حالة الطوارئ الصحية التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة حالت دون تنظيم احتفال دولي مهيب بمناسبة اليوبيل الماسي لقيام منظمة الأمم المتحدة، التي ولدت بعد انتصار العالم على الفاشية، التي أشعلت الحرب العالمية الثانية.
مع تنامي الأزمة الدولية التي سببها انتشار فيروس كوفيد 19، في شتي مناحي الحياة، كان الأمل معقودا أن تتجه الدول، وخاصة الكبري، نحو التهدئة السياسية، لإنقاذ العالم من حالة الركود الاقتصادي حيث تزايدت معدلات البطالة والفقر في أنحاء الكرة الأرضية، إلا أن حالة التنمر التي فرضها الرئيس الأمريكي ترامب غيرت مجريات الاحتفالات التاريخية.
قبيل انطلاق الاجتماع السنوي لرؤساء وقادة الدول بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مطلع الأسبوع الحالي، أطلق الرئيس الأمريكي ترامب جملة من التصريحات، أشعل فيها ـ كعادته ـ وسائل الإعلام، بعد أن صوب اتهاما للصين بأنها وراء انتشار فيروس كوفيد 19 في أنحاء العالم، وتسببها في وفاة نحو مليون إنسان.
وزاد الرئيس الأمريكي في تنمره بأن أعاد استخدام قولته المتكررة بأنه "الفيروس الصيني".. ولم يكتف الرئيس الأمريكي بهجومه على الصين، بل نالت أوربا بعض من شظاياه، مؤكدا أنها تدعم إيران، التي يعتبرها دولة مارقة تسعى إلى إنتاج فوري للقنابل الذرية.
وطالب الرئيس الأمريكي قادة الدول عبر كلمة رسمية ألقيت بالنيابة عنه عبر خاصة الفيديو كونفراس "بضرورة حماية المصالح الأمريكية، مشددا على مواصلة برامج الحماية للصناعات الأمريكية، كما هاجم منظمة الصحة العالمية التي يرفض مد يد العون إليها في هذه الأوقات العصيبة، مجددا التأكيد على عدم انصياعه لقوانين منظمة التجارة العالمية التي أنشأتها الولايات المتحدة نهاية القرن الماضي لضمان حرية حركة التجارة الدولية ورفع الحمائية التجارية التي تفرضها الدول على منتجاتها وصناعاتها المختلفة.
غاب الرئيس الأمريكي عن الاجتماع الافتتاحي التاريخي بطريقة وصفها مسئولون دوليون بأنها "غير لائقة، وتمت بعيدا عن الإجراءات الدبلوماسية بما دعا ممثلي ألمانيا وفرنسا وتركيا وإيران وجنوب أفريقيا إلى ضرورة إحداث تغيير جذري في الأمم المتحدة، بما يقضي على أحادية القرار الدولي، وتسلط قوة واحدة على مصير العالم.
بينما فضل الرئيس الصيني شي شين بنج مواجهة ترامب في مقره الانتخابي السابق، بحضوره إلى مدينة نيويورك حيث المقر الدائم للجمعية العامة للأمم المتحدة.. وقف النمر الصيني يتحدى المتنمر الأمريكي معلنا أن هيمنة القوة الواحدة على سلطة القرار الدولي لابد أن تسقط ، حتي يعيش العالم في سلام.
ولفتت أسوشيتد برس الأمريكية إلى أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ما تزال ملتهبة، وجاء ذلك في تقرير للوكالة الأمريكية تحت عنوان "في ظل الصعود الصيني، شي يواجه لحظة حساسة بالأمم المتحدة".
وتابعت" :أشادت وكالة شينخوا بالزعيم الصيني واصفة إياه بأنه" البطل الذي يجسد روح الأمم المتحدة".
وأشارت الوكالة الأمريكية إلى وجود بعض مظاهر عدم الارتياح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وأصدقائها وحلفائها للصين، بينما تحاول إدارة ترامب مواصلة صعودها العسكري والاقتصادي والسياسى، وتأجيج مواجهة إستراتيجيات عدائية ضدها.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وجه إدعاءات خطيرة ضد الصين، متهمًا السلطات الصينية بنشر فيروس كورونا ـ كوفيد 19ـ في العالم.
وقال ترامب في خطاب فيديو مسجل مسبقًا: "يجب أن نحاسب الجمهورية الشعبية التي أطلقت العنان لهذا الطاعون، ولم توقف الانتشار العالمي لـ "فيروس كورونا".
ورفض الرئيس الصيني مزاعم ترامب، وقال في خطابه المسجل: "يجب تجنب كل محاولات التسييس"، وبدلاً من ذلك يجب على العالم أن يتضامن في الكفاح ضد الوباء كوفيد 19، فهو تذكير لنا بأننا نعيش في قرية عالمية مترابطة ذات مصالح مشتركة.
وأشارت وكالة أسوشيتد برس إلى نص كلمة الرئيس الصيني في الذكرى 75 لتأسيس الأمم المتحدة، مؤكدة أن الرئيس الصيني وجه انتقادات مقنعة ضد واشنطن".
وقال شي: لا يحق لأي دولة الهيمنة على الشؤون الدولية العالمية أو التحكم في مصير الآخرين". وأضاف شي في تلميح واضح إلى التوترات بين الولايات المتحدة والصين: "لا يحق لأي دولة أن تهيمن على الشؤون العالمية أو التحكم في مصير الآخرين أو الاحتفاظ بمزايا في التنمية لنفسها".
اجتماع في ظروف استثنائية
كانت الأمم المتحدة قد بدأت جدول أعمال الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها، في احتفال واقعي – افتراضي مطلع الأسبوع الحالي، بسبب الظروف الاستثنائية التي فرضها فيروس كوفيد 19 دون أن يلقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلمة، رغم أنه كان من المقرر أن يفعل ذلك.
وتواجد 200 دبلوماسي فقط في قاعة الجمعية العامة للمنظمة الدولية في مدينة نيويورك الأمريكية، بينهم الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريش ومندوب واحد عن كل من الدول الـ193 الأعضاء.
يعد هذا الحضور محدودًا إلى حد كبير، فعادة ما كانت تشهد القاعة تواجد أكثر من ألفي شخص في الدورات السابقة، إذ يُخصص لكل دولة 6 مقاعد فيما يحتل الضيوف مقاعد موجودة على جانبي القاعة.. وخلال فعاليات اليوم الأول وجه عدد من قادة العالم كلمات في مقاطع فيديو مسجلة سلفًا، وسط غياب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دون إنذار مسبق.
وكان ترامب مدرجا كأول متحدث من بين قادة الدول على أجندة الفعالية الاحتفالية بالأمم المتحدة، ولكن نائبة ممثل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة شيريث نورمان شاليه تحدثت في قاعة الجمعية العامة.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتخدة قراراً قبل نحو شهر دعت بمقتضاه الدول الأعضاء والمراقبة إلى إرسال خطابات مسجلة مسبقاً لقادتها ومسؤوليها لتُعرض على شاشات عملاقة بقاعة الجمعية العامة، لذلك افتقد كثيرون حيوية التفاعل الدبلوماسي الحي في أروقة الأمم المتحدة وإلقاء الكلمات مباشرة من المسؤولين أمام عدد كبير من الحاضرين.
في مستهل الاحتفال، دعا الأمين العام للمنظمة، أنطونيو جوتيريش، إلى مزيد من التعاون الدولي في وجه التحديات العالمية خلال افتتاح فعاليات ذلك الحدث، وقال: "لدينا اليوم وفرة في التحديات متعددة الأطراف وعجز في الحلول متعددة الأطراف". وأثنى جوتيريش الذي تحدث بشخصه في قاعة الجمعية العامة بنيويورك عن إنجازات المنظمة الدولية التي تأسست عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية.
قادة العالم يتحدثون
دعا عدد من القادة إلى إصلاح الأمم المتحدة ، ونادى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإجراء تغييرات على مجلس الأمن خاصة تمركز حق النقض (الفيتو) في أيدي خمس دول.
فيما أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أسفها لأن المجلس المكون من 15 عضوا "غالبا ما يصل إلى طريق مسدود عندما تتطلب الحاجة قرارات واضحة".
وأضافت: "يجب أن تستمر الأمم المتحدة في التطور حتى تكون في وضع يمكنها من السيطرة على التحديات العالمية للقرن الحادي والعشرين"، منوهة إلى أن ألمانيا ستكون مسرورة لتحمل المسؤولية "في مجلس أمن موسع".. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من جانبه، إلى" تعددية الأفعال أكثر من الأقوال".
أما رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا، فدعا جميع الدول إلى دعم الأمم المتحدة "لمعالجة تحدياتنا العالمية - سواء كانت في حالات طوارئ الصحية أو جرائم عابرة للحدود أو نزاعات وحروب، أو تغير مناخي أو هجرة أو كوارث طبيعية".
من جانبه، قال الرئيس الكولومبي إيفان دوكيه مخاطبا الاجتماع رفيع المستوى: إن "المشكلة العالمية تتطلب حلولا عالمية، لذلك، فقط من خلال التعددية والتعاون الدولي والحوكمة العالمية، يمكننا التخفيف من العواقب الخطيرة لهذا الوباء، وبالتالي بناء كوكب أفضل".
وأضاف: "وفي خضم هذه الأوقات الصعبة، نبعث رسالة تضامن إلى جميع الدول التي تواصل التصدي لتأثير وباء كوفيد-19 بجهد كبير، واليوم أكثر من أي وقت مضى، نحن جميعا متحدون في مواجهة هذا التحدي غير المسبوق أمامنا".
ووجه الرئيس الصربي الكسندر هوديتش في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشكر إلي الصين لما قدمته من مساعدات طبية وإنسانية لدولته لمواجهة جائحة كوفيد 19.
اعتمد الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة رسميًا، إعلان رؤساء الدول والحكومات الممثِلة لشعوب العالم .وتناول مضمون الإعلان توجهات المجتمع الدولي بالدور الهام الذي تضطلع به المنظومة الدولية في مواجهة التحديات العالمية المشتركة، وعلى رأسها الجائحة وتحديات الأمن السلام والتنمية العالمسة وتغيرات المناخ.
ودعا الإعلان الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن يقدم تقريرا قبل نهاية الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة، يتضمن توصيات لتنفيذ الإعلان والاستجابة للتحديات الحالية والمستقبلية، كما تعهد القادة بنقل هذا الإعلان إلى الشعوب روحاً ونصاً.
سقوط الفاشية
في تفاصيل كلمته خلال فعاليات الذكرى الـ75 لتأسيس الأمم المتحدة، قال الرئيس الصيني: "قبل 75 عاما، حققت شعوب العالم انتصارا عظيما في الحرب العالمية ضد الفاشية بعد النضال الشاق والتضحيات الجسيمة، وهو انتصار للعدالة والشعب بالفعل".
وتابع: "قد عانت البشرية من ويلات لا توصف جلبتها الحربان العالميتان في النصف الأول للقرن الماضي، وعلى هذه الخلفية بالذات، تأسست الأمم المتحدة. خلال 75 عاما، قطعت الأمم المتحدة أشواطا غير عادية رغم مختلف المصاعب والمشاق، وفتحت صفحة جديدة للسلام والتنمية في العالم".
وواصل: "شهدت السنوات الـ 75 بعد تأسيس الأمم المتحدة تغيرا عميقا للأوضاع الدولية، حيث حققت الدول النامية الغفيرة التحرر القومي والاستقلال الوطني، وتخلص أكثر من مليار نسمة من الفقر، ومضى مليارات نسمة قدما في مسيرة التحديث، مما عزز قوة السلام والتنمية في العالم بشكل كبير، وغيّر المعادلة العالمية على نحو معمق".
وقال الرئيس الصيني شي جين بينج إننا على مشارف جولة جديدة من الثورة التكنولوجية والتغير الصناعي بصورة أكثر عمقًا واتساعًا، مؤكدًا في ذات الوقت على وجود اختبار خطير يواجه العالم حاليًا بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد مقدمًا عددًا من المقترحات إلى الأمم المتحدة لتعزيز دورها خلال الفترة القادمة. وواصل:" دخلت البشرية إلى عصر جديد للتواصل والترابط، وتترابط مصالح ومستقبل دول العالم ترابطا وثيقا، وتتطلب التهديدات والتحديات العالمية استجابة عالمية قوية".
وطرح رئيس الصين المقترحات التالية:
أولا: الوقوف إلى جانب العدالة يمثل الاحترام المتبادل والمساواة بين دول العالم سواء أكانت كبيرة أو صغيرة تقدما لعصرنا، ويمثل أهم المبادئ لميثاق الأمم المتحدة. لا يحق لأي دولة الانفراد بالشؤون الدولية وتقرير مصائر الدول الأخرى واحتكار مزايا التنمية، ناهيك عن فعل ما تشاء وممارسة الهيمنة والتنمر والاستبداد في العالم، محذرا من أن نزعة الأحادية الجانب طريق مسدود، ويجب التمسك بالتشاور والتعاون والمنفعة للجميع، وإشراك جميع الدول في صيانة الأمن السائد وتقاسم نتائج التنمية وتقرير مصير العالم واتخاذ خطوات ملموسة لزيادة التمثيل والأصوات للدول النامية في الأمم المتحدة لتعكس المصالح والمطالب لأغلبية الدول بشكل أكثر توازنا.
