كشفت تقارير صحفية في لبنان، اليوم الخميس، عن انطلاق "مشاورات ظل" لتشكيل الحكومة الجديدة، للتوصل إلى اتفاق قبل تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، مشيرة إلى صعود اسم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، إلى قائمة الترشيحات، وهو ما يشير لدوران الطبقة السياسية في لبنان في نفس مواقعها، وهو الأمر الذي دفع مسؤول أمريكي بارز للتحذير من أن البلد وصلت إلى "الحضيض".
وكشفت صحيفة "اللواء"، القريبة من تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، أن رئيس البرلمان نبيه بري، سارع إلى التحرك لفتح الملف الحكومي والتصدي للمشكلات القائمة المتراكمة والتي زادتها كارثة انفجار بيروت، فزار رئيس الجمهورية ميشال عون وأجرى "جولة أفق" تناولت الأوضاع العامة في البلاد والاتصالات الجارية لتشكيل حكومة جديدة.
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن "التواصل سيستمر خلال الساعات المقبلة للتوصل إلى تفاهم ضروري قبل الذهاب إلى الاستشارات النيابية الملزمة، لأن اوضاع البلاد لا تحتمل أي تأخير في معالجة المشكلات القائمة، علماً أن عون وبري يقومان بمشاورات تتعلق بملف تأليف الحكومة من رئيسها الى شكلها وبرنامجها".
ورجحت المصادر، بحسب الصحيفة، أن يكثف الرئيس بري اتصالاته بالقوى السياسية في سبيل تسهيل عملية التكليف ومن ثم التأليف، وسط معلومات عن تقدم اسم الرئيس سعد الحريري كرجل المرحلة. واستبعدت المصادر أن تتم الدعوة الى الاستشارات هذا الأسبوع، ورجحت أن تتم خلال الاسبوعين المقبلين، لوجود شروط وشروط مضادة بين الحريري وبين الأطراف الأخرى.
وأوضحت المصادر أن رئيس الجمهورية يفضل حكومة اقطاب إنما لا يرى أي مانع في البحث في صيغة بديلة خصوصا في ظل تحفظ بعض الأطراف عليها، موضحة أن المواقف الصادرة عن الرئيس الحريري بعد صدور حكم المحكمة الدولية تحمل في طياتها مناخ تهدئة أكثر من تصعيد.
ولفتت صحيفة "اللواء" إلى أن زيارة الموفد الأمريكي ديفيد هايل اعطت دفعا للموقف الفرنسي بخصوص تشكيل حكومة مقبولة من جميع الأطراف لإخراج البلد من أزمته المالية والقيام بالإصلاحات المطلوبة بالسرعة اللازمة ووضع لبنان في مرحلة جديدة.
وأضافت أن بري عرض على عون تشكيل حكومة انقاذ وطني من عشرة أعضاء برئاسة الحريري تضم اختصاصيين مشهود لهم بمهنيتهم وخبرتهم بالحقل العام، تتولى عملية الاصلاحات البنيوية المطلوبة في القطاعات والإدارات وتعيد تواصل لبنان مع العرب والخارج وتباشر سريعا بحل الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية المتدحرجة وتعيد اعمار المناطق المهدمة والمتضررة جراء انفجار بيروت. وكشفت المصادر ان عون بدا وكأنه فوجئ بما طرحه بري، وطلب يومين للرد على مبادرته.
في المقابل، نفت الرئاسة اللبنانية، ما ذكرته محطة MTV أمس الأربعاء عن بحث عون وبري مسألة تشكيل الحكومة، وأن رئيس الجمهورية طالب بحكومة أقطاب بهدف عدم استبعاد النائب حبران باسيل عنها، مؤكدة أن ذلك "خبر كاذب لا أساس له من الصحة"، وأن بري وعون لم يتطرقا إلى هذه المسألة مطلقا.
