كان مساء الخميس غير اعتيادي في منطقة الشرق الأوسط، حيث أفاق الجميع على "اختراق غير مسبوق" وُصِف بالتاريخي، عندما أعلنت الإمارات ودولة "إسرائيل" التوصل إلى اتفاق تطبيع للعلاقات بينهما، أطلق عليه اتفاق سلام، رغم أنّ البلدين لم يسبق لهما الحرب، لكن "لا وشاحة في الاصطلاح"، كما تقول القاعدة الشهيرة.
المهم أنّ هذا "الاختراق"، كما وصفه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، والذي أشرفت إدارته عليه، سيكون بوابة تدخل منها بقية دول الخليج إلى مرحلة التطبيع الكامل للعلاقات مع تل أبيب، كما ترى عدة تحليلات نشرت مؤخرا، أبرزها تحليل لمركز "ستراتفور".
ويضع الاتفاق، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، خارطة طريق للمسؤولين الإماراتيين والإسرائيليين لتوقيع صفقات التجارة والسفر والاستثمار والتكنولوجيا فيما يتابعون طريق التطبيع الدبلوماسي للمرة الأولى في تاريخ البلدين.
كما يتضمن الاتفاق، كما أعلن، تعهدًا من جانب "إسرائيل" بتجميد تعهدها بضم أجزاء من الضفة الغربية، وكذلك تعهد "إسرائيل" والإمارات بالتعاون في تطوير لقاح "كوفيد-19".
لا يغير شيئا
ومع ذلك، لا يخلق الاتفاق خارطة طريق واقعية لاستئناف عملية السلام الفلسطينية "الإسرائيلية"، كما لا يغير المسار الحالي في الضفة الغربية نحو دويلة فلسطينية مستقبلية غير قابلة للحياة.
وتعمل الإمارات و"إسرائيل" بشكل مطرد على زيادة العلاقات الناشئة بينهما منذ بداية العام.
وفي يناير الماضي، ظهر مسؤولون إماراتيون علنًا في البيت الأبيض أثناء التوقيع على خطة "ترامب" للسلام الفلسطيني "الإسرائيلي".
وفي مايو، كتب السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة أول مقال رسمي إماراتي في صحيفة "إسرائيلية".
دول خليجية أخرى
ويمثل الاتفاق سابقة للدول الأخرى لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، لا سيّما في منطقة الخليج العربي، حيث أشار المسؤولون الأمريكيون بالفعل إلى أن البحرين وسلطنة عُمان قد تتبعان الإمارات قريبا بتوقيع اتفاقات التطبيع الخاصة بهما.
كما سعت العديد من دول الخليج العربي إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل في الأعوام الأخيرة؛ حيث استضافت عُمان رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" في نوفمبر 2018.
واستضافت البحرين بهدوء وفودا تجارية وأمنية إسرائيلية لأعوام عديدة.
وعملت قطر منذ فترة طويلة مع إسرائيل لتزويد قطاع غزة بالمساعدات الإنسانية، وورد أن السعودية اشترت تقنيات أمنية إسرائيلية.
وفي حين أن بعض هذه التحركات كانت مدفوعة بالعداء المتبادل ضد إيران، فقد سعت بعض دول الخليج العربي أيضا إلى زيادة الوصول إلى الاقتصاد "الإسرائيلي" وقطاع التكنولوجيا هناك، وكذلك الشركات "الإسرائيلية" التي تبحث عن تنويع أسواقها.
ومع إعلان الإمارات العلني عن التطبيع، ستكون هذه الدول أكثر قدرة على استكشاف مساراتها الخاصة لعلاقات مماثلة مع إسرائيل، على أمل الاستفادة من الاقتصاد الديناميكي وقطاع التكنولوجيا في البلاد، وكذلك الاستفادة من التفوق العسكري الإسرائيلي.
ويشبه هذا إلى حد كبير كيف تمكن الأردن من استخدام معاهدة 1979 مع مصر كسابقة للتوقيع النهائي على معاهدة خاصة به مع إسرائيل عام 1994.
خارج الخليج
وقد تكون الدول حتى خارج منطقة الخليج العربي أكثر استعدادًا لاستكشاف أو توسيع علاقاتها نحو التطبيع.
وكان السودان، على سبيل المثال، يستكشف علاقات جديدة مع إسرائيل من خلال فتح مجاله الجوي لبعض الرحلات الجوية الإسرائيلية.
لكن في حين يعد الاتفاق بتجميد عملية الضم الإسرائيلية لأجزاء من الضفة الغربية، أوضحت "إسرائيل" أنها قد تستأنف الضم لاحقا.
وقال مسؤولون إسرائيليون إنّهم سيعلقون الضم بناء على طلب الولايات المتحدة من أجل تنفيذ هذا الاتفاق.
ومع ذلك، لم يكن هذا تنازلا صعبا، حيث كانت العملية مجمدة بالفعل بشكل أساسي. ووسط عودة ظهور إصابات "كوفيد-19"، أشارت الحكومة "الإسرائيلية" إلى أنها تركز بشكل أكبر على إدارة تداعيات موجة أخرى من الفيروس بدلا من الانشغال باستيعاب التداعيات المحتملة للضم.
وقد تصبح الظروف أكثر ملاءمة للضم مرة أخرى إذا خف الوباء واستقرت حكومة الوحدة الإسرائيلية.
لن يمنع "إسرائيل"
ثمة نقطة أخرى مهمة يلفت إليها التحليل المنشور في "ستراتفور"، وهي أن التطبيع الإضافي لعلاقاتها الإقليمية قد يشجع "إسرائيل" من خلال الإشارة إلى عدم وجود مصلحة دولية في التراجع عن الضم، الأمر الذي قد يدفع تل أبيب إلى تنفيذ عمليات الضم التي تعهدت بها في وادي نهر الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية ومناطق أخرى.
ومن شأن هذا بالطبع أن يجعل تصور دولة فلسطينية مستقبلية غير قابل للتنفيذ.