ثانيا: الالتزام بحكم القانون، مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المرجعية الأساسية في العلاقات الدولية، والتي تعدّ حجرة الأساس لاستقرار النظام الدولي، فمن الضرورة بمكان الالتزام بها بموقف لا يتزعزع. لا يمكن تنسيق العلاقات والمصالح بين دول العالم إلا بالقواعد والمؤسسات، ولا يجوز حصر القرار بيد صاحب القبضة الأقوى. ويجب على الدول الكبرى دعم وصيانة القانون الدولي قبل الآخرين، والوفاء بتعهداتها وعدم اتباع النزعة الاستثنائية وازدواجية المعيار، ولا يجوز لها تحريف القانون الدولي والمساس بالحقوق المشروعة للدول الأخرى وتخريب السلام والاستقرار الدولييْن باستغلال القانون الدولي.
ثالثا: تعزيز التعاون حيث يعد تعزيز التعاون الدولي هدفا أصليا لتأسيس الأمم المتحدة، ويمثل مقصدا مهما لميثاق الأمم المتحدة.. من المستحيل حل المشاكل الداخلية ومواجهة التحديات المشتركة للبشرية باتباع عقلية الحرب الباردة واللعبة الصفرية والاصطفاف الأيديولوجي. إن ما يجب علينا فعله هو استبدال التصادم والإكراه واللعبة الصفرية بالحوار والتشاور والكسب المشترك، والسعي وراء المنفعة للجميع، بالإضافة إلى صيانة المصالح لكل دولة، وتوسيع أرضية المصالح المشتركة للجميع، وبناء عائلة عالمية تتميز بالتناغم والتعاون.
رابعا: التركيز على الخطوات الملموسة، فإن تطبيق تعددية الأطراف يستلزم الأفعال بدلا من الأقوال، وإن الشفاء أهم من العلاج. يجب على الأمم المتحدة التركيز على حل المشاكل وتحقيق إنجازات مشهودة، وتعزيز الأمن والتنمية وحقوق الإنسان بصورة متوازنة، وخاصة انتهاز فرصة تنفيذ "أجندة 2030 للتنمية المستدامة "لإعطاء الأولوية لمواجهة التحديات في مجال الصحة العامة وغيرها من التحديات الأمنية غير التقليدية في أعمال الأمم المتحدة، ووضع ملف التنمية في مكان بارز في الإطار العالمي الكلي، وإيلاء مزيد من الاهتمام لتعزيز وحماية حقوق البقاء والتنمية.
وقال الرئيس الصيني في خطاب مسجل مسبقًا تم عرضه في الجلسة العامة للأمم المتحدة بنيويورك، إن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يجب أن تبلغ ذروتها قبل عام 2030، مطالبًا بأن تضع الصين هدفًا للحياد المناخي.
ويعني الحياد المناخي ألا يؤثر استخدام الوقود أو الأنشطة البشرية على تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وبالتالي لا يضر بالمناخ.
ووعد شي جين بينغ بأن تزيد الصين من مساهماتها الوطنية لتحقيق اتفاقية باريس للمناخ من خلال اتخاذ إجراءات صارمة.
وأعرب الرئيس الصيني عن ثقته في إمكانية إدارة الوباء، قائلًا: "سننتصر في المعركة"، مؤكدًا أن الصين بذلت جهودًا مكثفة لوقف انتشار الفيروس، كما دعا إلى تماسك النظام التجاري متعدد الأطراف، والعمل المشترك لضمان حسن سير سلاسل التوريد العالمية. وقال شي جين بنغ: "يجب أن نتحدث ضد النزعة الأحادية والحمائية"، دون أن يوجه حديثه بشكل مباشر إلى ترامب.
