تحول الحديث عن "اليهود العرب" إلى ما يشبه "ورقة التوت" التي تستخدمها بعض المنصات الإعلامية العربية لتبرير الهرولة نحو التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أن العداء مع الاحتلال هو مجرد حاجز نفسي، يحتاج فقط إلى الجرأة لكسره، خاصة أن هناك تاريخا مشتركا يجمعنا مع الإسرائيليين، يجسده هؤلاء اليهود العرب، على حد زعم تلك المنصات.
وبالتزامن مع زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى أبو ظبي، حيث تقود الأخيرة وساطة بين الخرطوم وواشنطن، لدفع السودان نحو التطبيع مع إسرائيل، نشر موقع قناة "سكاي نيوز عربية" التي تبث من أبو ظبي، تقريرا بعنوان "السودان الجديد.. أحاديث السلام تتذكر «بصمة اليهود» في المجتمع" تناولت فيه تاريخ اليهود في السودان.
وأشار التقرير إلى أنه "منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى موجة هجرتهم العكسية إلى إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة، بعد عمليات التأميم الواسعة التي طالت ممتلكاتهم مطلع السبعينيات القرن الماضي، وضع اليهود بصمتهم على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في السودان، واندمجوا في بوتقة من التعايش مع السكان".
وأضاف الموقع أن "الخرطوم نفسها التي كانت العاصمة الأكثر دفئاً لليهود هي التي استضافت مؤتمر اللاءات الثلاث الشهير عام 1967، وبعدها بـ4 سنوات أممت ممتلكات اليهود، ما أجبر المئات منهم على الهجرة بحثاً عن حضن جديد، تاركين وراءهم عائلات ارتبط اسمها بالصناعة والتجارة بل وحتى الفن".
ونقل الموقع عن الكاتب الصحفي السوداني النور حمد دعوته إلى "النظر لقضية العلاقات مع إسرائيل من زاوية مغايرة، محورها كسر الحاجز العقلي والنفسي الذي ظل يحول بين السودان وبين التعاطي الواقعي مع إسرائيل، مؤكدا أن إقامة علاقات إسرائيل يشكل "ضربة بداية فارقة في اتجاه استعادة الهوية السودانية المضيعة".
ولفت الموقع الإماراتي إلى أن مَن تبقى من اليهود في السودان ينظر للأمر بشكل واقعي، إذ يرون فيه مخرجاً من مرارات الماضي، ونقل الموقع عن منصور إسحاق إسرائيل الذي يعد واحداً من أفراد أقدم العائلات اليهودية في السودان، قوله إن "الأمور بدأت تتغير بشكل إيجابي كبير في أعقاب ثورة ديسمبر 2019 في السودان، بعد أن شهدت الفترة التي أعقبت مؤتمر اللاءات الثلاث وعملية التأميم تضييقاً كثيراً عليهم".
الترويج للتطبيع من باب رفع الظلم المزعوم عن اليهود العرب، سواء من بقي منهم في بلدانهم أو من هاجروا إلى إسرائيل، دفع بعض وسائل الإعلام الإماراتية للبحث في كتب التاريخ، حيث نشرت صحيفة "الرؤية" الإماراتية، بموقعها الإلكتروني عرضا لكتاب "تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام" الصادر قبل 90 عاما، لمؤلفه البروفيسور إسرائيل ولفنسون وهو من أصول يهودية تعود إلى جمهورية روسيا البيضاء، وقد درس اللغة العربية على يد الشاعر العراقي الشهير معروف الرصافي، وحاز الدكتوراه من الجامعة المصرية بإشراف الدكتور طه حسين عام 1927.
وقدمت الصحيفة عرض الكتاب، بالقول: "هذا عمل ربما تجب قراءته في حاضر أيامنا، لا سيما أنه يفتح أمام القارئ دروباً من المعرفة الأبستمولوجية، بعيدة كل البعد عن ضيق الأيديولوجيات التي حكمت ذهن المنطقة منذ منتصف الخمسينات وحتى الساعة".
وتضيف الصحيفة: "أن هناك حاجة واقعية للنظر إلى الجذور التراثية الإنسانية لسكان الشرق الأوسط والجزيرة العربية وحوض البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يدفع الجميع للخلاص من مرحلة العداء التاريخي والاستلاب القدري لهذا العداء إن جاز التعبير".
وأضافت الصحيفة: "تاريخ تأليف الكتاب يشير إلى الخواص التي يتفوق بها على غيره من الكتب المصنفة في الموضوع نفسه، ولا سيما خروجه أو إفلاته من عهود النكبات والنكسات، وكتابته في ظروف تاريخية غير متأزمة".
من جانبه، كتب الباحث الفلسطيني خالد الحروب، على صفحته في الفيسبوك، في 15 سبتمبر الجاري، يقول: "اليوم يتم توجيه رسالة الى كل الجامعات الإماراتية والاكاديميين العاملين فيها، تحثهم على الانخراط في مشروعات بحوث مشتركة مع "المجلس اليهودي للإمارات العربية المتحدة" Jewish Council of UAE للبحث في التاريخ اليهودي في الامارات بالتعاون مع منظمات دولية".
وأضاف الحروب أن أهم ما جاء في الرسالة الرسمية التي وجهت الى العاملين في جامعة زايد (كما في الجامعات الاماراتية الاخرى) هو: "أن جامعة زايد بصدد تطوير شراكة مع المجلس اليهودي للإمارات العربية المتحدة. وهذه الشراكة ستتضمن مجالات تعاون وانشطة في البحث وبرامج دراسية ودراسة لغات وتعاون مجتمعي وتواصل، كما ستتجه نحو استكشاف موضوعات مثل التاريخ اليهودي في الامارات، والثقافة والتراث اليهودي-الاسلامي".
وتفاعل المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، مع نبرة استعادة تاريخ اليهود العرب، زاعما أنهم لعبوا دورا "في إثراء الثقافة الإسرائيلية"، واصفا توقيع الاتفاق مع الإمارات والبحرين باليوم التاريخي.
وكتب أدرعي على "تويتر" الأربعاء الماضي أن "اليهود الذين عادوا إلى أرض الوطن من الدول العربية ما زالوا يحملون في أيامهم عاداتها التي أضفت الكثير على الثقافة الإسرائيلية".
وفي الثالث عشر من أغسطس الماضي ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الإمارات وإسرائيل توصلتا إلى "اتفاق تاريخي" يسمح للبلدين بتطبيع العلاقات بينهما. ويعتبر هذا الاتفاق هو الأول بين إسرائيل ودولة عربية بعد اتفاقات السلام الموقعة مع مصر والأردن والفلسطينيين
وجاء إعلان اتفاق التطبيع بين "تل أبيب" وأبوظبي تتويجاً لسلسلة طويلة من التعاون والتنسيق والتواصل وتبادل الزيارات بينهما، في حين قوبل الاتفاق بتنديد فلسطيني واسع من القيادة وفصائل بارزة.
وبذلك باتت الإمارات أول دولة خليجية تبرم معاهدة سلام مع إسرائيل، لكنها الثالثة عربياً بعد اتفاقية مصر عام 1979، والأردن عام 1994.
وأبدى مسئولون أمريكيون وإسرائيليون ثقة كبيرة في إقدام دول عربية أخرى على تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.
ووصفت السلطة الفلسطينية الاتفاق الإماراتي بأنه "خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية"، واعترافا بالقدس عاصمة لإسرائيل، معتبرة أنه "لا يحق لدولة الإمارات أو أية جهة أخرى، التحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني".
ردا على الهرولة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، قررت دولة فلسطين صباح اليوم الثلاثاء التخلي عن حقها في رئاسة مجلس الجامعة العربية للدورة الحالية.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إن هذا القرار جاء بعد اتخاذ الأمانة العامة للجامعة موقفا داعما للإمارات والبحرين، اللتين طبعتا علاقاتهما مع إسرائيل، في مخالفة للمبادرة العربية للسلام.
وأضاف أن بعض "الدول العربية المتنفذة رفضت إدانة الخروج عن مبادرة السلام العربية، وبالتالي لن تأخذ الجامعة قراراً في الوقت المنظور، لصالح إدانة الخروج عن قراراتها".
وقال المالكي إن فلسطين لا يشرفها رؤية هرولة دول عربية للتطبيع مع الاحتلال، و"لن تتحمل عبء الانهيار وتراجع المواقف العربية والهرولة للتطبيع".