بعد نحو أسبوع من تعليق المفاوضات بشأن سد النهضة، جراء انسحاب مصر والسودان إثر تعنت أثيوبيا وتمسكها بعدم التوصل لاتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، وافقت مصر على استئناف المفاوضات ولكن شريطة إبرام اتفاق ملزم يحفظ الحقوق المائية لدولتي المصب، ويحد من أضرار السد عليهما.
وكان السودان ومصر قد تلقيا قبل أسبوعين، اقتراحا إثيوبيا مفاده ربط اتّفاق تشغيل سدّ النهضة باتفاق شامل بشأن تقاسم مياه النيل الأزرق، وهو ما قابلته الدولتان بالرفض الشديد، وتعليق المفاوضات للتشاور الداخلي.
استئناف المفاوضات
جاء قرار استئناف المفاوضات بمشاركة وزيري الخارجية والموارد المائية في الدول الثلاثة، أمس الأحد، في اجتماع دعت إليه جنوب أفريقيا بصفتها رئيس الإتحاد الأفريقي، وبحضور مصر والسودان وأثيوبيا، لبحث تطورات مفاوضات سد النهضة،.
وتقرر استئناف المفاوضات اعتبارا من غد الثلاثاء 18 أغسطس، بهدف التوصل إلى إتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة في أقرب فرصة ممكنة.
وأكدت مصر خلال الاجتماع أهمية التفاوض من أجل إبرام اتفاق مُلزم قانونا، ينظم عمليتي ملء وتشغيل سد النهضة، بما يحفظ حقوق الدول الثلاث ويؤمن مصالحها المائية ويحد من أضرار السد وآثاره على دولتي المصب.
تقارب مصري سوداني
ويأتي الاتفاق على استئناف مفاوضات سد النهضة، بعد تقارب مصري سوداني بدا واضحا خلال الفترة الأخيرة، واتفاق الدولتين على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم لأثيوبيا بشأن عمليتي تشغيل وملء سد النهضة.
وتوج التنسيق المصري السوداني، من خلال زيارة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، على رأس وفد رفيع المستوى، إلى الخرطوم، والتي التقى خلالها نظيره السوداني عبد الله حمدوك، والفريق أول محمد حمدان دقلو، النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السودانى، حيث تم التأكيد على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي والسياسي بين البلدين، إضافة لتنسيق المواقف بين البلدين بخصوص مفاوضات سد النهضة.
وخلال زيارة مدبولي للخرطوم، أكد الفريق أول محمد حمدان دقلو، النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السودانى، أهمية تطبيق مبدأ لا ضرر ولا ضرار، ومن ثم فإن هناك حاجة للتوصل لاتفاق يحفظ مصالح الدول الثلاث، ويلبى احتياجاتها التنموية، ويكون لبنة لمزيد من التعاون فى المستقبل.
وأضاف دقلو، أن السودان يؤيد موقف مصر القائم على ضرورة التفاوض، وعدم قيام أى طرف بإجراءات أحادية.
فيما أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال مؤتمر صحفي أثناء زيارته للخرطوم، أنه تم الاتفاق بين الجانبين المصري والسوداني، على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم حول تشغيل وملء سد النهضة من أجل مصالح الدول الثلاث، حسب ما أعلنته اتفاقية مبادئ 2015 في الخرطوم دون أضرار على أي طرف، وأهمية الاتفاق على تشكيل آلية لفض النزاعات بشأن تشغيل سد النهضة.
سبب الانسحاب
وكانت مصر والسودان قد قررتا مقاطعتهما للمفاوضات اعتراضًا على تعنت أديس أبابا، بعد أن قدمت أثيوبيا اقتراحا يستبعد "إرشادات التشغيل" وكذلك يتجاهل وجود "آلية قانونية لتسوية النزاعات".
وطلبت الدولتان تعليق المفاوضات لحين إجراء مشاورات داخلية بشأن بنود الاقتراح الإثيوبي الذي يخالف ما جرى الاتفاق عليه أثناء قمة برعاية الاتحاد الأفريقي.
وكان السودان ومصر قد تلقيا الأسبوع الماضي، اقتراحا إثيوبيا مفاده ربط اتّفاق تشغيل سدّ النهضة باتفاق شامل بشأن تقاسم مياه النيل الأزرق، وهو ما قابلته الدولتان بالرفض الشديد، وتعليق المفاوضات للتشاور الداخلي.