وأوضح شي أن "هذا هو السبب في أننا يجب أن نتبنى رؤية مجتمع مصير مشترك يرتبط فيه الجميع ببعضهم البعض"، داعيا دول العالم إلى رؤية بعضها البعض كأعضاء في نفس الأسرة الكبيرة ، والسعي لتحقيق التعاون المربح لجميع الأطراف ، والارتقاء فوق الخلافات الأيديولوجية وعدم الوقوع في فخ "صراع الحضارات".. وأضاف شي أنه يجب رفض أي محاولة لتسييس المرض أو وصم بلد ما به ، قائلا إنه يتعين على الدول أن تبدي اهتماما باحتياجات الدول النامية وتلبيها، وخاصة الدول الأفريقية.
وأشار شي إلى "العالم لن يعود أبدا الى العزلة ولا أحد يستطيع قطع العلاقات بين الدول". كما دعا شي البلدان إلى متابعة التنمية المفتوحة والشاملة ، والبقاء ملتزمة ببناء اقتصاد عالمي مفتوح ، ودعم النظام التجاري متعدد الأطراف، الذي تمثل منظمة التجارة العالمية فيه حجر الزاوية.
وقال الزعيم الصيني: " يتعين أن نقول ’لا’ للأحادية والحمائية، وأن نعمل لضمان التشغيل المستقر والسلس لسلاسل الصناعة والتوريد العالمية".
وأكد شي: "ليست لدينا نية لخوض حرب باردة أو حرب ساخنة مع أي دولة"، وقال إنه يتحتم على الأمم المتحدة تعزيز التعاون، لافتا إلى أن "عقلية الحرب الباردة والخطوط الإيديولوجية أو اللعبة الصفرية ليست حلا للمشكلات الخاصة ببلد ما، ناهيك عن كونها حلا لتحديات البشرية المشتركة".
واستطرد: "ما نحتاج إلى فعله هو حل الحوار محل الصراع، حل التشاور محل الإكراه وحل الربح المتبادل محل اللعبة الصفرية".
وأوضح شي في المناقشة العامة للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة عبر الفيديو، أنه لا يمكن لأي دولة أن تستفيد من صعوبات الآخرين أو أن تحافظ على الاستقرار من خلال استغلال مشاكل الآخرين.. وتابع بأن "دفن المرء رأسه في الرمال مثل النعامة في مواجهة العولمة الاقتصادية، أو محاولة القتال برمح دون كيخوته، هو توجه يعارض التوجه العام للتاريخ".
وقال شي إن الدول قد تنخرط في منافسة، لكن مثل هذه المنافسة يجب أن تكون إيجابية وصحية بطبيعتها. ولفت إلى أنه يتعين على الدول الكبرى أن تتصرف كدول كبرى، مضيفا أنه يتعين عليها توفير المزيد من المنافع العامة العالمية، وتحمل المسؤوليات الواجبة عليها والوفاء بتطلعات الشعوب.
فولكان بوزكير، رئيس الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أشار في كلمته الافتتاحية في الاجتماع إلى موقف الرئيس الصيني بقوله: "إن التعددية ليست خيارا، بل هي ضرورة، في وقت نسعى فيه لبناء أفضل وأكثر خضرة من أجل عالم أكثر مساواة وأكثر مرونة وأكثر استدامة".
وأضاف أن عمل المنظمة الأممية أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، وخاصة في إطار التهديدات التي يشكلها وباء كوفيد-19، وأن الدعم من الدول الأعضاء أمر لا غنى عنه.
وقال: "يجب أن ندعم الأمم المتحدة لكي تتطور إلى منظمة أكثر مرونة وفعالية وخضوعا للمساءلة، بحيث تكون مناسبة للغرض ويمكنها تحقيق المستقبل الذي نتطلع إليه".
على الصعيد نفسه، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، إن هذا العالم يحتاج إلى التعددية، وإلى أمم متحدة قوية وفعالة لجميع البشر في كافة أنحاء العالم.
وأضاف، خلال الاجتماع، أجدد بكل احترام، نيابة عن الاتحاد الأوروبي، تعهد التمسك بالتعددية".
وقال أنطونيو فيتورينو، مدير عام المنظمة الدولية للهجرة، إن تأكيد الرئيس شي على التزام الصين بالنظام متعدد الأطراف على الساحة الدولية هو "دعم واضح للدور المركزي لمنظومة الأمم المتحدة في التلاقي ودعم الدول الأعضاء" في هذا الوقت من الجائحة.
