"الأرض مقابل السلام، ولا تطبيع قبل السلام".. ظلت لفترة طويلة إحدى أهم الأوراق التي يلعب بها قادة فلسطين مع الاحتلال الإسرائيلي، لإغرائهم بالتفاوض، لكنها بعد تطبيع بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، وهرولة ما تبقى من تلك الدول للسعي لذات الأمر، لم يعد لتلك الورقة أي أهمية.
فالتطبيع في الآونة الأخيرة، لم يعد الحلم الصهيوني، نظرا لرغبة الدول العربية في التطبيع المجاني، وبين هذا وذاك تتبخر الآمال في عملية السلام وتترنح معها القضية الفلسطينية.
تطبيع الإمارات مع إسرائيل، ربما ينسف عملية السلام بين الفلسطينيين والاحتلال، نظرا لكونه "تطبيع غير مشروط"، لا علم للفلسطينيين به، "الجميع ربح إلا الفلسطينيين".
ربحت الإمارات الكثير من التقارب مع أكبر دولة في العالم "أمريكا"، واقتربت من اقتناء أحدث الأسلحة والمقاتلات الأمريكية كما ذكرت رويترز قبل أيام، وربح الصهاينة أيضا، باعتراف أول دولة خليجية بهم، دون تقديم أي تنازلات للفلسطينيين..
على الجانب الآخر خسرت فلسطين وحدها، كما في السابق، حين كانت تقاوم وحدها، خسرت الأرض، وخسرت ورقة ضغط ظلت بيدها لسنوات تستخدمها حين أرادت، فخسرت الدعم العربي حتى لو كان ظاهريا.
وبعد أيام من إعلان تطبيع الإمارات و"إسرائيل" قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تويتر، إن استئناف مفاوضات السلام ما زال يمثل أولوية للتوصل إلى حل عادل في الشرق الأوسط.
وقال ماكرون إنه تحدث إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأضاف: أخبرته بعزمي على العمل من أجل السلام في الشرق الأوسط.
صحيفة "الجارديان" البريطانية، اتفقت مع الفلسطينيين في خسارتهم، قائلة: إن الاتفاق الذي يطلق عليه "اتفاق إبراهيم" وجاء على أنقاض آمال الفلسطينيين في دولة مستقلة، يُنظر إليه على أنه "خطأ تاريخي".
الصحيفة البريطانية حرصت على كشف أسباب كل طرف لإبرام هذا الاتفاق، والخاسر الأكبر منه، حيث قالت: إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتجه نحو انتخابات رئاسية في نوفمبر المقبل، وسط توقعات بأن يخسرها، ومع فشله في الوفاء بالكثير من عوده الانتخابية، وبينها محادثات السلام مع كوريا الشمالية، وأفغانستان، وفشل "صفقة القرن" بين إسرائيل وفلسطين، فإن الاتفاق "إنجاز عظيم"، ومرحب به لتعزيز حظوظه الانتخابية.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإنه يأمل أن تنقذ الاتفاقية مع الإمارات، إرثه الملطخ كرئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة، حيث تضررت سمعته بسبب فشله، في ثلاث انتخابات متتالية في الحصول على أغلبية، واتهامات بالفساد، وتعامله السيء مع جائحة فيروس كورونا.
وأوضحت الصحيفة أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، سعى لإبرام الاتفاق لإنقاذ مكانته وبلاده دوليا، بعدما تضررت بشدة جراء دعمه للحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن وتدخله في ليبيا، حيث يجلب هذا الاتفاق، الاحترام لبلاده، ويسمح بزيادة التعاون التكنولوجي والتجاري والأمني مع إسرائيل، في مواجهة عدوهم المشترك، إيران، كما أنه يفتح الطريق أمام شراء الإمارات للأسلحة الأمريكية المحظورة سابقاً.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدوافع المختلفة لهؤلاء الثلاثة يبدو أنها لا علاقة لها بحل القضية الفلسطينية، ودفاعهم القائم على أن الإمارات وافقت على تطبيع العلاقات، مقابل وقف خطط ضم الضفة الغربية، يبدو مشكوكًا فيه إلى حد كبير.
وقد نفى نتنياهو التضحية بالضم من أجل التطبيع، قائلا: إن خطته تم تعليقها فقط بطلب من ترامب بوقف التنفيذ مؤقتًا.
من جهته، يعتقد ياوجين شيانج، باحث في شؤون الشرق الأوسط، وسياسة القوى العظمى في الشرق الأوسط، أن التطبيع الكامل للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل سيكون له تأثير عميق على مستوى الشرق الأوسط والوضع الأمني الدولي: ـ
أولا، وضع مربح لأمريكا والإمارات وإسرائيل، فالإعلان عن التطبيع الكامل للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل يشكل اختراقًا دبلوماسيًا كبيرًا لترامب، والذي نال إشادة بالإجماع من كل من الحكم والمعارضة، مما أدى إلى تحسين وضعه غير المواتي في الانتخابات المحلية.
