لا تزال التحليلات تتوالي، محاولة سبر أغوار الصفقة المفاجئة التي أعلنتها الإمارات وإسرائيل، في منتصف أغسطس الجاري، ومصطلح "سبر الاغوار" مقصود بكل معانيه في هذه الحالة، فالاتفاق تظهر عليه ملامح التسرع نحو شئ ما، ويغيب عنه الصبغة الاستراتيجية وتنقصه أهداف السياسة المتأنية، وفقا لكثير من المحللين.
إحدى أبرز الفرضيات التي تبرز في هذا الإطار هي الحرب مع إيران، أو بمعنى أصح، الرغبة في إشعال حرب مع إيران.
في تحليل سابق، أشرنا إلى أن التحالف بين أبوظبي وتل أبيب كان بمثابة رد فعل على الشعور بوجود نية كاملة من الولايات المتحدة للتخفف من أعباء المنطقة، وبالتالي، وجدت الإمارات، كإحدى أبرز دول الخليج الغنية والمهتمة بالتقارب مع النمط الغربي للتنمية، نفسها بحاجة إلى تحالف مع كيان يتمتع بمستوى تنموي غربي النكهة، ومدعوم بالكامل من الولايات المتحدة والغرب، والأهم أنه يكافح ضد إيران بضراوة.
النقطة الثانية، والتي سيركز عليها هذا التحليل، هي "الرغبة" في إشعال الحرب مع إيران، لأسباب انتخابية وسياسية واقتصادية أيضا.
مهمة انتحارية للحرب
يقول الكاتب والمحلل الأمريكي "مارتن جاي"، إنه من الصعب معرفة مكان وجود الأخبار السارة لأي شخص ذكي ومطلع على تاريخ المنطقة وهو يشاهد هذه الصفقة.
ويضيف، في تحليل نشره موقع "إنسايد أرابيا"، مؤخرا: لقد تم إلقاء الفلسطينيين في النهر، بينما يقوم "ترامب" بمهمة انتحارية بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، ويكافح "نتنياهو" من أجل البقاء.
ويردف: "جاي": يعاني "بن زايد" من مشاكل حقيقية مع الاقتصاد؛ حيث خسرت الإمارات بالفعل 75% من إيراداتها السياحية بالعملة الصعبة، بينما يغادر العمال الوافدون في الوقت الذي لن يحدث فيه تخفيف القوانين المتعلقة بالكحول فرقًا.
ويمضى المحلل الأمريكي قائلا: "يبدو أن الجميع بحاجة إلى حرب مع إيران فقط لتوجيه الكاميرات إليها، بينما يكتشفون خطوتهم التالية".
هنا بيت القصيد، فإذا كانت هناك اتفاقية مصممة لإحداث حرب في الشرق الأوسط، فستكون هذه الاتفاقية بين اسرائيل والإمارات.
لكن هل سيكون "ترامب" أو "نتنياهو" حاضرين لمواجهة الإهانة عندما تلعب إيران ورقتها؟.. هكذا يتساءل "مارتن جاي".
يشير المعلقون في الشرق الأوسط الذين يشيدون بالصفقة إلى الفوائد التي ستعود على الإمارات بسببها (الوصول إلى تكنولوجيا الدفاع والتجسس الإسرائيلية، ناهيك عن الأجهزة)، وعلى إسرائيل (المزيد من الأموال القادمة، والوظائف التي سيتم توفيرها)، وعلى "ترامب" (جرى الإشادة به كوسيط السلام في الشرق الأوسط).
وسيط السلام
ما يفعله "ترامب" هو نفس ما فعله الرؤساء تقليديا في الشرق الأوسط وهو محاولة الظهور بمظهر "وسيط السلام".
ويتساءل "جاي": من يستطيع أن ينسى كوميديا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير" الذي أصبح "مفاوض سلام" في نفس المنطقة حيث كان مسؤولا عن قتل آلاف العراقيين الأبرياء على أساس معلومات استخباراتية مزيفة؟.
لقد أراد الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي" الأمر نفسه، ولذلك أسس مؤسسته الفكرية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتعمل بالتوازي مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وباريس.
ويقول المحلل الأمريكي "جي مايكل سبرنجمان" إن ما تم توقيعه بين الإمارات وإسرائيل هو في الحقيقة أي شيء سوى اتفاق سلام، إنه أكثر من اتفاق يضمن المزيد من التوتر في المنطقة، وهو ما قد يدركه ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" الذي من المحتمل أن يكون الطرف الوحيد في الاتفاقية المتواجد بعد نوفمبر المقبل.
لا ننسى أن كل من "ترامب" و"نتنياهو" يكافحان من أجل البقاء حيث أغرقهما مسارهما السياسي في مزاعم الفضيحة والكسب غير المشروع. وما يوحدهم على حد سواء هو استجابتهم المتعثرة للوباء والتحديات الحقيقية التي يواجهونها في بلدانهم بسبب فشلهم في حماية الوظائف وإنقاذ الاقتصاد.
أطراف الصفقة يترنحون
بالتأكيد، الصفقة لن تدوم طويلا. وخاصة أن أحد أطرافها "نتنياهو"، الذي لا يمكن الوثوق فيه والذي يبحث عن أي قشر يمكن أن يلقي به في الهواء لإلهاء الصحفيين بعيدًا عن المرجل الذي يجلس فيه، والذي سيكون ساخنًا بشكل خاص في الأشهر المقبلة.
لقد حاول "نتنياهو" خلق أزمة على الحدود مع لبنان وأرسل وحدات عسكرية إلى هناك من أجل وسائل الإعلام للحصول على القصة التي يريدها.
ويضيف "سبرنجمان": في الواقع، يُظهر لنا التاريخ مرة أخرى أنه يوجد في إسرائيل نمط من القادة الذين يستخدمون لبنان و"حزب الله" كذريعة لإعطاء أنفسهم فرصا سياسية. ويعتقد كثيرون أن إسرائيل كانت لها يد في انفجار بيروت.
ومن المفارقات، بحسب "سبرنجمان"، أن هذه الصفقة بالذات لن تؤدي إلا إلى مزيد من العداء لإيران وربما تقود نظامها إلى تمويل مجموعات في الضفة الغربية وغزة بشكل أكبر عندما تبدأ القذائف في الظهور وتبدأ انتفاضة جديدة في الأراضي المحتلة.
تستعد إيران بشكل أو بآخر للحرب مع الولايات المتحدة وحلفائها على أي حال؛ حيث يعتقد قلة في طهران أن النظام يمكن أن يستمر دون الاستجابة لمطالب المتشددين الذين أوضحوا أنهم لن يكتفوا بالمشاهدة فقط لمدة 4 سنوات أخرى في حال فوز "ترامب".
على كل حال، الأمور في هذه النقطة تحديدا ستتسارع بشكل درامي، وستنبأنا الأيام المقبلة عن تطورات شديدة الاهمية في منطقة الخليج والعلاقة مع إيران.