تمضي مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بسرعة ومرونة تبدو غير عادية أو مألوفة بالنسبة لمن لديه سابق خبرة بالمشاورات الماراثونية والحسابات المعقدة لتشكيل الحكومات في لبنان، لكن السرّ في ذلك يعود إلى تهديدات واضحة أعلنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفرض عقوبات على من يعرقل خطوات الإصلاح، وعلى رأسها تشكيل حكومة تكنوقراط، من زعماء الأحزاب اللبنانية.
وواصل رئيس الحكومة المكلف الدكتور مصطفى أديب، اليوم الخميس، مشاوراته مع مختلف القوى السياسية، ثمّ التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث أطلعه على أجواء الاستشارات النيابية التي أجراها لتشكيل الحكومة.
وقال أديب في تصريحات للصحفيين عقب اللقاء: "التقيت الرئيس ووضعته في أجواء الاستشارات النيابية التي أجريتها أمس مع النواب والكتل النيابية، ولمست من الجميع التعاون والرغبة في تسريع تشكيل الحكومة العتيدة من أجل مواجهة التحديات الداهمة، وخصوصًا تداعيات انفجار مرفأ بيروت والبدء بتنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية".
وأضاف: "قناعتي ورغبتي هي في ان يتشكل فريق عمل متجانس وحكومة إخصائيين تسعى للعمل بسرعة وبشكل عاجل من أجل وضع هذه الإصلاحات التي ذكرتها موضع التنفيذ، واتفقت مع الرئيس على أن نبقى على تواصل، وانشاء الله نتوفق بأسرع وقت ممكن في تشكيل هذه الحكومة".
وردًا على سؤال عما إذا كان يرغب بأن تكون الحكومة كلها من الإخصائيين، قال أديب: "الهدف هو أن يكون هناك فريق عمل متجانس يعمل بأسرع وقت ممكن لتنفيذ هذه الإصلاحات".
من جانبها، دعت الكتلة البرلمانية لحزب الله، عقب اجتماعها اليوم، إلى "تسهيل أمر تأليف الحكومة الجديدة من أجل أن تتصدى للمهام الوطنية الملحة والطارئة وتدير شؤون البلاد وتعالج المشاكل والأزمات الناجمة عن جائحة الكورونا وعن حادثة الانفجار في مرفأ بيروت فضلا عما يتطلبه استقرار النظام العام من تطبيق للقوانين ومكافحة للفساد واعتماد الإجراءات التي تصوب الوضع النقدي والمالي والاقتصادي وإنجاز الإصلاحات وتطوير أداء مؤسسات الدولة كافة. والاستجابة لمتطلبات ومطالب شعبنا في العيش المستقر والكريم".
كما طالبت الكتلة بعدم تجاهل صعوبة الوضع المالي والنقدي والاقتصادي للدولة في هذه المرحلة، والذي سوف يتسبب بمزيد من التعقيد والخيبة والانهيار، خصوصا إذا ما تكرر التأخير المعهود في إنجاز تأليف الحكومة الجديدة".
وأبدت الكتلة ترحيبا مشروطة بمبادرة الرئيس الفرنسي لدعم لبنان، قائلة إنها "إذ تتابع باهتمام أوضاع البلاد والجهود والمبادرات المشكورة من أجل استنهاضها لا سيما منها مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون، ترى أنه "في ضوء التزامها وحرصها على السيادة الوطنية، تتعاطى إيجابا مع المبادرات من الأشقاء أو الأصدقاء بهدف مساعدة لبنان لتحقيق الإصلاحات وإنجاز المشاريع التنموية، وفق ما يحفظ استقلالنا ويصون كرامة شعبنا وروحه الوطنية".
وفي ذات السياق، أكد النائب آلان عون أن "تكتل "لبنان القوي" سيدعم الحكومة ويعطيها فرصة، كما أنه سيكون متساهلا الى أقصى الحدود، وسيسير بالقاعدة التي ستطبق على كل الكتل السياسية"، مشيرا إلى أن "مشاركة التكتل ستكون وفق الصيغة التي سيخرج فيها الرئيس المكلف".
وقال عون: "ما يهمنا الإنتاجية، والحسابات السابقة بما يخص الحصص، ليست ضمانة لنجاح الحكومة، لافتا إلى أنه "لا شكل نهائيا للحكومة حتى الساعة، إلا أنه من الواضح أن التوجه هو الى حكومة اختصاصيين، يتمتعون بالخبرة والتجربة، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار".
من جانبها، أعلنت "كتلة الجمهورية القوية" أنها مع حكومة مستقلة من أصحاب الاختصاص ولكن القوات اللبنانية لن تشارك فيها ولن تقدم أسماء ولن تشارك تاليا في تشكيلها كما دعت إلى أن تحيد الحكومة نفسها عن الصراعات وتلتزم الحياد. وأضافت: "لم نشعر بالعنفوان والسيادة عندما اسمعنا رئيس دولة حتى لو كان صديقا يتوجه الينا بهكذا كلام ". واعتبر الكتلة أن "الإدارة السيئة والفساد هما من أوصلانا إلى هكذا كلام ".
وعلقت صحيفة "النهار" اللبنانية على التفاعل غير المسبوق من الكتل النيابية مع المشاورات النيابية غير الملزمة التي أجراها أمس رئيس الوزراء المكلف، لافتة إلى أن الامر تحول إلى "مهرجان سياسي نيابي واسع لإعلاء صوت استعجال تأليف الحكومة والتغني بالرعاية الفرنسية للحل الداخلي التي ترجمت في الاندفاع الاستثنائي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارتيه المتلاحقتين لبيروت خلال اقل من شهر وإعلانه عزمه القيام بالزيارة الثالثة في ديسمبر" المقبل.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت الأحزاب سوف "تسمح عمليا بتجربة تأليف حكومة اختصاصيين صرفة لا تضم حزبيين ولا ممثلي أحزاب بشكل مباشر أو ضمني ولا تستنسخ تجربة حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب. وتالياً هل نجح ماكرون فعلا في أن ينتزع موافقات ثابتة للقيادات السياسية على حكومة "منزوعة الأحزاب" وتضم اختصاصيين فقط؟
وتابعت الصحيفة "التحدي الثاني الذي لا يقل أهمية يتمثل في تسهيل الولادة الحكومية متى تمكن الرئيس المكلف من وضع مشروع تركيبة الحكومة باعتبار أن شياطين التفاصيل والاسماء والحقائب تكمن في لحظة اختبار القوى السياسية والحزبية إذا كانت فعلا ستتنازل هذه المرة عما تعتبره مكاسب تكرست لها مدى سنوات جراء المحاصصات التي كانت تعتمد في استيلاد الحكومات".
أما التحدي الثالث، بحسب النهار، فيتمثل في موضوع خلط أوراق "الإقطاعات" الوزارية المزمنة بمعنى انتزاع موافقات القوى التي دأبت على التمسك بحقائب وزارية باتت تعتبرها "حقوقا" مكرسة لها. ومع أن معظم هذه القوى تحدثت أمام ماكرون كما خلال الاستشارات التي أجراها الرئيس المكلف أمس عن استعداداتها للقبول بالمداورة في الوزارات فإن ملامح الاشتراطات بدأت تبرز بوضوح من خلال طرح أسئلة افتراضية واستباقية سمعها الرئيس المكلف من أطراف بما يعني أن مهمته لن تكون سهلة كما سادت انطباعات فورية.
وكشفت الصحيفة، نقلا عن مصادر سياسية، أن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري سيكون في صلب مشاورات تشكيل الحكومة، فهو الذي تبنى ترشيح أديب وهو الذي سيعمل مع الكتل الاخرى على تأمين اوسع مروحة توافق حول الحكومة.
وأضافت المصادر أن الاتصالات ستكون ميسرة وولادة الحكومة قد تحتاج من ثلاثة إلى أربعة أسابيع، مشيرة إلى أن السفيرين الفرنسيين السابقين في لبنان برنار ايميه رئيس الاستخبارات الخارجية، والمستشار في الاليزيه ايمانويل بون يتوليان متابعة تفاصيل مبادرة الإصلاح الفرنسية مع القوى اللبنانية.
وكانت تقارير إعلامية لبنانية ووكالة رويترز، قد كشفت أمس الأربعاء، مسودة خطة إصلاحات وضعتها فرنسا لإصلاح الاقتصاد اللبناني، تتضمن استئناف المحادثات فورًا مع صندوق النقد الدولي لإصلاح الاقتصاد المتهاوي واتخاذ خطوات سريعة لمحاربة الكسب غير المشروع وتطبيق إصلاحات أخرى تأخرت لسنوات. وتقول المسودة إن على الحكومة اللبنانية الجديدة وضع إطار زمني للمحادثات مع صندوق النقد الدولي خلال 15 يوما من تسلمها السلطة.
وفي غضون شهر، يتعين على الحكومة تطبيق قانون لتقييد حركة رأس المال وافق عليه صندوق النقد الدولي وبدء التدقيق في حسابات مصرف لبنان وتنفيذ إصلاحات في قطاع الكهرباء الذي لا يزال عاجزًا عن إمداد سكان البلاد البالغ عددهم حوالي ستة ملايين نسمة بالكهرباء طوال اليوم.
كما يتعين على الحكومة في غضون شهر إلغاء خطط حالية لمشروع مثير للجدل لبناء محطة كهرباء في سلعاتا شمالي بيروت وتأسيس هيئة وطنية لمحاربة الفساد.