وهذا يظهر أيضًا أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بقدرة قوية على التعامل مع قضية الشرق الأوسط. كما اتخذت الإمارات هذا أيضًا لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، وتبديد الاستياء الذي أحدثته الولايات المتحدة بسبب أزمة اليمن، والحصول على مزايا اقتصادية وتكنولوجية وأمنية من خلال تبادلاتها مع إسرائيل.
وفي ضوء تحسن العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية، قد تصدر الولايات المتحدة أسلحة ومعدات أكثر تطوراً لها لتعزيز قوتها العسكرية. كما قسمت إسرائيل العالم العربي بسهولة، وحسّنت عزلتها في المنطقة، واحتفظت بإمكانية توسيع وجودها في الضفة الغربية في المستقبل.
أما نتنياهو فاستخدم هذا الاتفاق لرسم صورة البطولة لنفسه، لتحوط من المعضلة السياسية التي يسببها الفساد والقتال غير الفعال ضد الوباء، وتحسين مكانة مجموعة الليكود في البلاد.
ثانيا: تحول القضية الإيرانية إلى صراع رئيسي في المنطقة بشكل متزايد حيث ظلت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي تقود اتجاه تطورات الوضع في الشرق الأوسط لفترة طويلة بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن القضية الفلسطينية مهمشة وتتضاءل بشكل تدريجي في الوقت الراهن، وأصبحت القضية الإيرانية بؤرة الصراعات الإقليمية على نحو متزايد.
وفي الواقع، بدأت إسرائيل منذ زمن بالفعل اتصالات وثيقة مع بعض الدول العربية في المنطقة، لتبادل المعلومات، والتعاون للرد على التهديدات الإيرانية، لكن معظمها ليست على العلن. وإن توقيع هذه الاتفاقية هو بمثابة وضع هذا النوع من التعاون السري على ساحة المسرح، كما أنه يتماشى مع محاولة الولايات المتحدة الترويج لإنشاء "نسخة عربية" من حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وفي الوقت الحالي، لا تزال دول عربية أخرى تنتظر وتراقب، وقد تتبع العديد من الدول بما فيها عمان والبحرين خطوات الإمارات لتحسين العلاقات مع إسرائيل. وإن إرسال دول الخليج العربية الست رسالة مشتركة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الآونة الأخيرة، تطلب تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران يدل أيضًا على الموقف الثابت لدول المنطقة في الرد على التهديد الإيراني. وقد يؤثر ذلك بشدة على الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط ويضع إيران وحلفائها تحت ضغط خارجي أكبر.
وانتقد الفلسطينيون بشدة الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وقالت السلطة الفلسطينية إنه ينسف مبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية، والإسلامية، والشرعية الدولية، ويشكل عدواناً على الشعب الفلسطيني، وتفريطاً بالحقوق الفلسطينية والمقدسات.
ووصفت السلطة الفلسطينية الاتفاق الإماراتي بأنه "خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية"، واعترافا بالقدس عاصمة لإسرائيل، معتبرة أنه "لا يحق لدولة الإمارات أو أية جهة أخرى، التحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني".
وأصدرت منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية والعديد من المجالس الوطنية والمؤسسات والكتاب والفنانين والمنظمات الأهلية والمجالس الإسلامية والمسيحية بيانات شجب واستنكار للاتفاق، ونظم فلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة مظاهرات ومسيرات للتعبير عن رفضهم للخطوة الإماراتية.
وفي أحدث التصريحات الفلسطينية ضد التطبيع الإماراتي، اتهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية اليوم الاثنين الإمارات باستغلال القضية الفلسطينية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وقال في بداية اجتماع الحكومة الأسبوعي في رام الله "إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل بقميص عثمان الفلسطيني مرفوض أيضا وإن موضوع الضم وتجميده جاء بسبب صلابة الموقف الفلسطيني وليس لسبب آخر".
وأضاف "الحديث عن فلسطين وما تقبل به وترفضه هو شأن القيادة الفلسطينية التي يمثل شرعيتها الرئيس (محمود عباس) أبو مازن.
وأشار اشتية في حديثه إلى أن إيران هي أحد أسباب توقيع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
وقال: "إن احتمال عودة الإدارة القادمة إلى الاتفاق الإيراني الأمريكي يجب ألا يكون سببا لمعركة عربية على حساب فلسطين. وإن مساندة (الرئيس الأمريكي) ترامب في حملته الانتخابية يجب ألا تكون على حسابنا أيضا".
وأضاف: "كما أن تعزيز ترسانة الأسلحة الإماراتية من المزود الأمريكي لن يكون على حساب القدس وفلسطين".
