يستمر صدى الانفجار الذي هز بيروت في 4 أغسطس الجاري محليا ودوليا، حيث يزيد هذا الحدث الكارثي من عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد ويسمح بتوسيع التدخل الأجنبي في لبنان. ومهما كان السيناريو المستقبلي للأحداث فسيكون له تأثير عميق على البلاد.
أودى الانفجار بحياة أكثر من 220 شخصًا وفقدان أكثر من 100 شخص، وجرح أكثر من 6000 شخص، وتشريد 300 ألف شخص وتشير جميع الدلائل إلى أن الانفجار كان نتيجة تفجير 2750 طنًا من نترات الأمونيوم المخزنة منذ 6 سنوات في ميناء مدني دون أي تدابير أمنية.
قبل الاستقالة شكّلت الحكومة اللبنانية لجنة تحقيق برئاسة رئيس الوزراء "حسان دياب" وتضمنت وزراء الدفاع والداخلية والعدل وقائد القوات المسلحة العماد "جوزيف عون" والقادة الرئيسيين للأجهزة الأمنية الرئيسية في البلاد.
ومع بدء التحقيق الحكومي، تم اعتقال 19 موظفًا عمومًيا، معظمهم من البيروقراطية التي تدير مرفأ بيروت ومصلحة الجمارك.
وقبل ساعات من استقالة الحكومة قدمت اللجنة تقريرها لسكرتير مجلس الوزراء. وكان القصد من هذه الوثيقة هو تسهيل التحقيق الفعلي الذي يقوم به القضاء.
تحقيق دولي
كانت هناك دعوات لإجراء تحقيق دولي، بالنظر إلى سجل لبنان السيئ في أي تحقيق عن إهمال أوفساد حكومي، لكن هذه الدعوات قوبلت بالرفض من قبل الرئيس "ميشال عون" و"حزب الله".
على أية حال، في 10 أغسطس، استقالت بالفعل حكومة "حسان دياب" حيث لم يكن أمام النخب الحاكمة و"حزب الله" خيار سوى سحب دعمهما لـ"دياب"، الذي اضطر للتنحي بسبب الاستقالات المتتالية لوزرائه. حاول "دياب" القيام بمناورة أخيرة بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة من شأنها تغيير الديناميكيات السياسية في البلاد، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل.
بعد انفجار بيروت، عادت السياسة اللبنانية الآن إلى المربع الأول، مع طرح الأسماء نفسها لشغل منصب رئيس الوزراء المقبل: رئيس الوزراء الأسبق "سعد الحريري" والسفير السابق والممثل الدائم للبنان لدى الأمم المتحدة، "نواف سلام"، وهو يعمل الآن قاضيا في محكمة العدل الدولية.
كانت استقالة "دياب" حتمية منذ اليوم الأول للانفجار، لكن السؤال الآن ماذا سيأتي.
وقد استقال بعض البرلمانيين بالفعل وهناك دعوات لإجراء انتخابات مبكرة.
في النهاية، يرى محللون أن جزء مهم من السبيل للخروج من هذه الأزمة الوطنية يكمن في إعادة تشكيل المشهد السياسي بانتخابات برلمانية شفافة ونزيهة.
أسئلة مهمة
وبحسب المحلل السياسي في المركز العربي لنزاعات الشرق الأوسط في واشنطن "جو معكرون"، فإن هذا الوضع يطرح أسئلة مهمة، مثل: أي حكومة ستنظم هذه الانتخابات؟ كيف يمكن أن يتم التصويت العام في عاصمة مدمرة؟ على أي قانون انتخابي ستتم الانتخابات؟ لدى المتظاهرين في الشوارع إرادة للتغيير، لكن لم يتضح بعد كيف سيتمكنون من توجيه هذه الإرادة إلى مجموعات سياسية يمكنها التنافس في الانتخابات مع الأحزاب السياسية التقليدية والقادة الإقطاعيين.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن تنظيم انتخابات مبكرة يحظى بدعم دولي، في هذه المرحلة على الأقل.
ويضيف: "وفي حين أن المحتجين اللبنانيين لديهم تحفظات واضحة على سعد الحريري الذي اضطر للتنحي في أكتوبر الماضي تحت ضغط شعبي، فإن النخب الحاكمة في البلاد تريد رؤيته في السلطة مرة أخرى".
لكن يبدو أن باريس، والحديث لـ"معكرون"، وواشنطن تميلان لتأييد "نواف سلام" لأن سمعته لم تلوث في السياسة اللبنانية، لكنه يواجه فيتو "حزب الله" بسبب الآراء والسياسات التي طرحها عندما عمل كمندوب دائم للبنان لدى الأمم المتحدة.
ويرى أنه إذا تم استغلال "الحريري" في نهاية المطاف، فقد تكون شروطه المسبقة تشكيل حكومة تستبعد نفوذ "حزب الله" ووزير الخارجية السابق "جبران باسيل".
بغض النظر عن السيناريو الأرجح، فإن الطريق نحو تشكيل الحكومة سيكون إشكاليًا وصعبًا ما لم يظهر إجماع واضح حول مرشح ليصبح رئيس الوزراء المقبل.
تنافس القوى الأجنبية
لا زال التنافس بين القوى الأجنبية على لبنان قائم منذ فترة طويلة وسيزداد حدة بعد الانفجار، فيما يفتقر لبنان إلى الموارد الأساسية لبدء جهود إعادة الإعمار، خاصةً أنه بالفعل في حالة انهيار مالي.
ويمثل دور باريس في لبنان النفوذ الفرنسي الوحيد المتبقي في المنطقة.
لهذا كان الرئيس "ماكرون" حريصاً على ألا يؤدي انفجار بيروت إلى فراغ في السلطة.
تعمل هذه المأساة على تغيير المشهد السياسي اللبناني تدريجياً وزيادة التدخل الأجنبي، الأمر الذي قد لا يفيد بالضرورة الشعب اللبناني ما لم يشجع المجتمع الدولي البلاد بقوة على السير في مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية.