على مدار عدة سنوات، مرت مفاوضات سد النهضة بـ 16 مرحلة خاضتها الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، من أجل تسوية النزاعات المائية من المنبع إلى المصب، غير أن تلك المحادثات باءت جميعها بالفشل ولم تفسر عن أي نتائج ملموسة.
وشملت المفاوضات، 10 جولات رئيسية و6 جولات تفاوضية في المسارين الفنى والقانوني، إلى جانب اجتماعات المراقبين مع وفود الدول الثلاث، خلال المفاوضات التى جرت مرة برعاية أمريكية ومشاركة البنك الدولي، ومرة برعاية الاتحاد الأفريقي، تحت سمع وبصر العالم، ولم تحرك إثيوبيا ساكنا تجاه التسوية العادلة مع دولتى المصب، بل لجأت إلى إجراءات أحادية بملء بحيرة السد في تحدٍ واضح لمختلف القوانين والأعراف الدولية.
وعلقت مصر والسودان جولة المفاوضات الأخيرة للتشاور، بسبب التعنت الإثيوبي وسط تأكيدات بأن أديس أبابا لم تقدم أى قواعد لتشغيل السد.
المفاوضات الحالية تسير وفق مخرجات القمة الأفريقية المصغرة، التى عُقدت 21 يوليو الماضي، فقد عُقد الاجتماع الثالث للجولة الثانية للدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي وبحضور المراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، وذلك استكمالًا للمفاوضات للوصول إلى اتفاق ملزم بخصوص ملء وتشغيل السد.
رد مصر والسودان
وفي 5 أغسطس الماضي، أصدرت وزارة الموارد المائية والري بيانا بشأن مفاوضات سد النهضة الجارية، قالت فيه إنه في إطار الفعاليات المتعلقة بالتفاوض حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، قامت بإرسال خطاب إلى دولة جنوب أفريقيا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي تضمن تأكيد رفض مصر الملء الأحادي الذي قامت به إثيوبيا في 22 يوليو 2020.
كما تضمن الخطاب، وفق البيان: رفض ما ورد في الخطاب الأخير الموجّه من وزير المياه الإثيوبي إلى نظرائه في مصر والسودان والمؤرخ بتاريخ 4 أغسطس 2020 وتضمن مقترحاً مخالفاً للتوجيه الصادر عن قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي في 21 يوليو 2020، والتي أكدت ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً وليس مجرد إرشادات وقواعد حول ملء سد النهضة.
والثلاثاء، الاجتماع الثالث للجولة الثانية للدول الثلاث برعاية الإتحاد الأفريقي وبحضور المراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي استكمالاً للمفاوضات للوصول إلى اتفاق ملزم بخصوص ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
وأوضحت وزارة الري في بيان لها، أن الاجتماع كان مخصصا في إطار ما تم التوافق عليه خلال اجتماع وزراء المياه من الدول الثلاث، بأن تقوم اللجان الفنية والقانونية بمناقشة النقاط الخلافية الخاصة باتفاقيه ملء وتشغيل سد النهضة خلال يومي 4-5 أغسطس.
وتابعت :"إلا أنه قبل موعد عقد الاجتماع مباشرة، قام وزير المياه الإثيوبى بتوجيه خطاب لنظرائه فى كل من مصر والسودان مرفقا به مسودة خطوط إرشادية وقواعد ملء سد النهضة لا تتضمن أي قواعد للتشغيل أو عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، فضلا عن عدم وجود ألية قانونية لفض النزاعات.
وأكدت، أن الخطاب الاثيوبي جاء خلافا لما تم التوافق عليه فى اجتماع الأمس برئاسة وزراء المياه والذى خلص إلى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية لعرضها فى اجتماع لاحق لوزراء المياه يوم الخميس المقبل.
كما بعث وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، خطابًا إلى وزيرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في جنوب أفريقيا، بشأن التطورات التي شهدها الموقف الأثيوبي من عملية التفاوض في الساعات القليلة الماضية.
واعتبر عباس، في تصريحات نقلتها وكالة السودان للأنباء، أن الرسالة التي تلقاها من نظيره الإثيوبي اليوم، تثير مخاوف جدية فيما يتعلق بمسيرة المفاوضات الحالية والتقدم الذي تحقق والتفاهمات التي تم التوصل إليها بما في ذلك تلك التي شملها التقريرالأخير لمكتب مجلس رؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي في ٢١ يوليو الماضي.
ويقترح الخطاب الأثيوبي أن يكون الاتفاق على الملء الأول فقط لسد النهضة؛ بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق.
واعتبر وزير الري السوداني، أن ذلك يمثل تطورًا كبيرًا وتغييرًا في الموقف الإثيوبي يهدد استمرارية مسيرة المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي، كما اعتبر ذلك خروجًا على إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في ٢٣ مارس ٢٠١٥.
ماذا يمثل سد النهضة لمصر وإثيوبيا؟
تصف مصر سد النهضة تهديدًا وجوديا لأنها تُعاني من ندرة مائية بحسب تصنيف البنك الدولي، وتعتمد بشكل أساسي على مياه نهر النيل في تلبية 95 % من احتياجاتها المائية، إذ تحصل سنويا على حصة من مياه النيل تقدر بـ 55 ونصف مليار متر مكعب، وفقا لـ شبكة بي بي سي البريطانية.