وقال اشتية إن "العدو المركزي للأمة العربية هو إسرائيل ونحن مع كل أو أي دولة عربية يتم الاعتداء عليها من أي طرف كان".
وأضاف، لا يمكن أن يكون بعض العرب حلفاء شيطان الاحتلال.
وحاول اشتية الفصل بين القيادة الإماراتية والشعب الإماراتي في ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
وقال "شعب الإمارات أهلنا وعلم الإمارات علم عربي ورفضنا لخطوة التطبيع لا يمس محبتنا تجاه أهلنا في الإمارات الذين تعيش القدس والمقدسات والأقصى أولى القبلتين وفلسطين في قلوبهم".
وأضاف "نرى في الخطوة الإماراتية خروجا فاضحا عن الإجماع العربي، وإذا عند العرب موقف آخر تجاه مبادرة السلام العربية فليتم نقاش ذلك في بيت العرب جامعة الدول العربية، ولتنفق على ذلك".
وقال اشتية: "إن محور الصراع هو الأرض، وأي سلام يجب أن يبنى على الانسحاب من الأرض المحتلة عام 1967".
وأضاف، "أن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن سلام مقابل سلام هو وهم من الخيال. إن مبدأ السلام من منطق القوة أيضا، مبدأ لا يصنع السلام، إن السلام يجب أن يكون على منطق العدل والحق والشرعية الدولية".
وقال اشتية إنه مهما حاولت إسرائيل "أن تتعامى عن الواقع، فمعركتها معنا نحن أصحاب الأرض، وسنبقى أوفياء لهذه الأرض".
يذكر أن ثمة مبادرات واتفاقيات كثيرة أجراها العرب مع الاحتلال الإسرائيلي.
كامب ديفيد
اتفاقية "كامب ديفيد" وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن ، ووقعت في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة عام 1978 بحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر.
ونصت الاتفاقية الأولى على وضع إطار للسلام الدائم في الشرق الأوسط، أما الاتفاقية الثانية فتضمنت محاور إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل والانسحاب من سيناء.
مؤتمر مدريد للسلام
انعقد مؤتمر السلام في الفترة من 30 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1991 في مدريد، وكان هدفه إحياء مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل.
وشاركت فيه مصر وسوريا ولبنان والأردن ووفد فلسطيني من الداخل وإسرائيل، وشارك فيه الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الاتحاد السوفيتي (حينها) ميخائيل غورباتشوف، بينما استبعدت منه منظمة التحرير الفلسطينية بضغط إسرائيلي.
وتم بحث التوصل إلى السلام بين العرب وإسرائيل، بينما رفضت إسرائيل بدء مفاوضات السلام فورا. ورغم انعقاد عدة جولات لاحقا في واشنطن، إلا أن مسار مدريد انتهى من دون نتائج تذكر.
اتفاقية أوسلو
ضمت اتفاقية أوسلو عام 1993 رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ورئيس وزراء "إسرائيل" إسحق رابين، ورئيس الولايات المتحدة بيل كلنتون.
وشملت البنود اعتراف منظمة التحرير بدولة إسرائيل، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير ممثلا للشعب الفلسطيني.
ومن بين البنود أنه يجب خلال 5 أعوام من الاتفاق، انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض أراضي الضفة والقطاع، والاعتراف بحق الفلسطينيين بإقامة حكم ذاتي، على أن تتم بعد 3 سنوات من الاتفاق، بدء "مفاوضات الوضع الدائم".
وضم "البند 8" من اتفاق أوسلو، التنسيق الأمني بين الجانبين، واتفاقيتا القاهرة وطابا، كما أن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن منع أي هجمات ضد إسرائيل.
واتفق الطرفان على تقسيم الضفة والقطاع إلى "المنطقة أ"، والتي تشمل سيطرة مدنية وأمنية فلسطينية، و"المنطقة ب"، التي تشهد سيطرة مدنية فلسطينية وعسكرية إسرائيلية، و"المنطقة ج"، التي تشهد سيطرة مدنية وعسكرية إسرائيلية.
اتفاقية وادي عربة
وقعت " اتفاقية وادي عربة" بين إسرائيل والأردن على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة، ووقعت في أكتوبر عام 1994 لتسوية العلاقات بين البلدين والنزاعات الحدودية.
وقع الاتفاقية رئيسا الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والأردني عبد السلام المجالي، بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون.
واعتبرت الاتفاقية خيارا استراتيجيا أردنيا لضمان عدم خسارة أراضي المملكة.
مبادرة السلام العربية
هذه المبادرة طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأقرتها قمة الجامعة العربية في بيروت عام 2002.
وتشمل بنودها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة لانسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة عام 1967.
كما شملت البنود انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ومن الجولان السوري، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
بالمقابل، تعترف الدول العربية بإسرائيل وتطبّع العلاقات معها ، كما تم دعوة المجتمع الدولي إلى دعم هذه المبادرة.