من المعروف عن قادة الأردن قدرتهم على البقاء على الحياد قدر الإمكان، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات العربية البينية.
ظهر ذلك بوضوح في رد فعل عمّان على التطبيع الإماراتي مع الاحتلال الصهيوني، عندما رفضت تأييد أو معارضة اتفاق التطبيع الكامل للعلاقات، بينما حثت المملكة الدولة الخليجية الصديقة على السعي لإنهاء الاحتلال.
وقال وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" لوسائل إعلام حكومية، إن "قرار الإمارات سيقود المنطقة نحو سلام عادل إذا تعاملت معه إسرائيل على أنه حافز لإنهاء الاحتلال".
وخلص "الصفدي" إلى أنه "بعد الاتفاق، يجب على إسرائيل إنهاء أي تحركات أحادية الجانب لضم الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، والتي "تعرقل آفاق السلام وتنتهك الحقوق الفلسطينية"، دون أن يوضح ما إذا كان الأردن يدعم أو يرفض الخطوة الإماراتية.
وبالرغم من التفاصيل الدبلوماسية، كان من الواضح أن المسؤولين الأردنيين غير راضين عن هذه الخطوة لأنها أضعفت الإجماع العربي حول "مبادرة السلام العربية" لعام 2002، التي أقرتها جامعة الدول العربية.
الإمارات حصدت ثمار جهود الأردن
ويرى المحلل والصحفي الفلسطيني "داود كتاب"، أنه يوجد اعتقاد غير معلن، لكنه راسخ، بأن دولة الإمارات حصدت ثمار العمل الشاق الذي قام به الأردن وآخرون في المجتمع الدولي قبل 1 يوليو الماضي لضمان عدم قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بتنفيذ تهديدات الضم.
وقال "ممدوح العبادي"، نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، إن "الإمارات لم تشارك في القضية الفلسطينية لا في الحرب ولا في السلام، وليس لها وزن في الصراع العربي الإسرائيلي، على عكس دول مثل الأردن وسوريا والعراق".
ووصف "العبادي" الصفقة الإماراتية الإسرائيلية بأنها "لفتة فارغة"، تتناقض مع مزاعم الإمارات حول دورها في وقف الضم الإسرائيلي.
وأضاف: "هذه الاتفاقية لا تنتج أي قيمة حقيقية للإمارات. الفائز الحقيقي هو ترامب".
ويرى "كتاب" أنه في حين يتلقى الأردن الآن دعما نقديا من الإمارات والسعودية حاليا أقل بكثير مما كان يتلقاه من قبل من الدولتين الخليجيتين، إلا أن هناك العديد من الأسباب التي جعلت عمّان تتراجع عن معارضة أبوظبي علنا.
ووفقا للبنك المركزي الأردني، ففي عام 2019 تم تحويل ما مجموعه 3.7 مليار دولار من قبل الأردنيين العاملين في الخارج، 79% منهم يعملون في منطقة الخليج.
ومن بين نحو 750 ألف مغترب أردني، يوجد نحو 200 ألف يعملون في الإمارات وحدها.
عزل الإمارات عربيا
وقال "عدنان أبو عودة"، المستشار السابق للملك "حسين" والملك "عبدالله"، لـ "معهد الشرق الأوسط"، إنه بينما تم إخراج مصر من جامعة الدول العربية لسعيها من جانب واحد لتحقيق السلام مع (إسرائيل)، لن يتم عزل الإمارات، قائلا: "عندما زار السادات (إسرائيل)، تم طرد مصر من جامعة الدول العربية. وانتهكت الإمارات الآن مبادرة السلام العربية، لكنها لن تعاقب بالمثل. الوقت يغير أولويات البلدان".
ويعتقد "أبو عودة" أن الإمارات تحركت إلى حد كبير لحماية نفسها من إيران، قائلا: "فيما يتعلق بإيران، فإن الإمارات ضعيفة، والضعفاء بحاجة لمن يحميهم. وتأتي الحماية من الأمريكيين".
ويعتقد اللواء "مأمون أبو نوار"، وهو لواء طيار متقاعد من سلاح الجو الأردني، أن قرار الإمارات "خطير" على الأردن، لأنه يفشل معالجة القضية الرئيسية في المنطقة، وهي الصراع الفلسطيني.
وقال: "إنه خطر على الأردن لأنه لم يحل الصراع الفلسطيني. إن تأجيل الضم يعني أنه سيكون بمثابة قنبلة موقوتة وبالتالي أضعف موقف الأردن".
وقال "أحمد عوض"، مدير مركز "الفينيق" للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية ومقره عمّان، إنه قد تكون هناك بعض الفوائد من الصفقة الإماراتية الإسرائيلية، لكن الأردن بشكل عام سيتضرر منها.
تراجع دور الأردن
وكان الأردن لأعوام قادرا على ترجمة ميزته الاستراتيجية على أنه منطقة عازلة بين إسرائيل والعالم العربي، خاصة العراق والخليج.
لكن هذه الخطوة تعني أن دوره سيضعف؛ لأن إسرائيل ودول الخليج ستكون قادرة على تجاوز الأردن، حتى وإن كان اقتصاديا. ولكن إذا كانت هناك تجارة للبضائع عن طريق البر، فسيظل الطرفان بحاجة إلى الأردن.
لذلك، في حين قد يرغب الأردن في إبعاد نفسه سياسيا عن الإمارات، فإنه لا يمكنه معارضة الصفقة علنا لعدد من الأسباب.
أولا، كدولة أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1994، لا يمكن للأردن أن يتخذ موقفا أكثر حدة تجاه الإمارات.
صحيح أن الأردن لديه نزاعات حدودية وأرضية مع إسرائيل، وأنه ينسق بانتظام مع القيادة الفلسطينية، لكنه لا يزال يستضيف سفيرا إسرائيليا في عمّان.
عدم إغضاب واشنطن
ويتضمن الحبل المشدود الذي يحتاجه الأردن للمضي قدما؛ محاولة عدم الوقوع في مشاكل مع الإدارة الأمريكية الحالية.
ويتلقى الأردن دعما أمريكيا يصل إلى 1.25 مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى اتفاقيات ثنائية أخرى تهدف إلى مساعدة الاقتصاد الأردني.
لذلك، فإن الأردن، مثل السعودية ودول الخليج الأخرى، سيراقب عن كثب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
وإذا تمت إعادة انتخاب "دونالد ترامب"، ستتجنب عمّان فعل أي شيء قد يغضب واشنطن.
وليس من قبيل المصادفة أن تؤخر البحرين اتباع تحرك الإمارات حتى نهاية العام.
وإذا فاز "جو بايدن"، فمن المتوقع أن يخفف الضغوط التي بدأها "ترامب"، ويكبح الاستجابة لاحتياجات "نتنياهو" لتحقيق إنجازات في العالم العربي دون معالجة الحقوق الفلسطينية.
لذلك من الواضح أن محاولات الحياد من قبل الأردن تخفي استياء أعمق بكثير من الخطوة الإماراتية، مع احتمال حدوث المزيد من الانقسامات في عالم عربي منقسم بالفعل.
والأهم من ذلك، فإن حقيقة أن الخطوة الإماراتية تجاهلت الفلسطينيين تماما، تعني أن الأردن والشعب العربي سيستمرون في الغضب من عدم وجود أي حل عادل للقضية الفلسطينية، وهي قضية ذات أهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة للأردن.