رغم مرور نحو أسبوع، لم يتوقف الحديث داخل العاصمة السودانية الخرطوم عن تصريحات المتحدث باسم الخارجية السودانية حيدر بدوي صادق، التي أكد فيها استعداد بلاده للتطبيع مع الكيان الصهيوني على خطى الإمارات، وهو ما كلفه منصبه، بعدما تنصلت الوزارة من التصريحات، لكن كثيرين يعتقدون أن مياه التطبيع مازالت تجري في مسارها.
تصريحات المتحدث باسم خارجية السودان آنذاك، أكدت أن قطار التطبيع بين السودان وإسرائيل يوشك على بلوغ محطته الأخيرة بعد ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتصريحات المنسوبة للخارجية السودانية، والتي تؤكد وجود اتصالات متبادلة وتتطلع للسلام مع إسرائيل.
أيضا، تطبيع الخرطوم مع تل أبيب عاد إلى الواجهة مرة أخرى قبل ساعات، عقب إعلان وسائل إعلام سودانية عن زيارة لوزير خارجية أمريكا مايك بوميو للسودان، عقب زيارة مقررة لكل من "إسرائيل" والإمارات، وصولا للخرطوم.
ووفق تقارير لوسائل إعلام، أكد مسؤول بالحكومة السودانية الأحد، أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، سيزور بلاده خلال الأيام المقبلة.
وأحجم المسؤول السوداني، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، عن تقديم تفاصيل عن زيارة بومبيو، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز".
ومن المقرر أن يزور بومبيو أيضا الاحتلال الإسرائيلي والإمارات يومي الاثنين والثلاثاء، بعد اتفاقهما هذا الشهر على إقامة علاقات كاملة بينهما.
التحركات التي يقوم بها المسئول الأمريكي ربما تكون بداية إعلان مزيد من التطبيع العربي مع دولة الكيان الصهيوني.
ويرى جانب من السودانيين، على مواقع التواصل الاجتماعي، أن التطبيع مع إسرائيل قد يكون مخرجا للسودان ووسيلة لإعادته إلى المجتمع الدولي، خاصة في ظل ما يعيشه من أوضاع اقتصادية صعبة.
في المقابل، يرفض المعارضون فكرة التطبيع ويشككون في إمكانية تحقيق مصلحة اقتصادية، مطالبين المؤيدين بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية للدول التي طبعت مع الاحتلال.
ووفق مراقبين، تؤكد التصريحات السودانية والإسرائيلية على وجود حوار بين البلدين يجري في الخفاء تمسك بأطرافه شخصيات غير معروفة في الحكومة السودانية.
واللافت أن ملف التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب ما زالت خيوطه تدار خارج وزارة الخارجية السودانية على الرغم من توصية بإحالة الملف للخارجية إثر أزمة داخلية تسبب فيها لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعنتيبي الأوغندية في فبراير الماضي، بسبب ما احتجاج الحكومة السودانية على عدم إطلاعها المسبق باللقاء.
ويحاط ملف التطبيع بحرج بالغ مع وجود أصوات تسانده جهرا، وطبقا لدبلوماسي في الخارجية السودانية فإن الوزارة خالية حتى الآن من أي إدارة مختصة بإسرائيل.
ويقول الدبلوماسي الذي رفض ذكر اسمه، إن هناك إدارات في وزارة الخارجية مثل الإدارة العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية والأمريكتين، دون استحداث أي دائرة تعنى بالتطبيع مع إسرائيل.
محمد وداعة القيادي في حزب البعث السوداني وتحالف قوى الحرية والتغيير، قال، إن "التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب أصبح واردا ويتم في الظلام".
وحذر وداعة في تصريحات صحفية، الأطراف السودانية من الانجرار لما يسميها "فخاخا" خاصة أن الإمارات ستمارس ضغوطا على الدول التي لم تطبّع.
وأوضح أن صفقة القرن متدحرجة ككرة ثلج يزداد حجمها، ودول عربية تتهافت مقابل وعد إسرائيلي بالاستثمارات بينما دول عربية فقيرة من بينها السودان في أمسّ الحاجة لهذه الاستثمارات.
ويتابع "السودان انتظر الدعم السعودي والإماراتي وأدار ظهره لمحاور إقليمية كانت تدعمه، والآن يدفع في فواتير بلا مقابل".
ويتساءل وداعة "ما مصلحة السودان في إقامة علاقة مع إسرائيل؟ الإدارة الأمريكية هي من تقرر رفع العقوبات وليس اللوبي اليهودي.. العراق الآن خاضع لأمريكا ويحتل قصوره عملاؤها، وما زال العراق خاضعا للعقوبات الأمريكية".
ويرى محمد وداعة أن موضوعا خطيرا كالتطبيع مع إسرائيل يفترض أن يتم بإرادة شعبية، لأن السودانيين لن يقبلوا بأن تتخذ حكومة غير مفوضة مثل هذه الخطوة التي ستضعنا في محك خطير
يذكر أنه قبل أيام، قال نتنياهو إن تصريحات الخارجية السودانية، تعكس القرار الشجاع الذي اتخذه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان والذي دعا للعمل على تعزيز العلاقات بين البلدين، مضيفا أن إسرائيل والسودان والمنطقة بأسرها ستربح من اتفاقية التطبيع ومن شأنها أن تبني مستقبلا أفضل لجميع شعوب المنطقة، وأكد أن إسرائيل ستقوم بكل ما يلزم من أجل تطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع.
ومؤكدا على قرب التطبيع بينهما، كشف وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، قبل أيام، عن وجود اتصالات جارية مع السودان للتوصل إلى اتفاق تطبيع، مرجحا خطوات مماثلة من دول خليجية وأفريقية.
وقال كوهين للمحطة الإخبارية الإسرائيلية (12) إن "الاتصالات تجري بالفعل بين الطرفين"، دون كشف المزيد من التفاصيل.
وأضاف أنه "إذا تم التوصل لاتفاق تطبيع، فيجب أن يشمل قضية إعادة المتسللين السودانيين من إسرائيل إلى الخرطوم".
وتابع: "لم يجر الحديث عن أرقام (المتسللين) حتى الآن، وسيحدث ذلك مع تقدم المحادثات ونصل إلى مرحلة توقيع الاتفاق".
وكان العشرات من السودانيين تسللوا إلى إسرائيل من خلال الحدود اللبنانية في الأشهر الماضية وتم اعتقالهم.
ورجح كوهين أن "يتم التوصل إلى اتفاقيات إضافية مع دول أخرى في الخليج ودول في إفريقيا"، لم يسمها.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد التقى رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أوغندا، فبراير الماضي ، واتفقا على "بدء التعاون المؤدي إلى تطبيع العلاقات" بين الجانبين.
وقال رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول البرهان، في حينها إن لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أتي "في إطار بحث السودان عن مصالحه الوطنية والأمنية".
وفي الشهر ذاته، عبرت طائرة إسرائيلية لأول مرة الأجواء السودانية، حسب وسائل إعلام إسرائيلية آنذاك.