عقد مجلس النواب اللبناني، اليوم الخميس، أولى جلساته عقب الانفجار المروع الذي وقع في مرفأ بيروت الأسبوع الماضي، وخلف آلاف القتلى والجرحى والمفقودين، فضلا عن تدمير أحياء واسعة من العاصمة اللبنانية، التي جرى إعلانها رسميا مدينة منكوبة.
ونجح مايسترو السياسة اللبنانية، رئيس البرلمان نبيه بري، في الإمساك بزمام الأمور، ما يشير إلى أن انفجار بيروت والاحتجاجات الشعبية التي تلته وأجبرت الحكومة على الاستقالة، لم تؤثر في القدرة الفائقة لعراب اتفاق الطائف، في إدارة التوازنات وصياغة التحالفات، وتوجيه اللكمات للخصوم إذا تطلب الأمر.
وتجلى ذلك في إشارة بري غير المباشرة لدوره في استقالة حكومة حسان دياب، بعدما دعا الأخير لتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة، وهو ما يبدو أنه اغضب بري، وسرع من استقالة حكومة دياب، رغم أنها عقب الانفجار حاولت التماسك والاستمرار. وعلق بري خلال جلسة البرلمان على ذلك، بالقول إنه "كانت هناك مؤامرة للاستقالات من المجلس النيابي وأن تصبح الحكومة تحاسب المجلس وليس المجلس يحاسب الحكومة".
كما وجه بري رسالة حاسمة برفض الدعوة لانتخابات مبكرة، وذلك من خلال تصويت المجلس على قبول استقالة 7 نواب بادروا لتلك الخطوة، في محاولة لدفع الكتل البرلمانية الكبرى لاتخاذ خطوة مماثلة، بما يقود في النهاية لحل البرلمان عمليا.
لكن تلك الكتل رفضت تلك المغامرة، لوجود أغلبية برلمانية موالية لحزب الله وحلفائه في حركة أمل والتيار الوطني الحر، وهو ما يمكنهم من استبدال النواب المستقيلين عبر الدعوة لانتخابات تكميلية لا يحق لأي نائب مستقيل خوضها.
واعتبر برى، خلال كلمته في مستهل الجلسة، أن "الوطن يحتضر أمامنا ولم يعد لدينا سوى العملية الجراحية من خلال الطائف وهي بالدولة المدنية، قانون انتخابي دون عائق مذهبي او طائفي، وتوحيد الضرائب على شكل تصاعدي، وضمان اجتماعي، والاسراع في تأليف حكومة يكون في بيانها الوزاري الاصلاحات ومكافحة الفساد".
واعترف بري بأن "لبنان اليوم أكثر من اي وقت مضى يعاني أزمة بنيوية أدت إلى أزمات مالية واقتصادية واجتماعية ثالثة في انفجار المرفأ الكارثي".
وأضاف: "الوطن يحتضر امامنا ولم يعد لدينا سوى العملية الجراحية، وهذا ممكن حتى من خلال نصوص دستور الطائف لنعكس تطلعات الشعب اللبناني الذي نحرص على تمثيله"، مشددا على أن "الجيش هو أحد أهم رموز الوحدة في لبنان ويجب وضع ثقتنا به".
وخلال الجلسة، التي عقدت الجلسة وسط اجراءات أمنية مشددة في محيط قصر الأونيسكو، المقر المؤقت لاجتماعات البرلمان، صادق النواب على إعلان حالة الطوارئ في بيروت، لمدة أسبوعين، فيما لم يتضح ما إذا كانت مصادقة البرلمان على مرسوم اعلان حالة الطوارئ، تعني بدء نفادها من اليوم، أم سيُحتسب ضمنها الأيام السابقة منذ الخامس من أغسطس الجاري.
وكانت الحكومة أعلنت غداة الانفجار حالة الطوارئ في بيروت لمدة أسبوعين حتى 18 أغسطس، من دون إقرارها في البرلمان، إذ إن القانون يخوّلها إعلان الطوارئ لمدة ثمانية أيام فقط. ويتوجب عليها الحصول على موافقة البرلمان في حال تجاوز هذه المدة.
ويثير إعلان حالة الطوارئ خشية منظمات حقوقية وناشطين نظراً للقيود التي يتضمنها خصوصاً على حرية التجمّع. وعبرت الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش "آية مجذوب" في تصريح لوكالة فرانس برس، اليوم الخميس، عن خشية المنظمة من "استخدام حالة الطوارئ ذريعة لقمع الاحتجاجات والقضاء على المطالب المشروعة لشريحة واسعة من اللبنانيين".
وقالت "المفكرة القانونية" وهي منظمة غير حكومية تُعنى بدرس القوانين وتقييمها، في بيان أمس الأربعاء إنّ "إعلان الطوارئ تبعاً للكارثة ولو جزئياً في بيروت يؤدي عملياً إلى تسليم مقاليد السلطة في المدينة إلى الجيش والمسّ بحريات التجمع والتظاهر". وأضافت "هذا الأمر غير مبرر طالما أن الكارثة لم تترافق أقله حتى الآن مع أيّ خطر أمني".
وتؤدي حالة الطوارئ، وفق المنظمة، إلى "توسيع صلاحية المحكمة العسكرية لمحاكمة المدنيين في جميع الجرائم المخلّة بالأمن". ويمكن للجيش من خلالها "منع الاجتماعات المخلّة بالأمن" بالإضافة إلى "فرض الإقامة الجبرية على من يقوم بنشاط يشكل خطراً على الأمن". كما يخوّله "الدخول إلى المنازل في أي وقت".
وبضغط من الشارع، استقالت حكومة حسان دياب، الاثنين الماضي، بينما يطالب المتظاهرون في الشارع برحيل الطبقة السياسية مجتمعة وكل المسؤولين المتهمين بالفساد وعدم الكفاءة. ورغم دعوات وجهها ناشطون ومجموعات مدنية للتظاهر قرب مكان انعقاد البرلمان، إلا أن الحضور كان خجولاً.
ويجري السياسيون اللبنانيون مشاورات في مرحلة مبكرة بشأن تشكيل حكومة جديدة، وهي عملية معقدة في بلد يموج بالانقسامات السياسية ويحكمه نظام لتقاسم السلطة على أساس طائفي.
وفي السياق، قالت السفارة الأمريكية إن من المتوقع أن يصل المسؤول الأمريكي الكبير ديفيد هيل إلى بيروت اليوم الخميس للتأكيد على عدة رسائل منها الحاجة الملحة للإصلاحات المالية وإصلاحات الحوكمة وإنهاء الفساد المستشري وتحقيق الشفافية.
وقالت السفارة الأمريكية إن هيل وكيل وزارة الخارجية "سيؤكد على استعداد أمريكا لدعم أي حكومة تعكس إرادة الشعب وتكون ملتزمة بشكل حقيقي بالعمل بناء على جدول أعمال إصلاحي".