نحو عقد في التوصل لاتفاق لتنظيم كيفية ملء إثيوبيا لخزان السد وتشغيله دون المساس بحصص المياه الشحيحة لدولتي المصب.

 

مقالات متعلقة