فرص استثمارية واعدة
سجلت وسائل الإعلام الدولية ما حظى به الرئيس شي من تقدير في الأمم المتحدة من روسيا وكذلك من دول تتطلع لفرص استثمارية وإعفاءات ديون تحت مظلة مبادرة البنية التحتية الهائلة "الحزام والطريق".
في ذات السياق، قال شنج لي الباحث بمعهد بروكينجز": حوصرت الولايات المتحدة والصين الآن في بوتقة مسار تصادمي قد يؤدي إلى صراع عسكري خطير".
وبالمقابل، رأى برانتلي ووماك، الباحث بمركز ميلر التابع لجامعة فيرجينيا أنه بالرغم من المشاعر المختلطة بشأن صعود الصين، لكن هناك من ينظر إلى بكين باعتبارها نموذجا لعملية التعافي من جائحة كورونا بعكس الولايات المتحدة.
وأشار مايك مازا محلل الشؤون الصينية بمعهد أمريكان إنتربرايز البحثي، الذي يقع مقره في واشنطن، إلى التوتر بين أوروبا والصين بشأن التجارة والاستثمار والمناخ وحقوق الإنسان بالإضافة إلى نهج المواجهة المتزايد ضد بكين الذي يسلكه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وذكر موقع RND الألماني إن الرئيس الصيني شي جين بنغ وعد ببذل جهود أكبر في مكافحة تغير المناخ، ويسعى الآن إلى تحقيق الحياد المناخي قبل عام 2060.
وقال قاو في، الأستاذ بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، إن "التزام الصين بتعزيز اقتصاد عالمي مفتوح يمثل الاتجاه التاريخي للعولمة والاتجاه العام للتنمية العالمية ، ما يوضح كثيرا إحساس الصين بالمسؤولية كدولة كبرى ".
وقال سيرغي لوكونين، رئيس قطاع الاقتصاد والسياسة في الصين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إن الصين ملتزمة بنظام عالمي عادل وتسعى إلى توزيع أكثر إنصافا للفرص.
وأضاف لوكونين أن الصين دافعت بنشاط عن مفهوم التعددية، وهو إجراء حظي بتأييد واسع النطاق.
ومن جانبه، قال بي آر ديباك، رئيس مركز الدراسات الصينية وجنوب شرق آسيا بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، إنه نظرا لعدم اليقين الناجم عن كوفيد-19 والانكماش الاقتصادي العالمي، فإن "هناك حاجة ماسة للاصطفاف معا والبحث عن حلول عالمية للقضايا المستعرة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تعزيز التعددية".
وأضاف ديباك أنه فقط من خلال تعزيز التعددية، يمكن إقامة نظام عالمي عادل وشفاف وخاضع للمساءلة، مشيرا إلى أن فكرة الصين لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، وكذلك إنشاء بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية وبنك التنمية الجديد، يمكن أن تكون الحل لمواجهة التحديات العالمية.
وبدوره، قال كافينس أدير، وهو باحث في العلاقات الدولية مقيم في نيروبي، إن الصين أبدت رغبتها والتزامها بتعزيز التعددية والتعاون العالمي كلاعب نشط في الشؤون الدولية.
وأضاف الباحث أن أزمة كوفيد-19 الصحية كشفت أن مستقبل البشرية ومصيرها مرتبطان بشدة، داعيا العالم إلى تعزيز التضامن والتعاون مع التطلعات متعددة الأطراف لتقديم حلول مستدامة للتحديات السائدة.
وأشاد تشارلز أونونايجو، مدير مركز الدراسات الصينية في نيجيريا، بمشاركة الصين مع النظام متعدد الأطراف لتعزيز العلاقات الدولية من خلال مهام مثل حفظ السلام للأمم المتحدة.
وقال إن "الصين قدمت خارطة طريق عملية للمشاركة وإعطاء تعبير عملي لمجتمع المستقبل المشترك باستخدام مبادرة الحزام والطريق كمنصة حقيقية" للدفع نحو إطار دولي للحوكمة العالمية يكون مفتوحا وشفافا وشاملا.
وعارض المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، بشدة تلفيق الولايات المتحدة للأكاذيب والاتهامات التي لا أساس لها ضد الصين، والموجهة لأغراض سياسية مشبوهة، على منصة الأمم المتحدة.
وقال وانغ إن على الولايات المتحدة أن تكف عن تلاعباتها السياسية وأن تضع حدا لتسييس الفيروس، بدلا من اللجوء إلى الافتراء على دول أخرى.