وذكرت مصر أن الاقتراح الإثيوبي لحل أزمة السد يفتقر تماما إلى ضوابط تشغيله أو أي آلية قانونية ملزمة لأديس أبابا.
رد أثيوبيا
وبالمقابل، تحدث وزير الري الإثيوبي سيليشي بقلي عن تفاؤله بشأن مسار المفاوضات، إذ غرد قائلا: "ترغب إثيوبيا في التوقيع في أقرب وقت على الاتفاق الأول الذي يتعلق بملء خزان السد مع مواصلة التفاوض للوصول إلى اتفاقية شاملة في فترات لاحقة".
وصرح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي في يوليو بأن بلاده أنجزت الهدف الأول لملء خزان السد بفضل الأمطار الغزيرة.
وتريد إثيوبيا اتفاق جزئي غير ملزم، يتعلق بقواعد استرشادية لملء السد، على أن يتم التفاوض عقب ذلك على اتفاق شامل يتضمن آلية التشغيل وتقسيم حصص المياه، وهو ما ترفضه الخرطوم والقاهرة بشدة.
موقف السودان
ومن جانبه أعلن وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين، استئناف التفاوض حول سد النهضة، للعمل على توحيد نصوص مسودات الاتفاقيات المقدمة من الدول الثلاث لتصاغ في وثيقة واحدة بواسطة ممثلي الدول الثلاثة والميسرين من الاتحاد الافريقي.
وقال وزير الخارجية السوداني، وفقا لما نقلته وكالة السودان للأنباء "سونا"، إن الوثيقة الموحدة سترفع إلى رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، بغرض مراجعتها والنظر في إمكانية أن تصبح أساسا لإتفاق بين الدول الثلاث.
وفي السياق نفسه أعلن وزير الري والمياه والإثيوبي سيلشي بيكيلي، استئناف مفاوضات سد النهضة، عقب اجتماع سُداسي مُشترك حول سد النهضة، بناء على دعوة من وزير خارجية جنوب أفريقيا، وبحضور مندوب الاتحاد الأفريقي ووزير خارجية جنوب أفريقيا.
وطالب السودان في خطابه، أمام الاجتماع أمس، بضرورة العودة للأجندة التي حددها خطاب رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، بتاريخ 4 أغسطس ٢٠٢٠ و تقرير الخبراء المقدم للقمة الأفريقية المصغرة بتاريخ ٢٤ يوليو ٢٠٢٠.
وجدد السودان التزامه بالعودة للمفاوضات بروح التضامن الأفريقي، وعلى أساس الأجندة التي اتفق عليها سابقا ومبادئ القانون الدولي الخاصة بالاستخدام المتساوي للموارد المائية من دون التسبب في مضار للآخرين.
وشدد السودان على أن التوصل لاتفاق شامل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة والمشروعات المستقبلية سيمثل دليل إضافي على تعزيز التعاون الإقليمي وتأكيدا لمبدأ البحث عن "حلول افريقية للمشاكل الأفريقية".
هل تنجح المفاوضات؟
وعن عودة المفاوضات بشأن سد النهضة، قال الدكتور هاني رسلان، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن جهود الاتحاد الأفريقي في مفاوضات السد أظهرت قدرا كبيرا من التراخى والضعف فى الإعداد للمفاوضات وفى إدارتها.
وأضاف رسلان، خلال منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أن الاتحاد الأفريقي أيضا أظهر تراخيا في ضبط مسار مفاوضات سد النهضة وبوصلتها، وأصبح الأمر يسير فى حركة دائرية بما يخدم الإستراتيجية الإثيوبية فى تواطؤ واضح ومكشوف.
وأشار إلى أن هناك عبارة غامضة وغير مفهومة وردت فى تصريحات وزير الخارجية السودانى عن الاجتماع السداسى بشأن مفاوضات سد النهضة، إذ قال :"الاجتماع لم ينجح الا فى الاتفاق على العمل على توحيد نصوص مسودات الاتفاقيات المقدمة من الدول الثلاث لتصاغ في وثيقة واحدة بواسطة ممثلي الدول الثلاثة والميسرين من الاتحاد الافريقي".
وتساءل رسلان: "كيف يمكن توحيد نصوص مسودات الاتفاقيات لكى تكون فى وثيقة واحدة؟ إذا كانت هناك تباينات هائلة إلى حد التناقض بين الموقف الأثيوبى من ناحية والموقفين المصرى والسودانى، كلا على حدة، فهل المقصود أن يتم وضع هذه المسودات فى كراسة واحدة؟.