وتخشى مصر من أن عملية ملء السد قد تؤثر على حصتها من المياه، ففي السنوات التي يكون فيها معدل الأمطار عاديا أو فوق المتوسط لا يُتوقع أن تكون هناك مشكلة، ولكن القلق بشأن ما قد يحدث خلال فترات الجفاف التي قد تستمر لسنوات.
في المقابل،تقول إثيوبيا إن السد، ضرورة وجودية، فإذا جرى تشغيله بكامل طاقته، سيكون المحطة الأكبر أفريقيا لتوليد الكهرباء. وسيُوفر الكهرباء لـ 65 مليون إثيوبي. وبالتالي فهو ضروري لنمو البلاد اقتصاديا ولتوفير الطاقة.
ولكي يتحقق الغرض منه تحتاج إثيوبيا لملء خزان السد بـ 74 مليار متر مكعب من المياه، تم بالفعل ملء 4.9 مليار متر مكعب منها.
موقف السودان
يظهر موقف السودان، بحسب مدير مركز البحوث الأفريقية في جامعة القاهرة، أيمن شبانة، إلى جانب مصر بالرغم من أن وضعه يختلف عنها.
ويوضح "شبانة" أن السودان لديه موارد مائية أكثر من مصر إذ يعتمد على نهر النيل بنسبة 54% باعتبار أن لديه أنهارا أخرى وكمية أمطار أكبر وعدد سكان أقل.
وأضاف أنه في الوقت نفسه، قد يستفيد من السد الإثيوبي لأنه سيغطي 40 % من النقص في الطاقة الكهربية في السودان، كما أنه يحمي البلاد من خطر الفيضان، ويتيح وقتا أطول للسودانيين للزراعة بعد أن كانت مياه الفيضان تغمر الأرض.
وأشار إلى أن إثيوبيا تعد حليفا استراتيجيا للسودان في تسوية الصراعات الداخلية في دارفور وشرق السودان وجنوب كردفان والنيل الأزرق، كذلك الخلافات بين السودان وجنوب السودان. لكن السودان في الوقت نفسه لا يريد خسارة مصر كحليف، كما يقول المحلل السياسي المصري،الدكتور هيثم محمد، ما جعل موقفه متأرجحا بين وسيط أحيانا و شريك أحيانا أخرى، يميل نحو الجانب الإثيوبي وأحيانا ناحية الجانب المصري.
ماذا لو أخفت المفاوضات؟
في حال فشلت المفاوضات، سيكون أمام الاتحاد الإفريقي خياران: تحويل القضية إلى إحدى اللجان الخاصة التابعة للاتحاد لاستمرار التفاوض، كلجنة الأمن والسلم أو لجنة الحكماء. وبحسب الدكتور أيمن شبانة، هذا يضر مصر و السودان و "مضيعة للوقت".
أما الخيار الثاني، فهو إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي حيث يمكن للمجلس نقل تعامله مع الأزمة من الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة إلى الفصل السابع، ليطالب إثيوبيا بوقف ملء السد لحين توقيع اتفاق، كما يمكن أن يحيل القضية إلى محكمة العدل الدولية. ورغم أن قرار محكمة العدل لن يكون له حجية قانونية، كما يشير دكتور شبانة، لكن ستكون له أهمية سياسية.
لكن ليحدث هذا على القاهرة والخرطوم الحصول على دعم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما يبدو غير مضمون إذ تشير التقارير إلى أن الصين وروسيا ستعارضان الخطوة، لأنهما لا تريدان إرساء سابقة فكلتاهما لديها نزاعات نهرية مع جيران المصب، وفقا لشبكة بي بي سي البريطانية.
كذلك بنوك الصين تشارك في تمويل السـد، وتتولى إحدى الشركات الصينية توزيع الكهرباء التي سينتجها السد. لكن إذا حدث تحرك أمام العدل الدولية فالموقف القانوني لمصر والسودان سيكون أقوى من إثيوبيا استنادا للاتفاقيات التاريخية.
ووفقا للدكتور أيمن شبانة ، إلى جانب ذلك هناك معركة دبلوماسية و قانونية يمكن لمصر و السودان خوضها أمام منظمات أخرى كاليونيسكو باعتبار أن الآثار في شمالي السودان و جنوبي مصر ستكون معرضة للخطر حال انهيار السد، كذلك المنظمات المعنية بالبيئة لأن نقص المياه سيوثر بالضرورة على المزروعات والحيوانات في القارة بالكامل.
مراوغة إثيوبيا وتقسيم مياه النيل
ويقول السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر والسودان أعلنا تعليق المفاوضات مع إثيوبيا من أجل التشاور مع حكوماتهما كُل على حدة.
وأضاف في تصريحات صحفية أنه بناء على ما طرحه وزير الرى الإثيوبى على نظيريه المصرى والسوداني، اتخذ الطرفان قرارهما بتأجيل المفاوضات لحين التشاور مع الحكومات ولدراسة التطور الجديد في الموقف الإثيوبي، ثم العودة للاستئناف مجددًا".
وأشار هريدى إلى أنه يبدو أن إثيوبيا تريد ما هو أبعد من اتفاق السد، فهى تبحث عن معاهدة لتقسيم مياه النيل، بعيدًا عن اتفاقية إعلان المبادئ في ٢٠١٥، وهو أمر يحتاج إلى دراسة وتفاصيل أكبر وأكثر عن المعايير التى تريد طرحها، وفى النهاية نحن في انتظار بلورة الموقف الإثيوبي، وأعتقد أن مجال المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان ما زال مطروحًا ورحبًا، كما أعتقد أننا في المربع الأخير من المفاوضات".