وفي السياق، قال رئيس الكتلة البرلمان لحزب الله النائب محمد رعد إنّ "أمريكا حددت سقوفاً لتشكيل الحكومة، بعدما تحدثت فرنسا عن حكومة وحدة وطنيّة"، مضيفاً أن "لا مشكلة مع أيّ مبادرة طالما هناك أطراف محليّون يعلمون مصلحتهم". وأعلن رعد في حديث مع قناة "الميادين"، أن آخر وصف مطروح من قبل أطراف خارجيّة للحكومة المقبلة هو "حكومة المهمات المستقلة"، لافتا إلى أن الحديث عن "حكومة وحدة وطنية تجمع كل الفرقاء يبدو أنه سحب من التداول".
من جانبه، قال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل إن لبنان بلغ أدنى مستوى ولم يعد بإمكانه تحمل قيادة يرى الشعب أنها تعمل على إثراء نفسها وتتجاهل المطالب الشعبية.
ونقلت وكالة رويترز عن هيل قوله "إنهم يرون حكاما يستخدمون النظام لإثراء أنفسهم وتجاهل المطالب الشعبية". وتابع "لقد انتهت تلك الحقبة. لم يعد هناك المزيد من المال لذلك. لقد وصلوا إلى الحضيض وأعتقد أن القيادة عاجلا أم آجلا ستقدر حقيقة أن الوقت قد حان للتغيير. وإذا لم يحدث ذلك فأنا على قناعة بأن الجماهير ستكثف الضغوط عليهم".
وقال هيل ان واشنطن لن تقدّم مساعدات طويلة الأجل للبنان حتى ترى قيادة قادرة على الإصلاح والتغيير، مشيراً إلى أن لبنان بحاجة لتطبيق إصلاحات اقتصادية ونقدية ومحاربة الفساد المستشري وتحسين الشفافية.
وأكد هيل ان مشاكل لبنان لا يمكن حلها من الخارج، وتتطلب قيادة ملتزمة بالإصلاح ولفت إلى أن الإصلاحات المطلوبة في لبنان تشمل تنويع الاقتصاد ومراجعة نظام الكهرباء ومراجعة حسابات المصرف المركزي.
ولاحظ المسؤول الأمريكي أن الإصلاحات الضرورية تتعارض مع مصالح جميع الأطراف التي تريد بقاء الوضع الراهن في لبنان بمن فيهم حزب الله، لكنه ألمح لإمكانية قبول حكومة جديدة بمشاركة حزب الله، قائلا: "واشنطن تمكنت من التعامل مع حكومات لبنانية سابقة تضمنت عناصر من حزب الله".
وعلى صعيد الأزمة الاقتصادية، أشارت دراسة أجرتها لجنةُ الأممِ المتحدةِ الاجتماعيةُ والاقتصاديةُ لغربِ آسيا (الإسكوا) إلى أنَ نصفَ سكانِ لبنانَ باتوا يعيشونَ تحتَ خطِّ الفقر، وأنَّ الحلَّ الوحيدَ امامَ اللبنانيينَ هو التضامنُ كضرورةٍ حتميةٍ للحدِّ من آثارِ الصدَماتِ المتعددةِ والمتداخلة.
وتُشير دراسة الاسكوا، إلى أن العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون بحسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولاراً أمريكياً في اليوم). وهذا يعني عمليًا تآكل الطبقة الوسطى بشكل كبير، وانخفاض نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى أقل من 40% من السكان. وليست فئة الميسورين بمنأًى عن الصدمات، بل تقلّصت إلى ثلث حجمها هي أيضًا، من 15% في عام 2019 إلى 5% في عام 2020.
ومن اللافت أن لبنان يسجل أعلى مستويات التفاوت في توزيع الثروة في المنطقة العربية والعالم. ففي عام 2019، بلغت ثروة أغنى 10% ما يقارب 70% من مجموع الثروات الشخصية المقدَّرة قيمتها بحوالي 232.2 مليار دولار. ورغم أن هذه النسبة ستنخفض في عام 2020 على أثر الصدمات المتعددة والمتداخلة، إلا أن التفاوت الشديد في توزيع الثروة سيستمرّ، وهو ما يعكس كذلك تفشي الفساد والرشى والإثراء غير المشروع.