"ورطة سد تنزانيا.. تحديات عميقة تواجه بناء السد نتيجة ضعف الخبرة المصرية في بناء السدود، واليونسكو تحذر من سلامة إنشاء السد وجودته"، بتلك الكلمات المغموسة في الكذب والتلفيق، روج تقرير صحفي بأحد المواقع الصحفية الإثيوبية، لمزاعم تشكك في السواعد والخبرات المصرية التي تشيد السد التنزاني العملاق، والذي يشكل رمزا لأخوة مصر ودول حوض النيل الشقيقة، وهو ما عقب عليه خبراء مؤكدين أن مصر لديها أفضل خبراء على مستوى العالم في بناء السدود، ولعل السد العالي خير دليل على ذلك.
وخلال الفترة الأخيرة تفاقمت الخلافات بين كل من إثيوبيا ومصر والسودان، بشأن قواعد وملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، في ظل إصرار إثيوبيا على موقفها وعدم الالتزام باتفاق يرضي جميع الأطراف بما لا يضر بدولتي المصب "مصر والسودان"، حتى تجمدت المفاوضات بعد فشلها في التوصل لاتفاق.
التقرير الإثيوبي
وفي الوقت الذي تواصل فيه مصر مساعيها لتنمية أفريقيا في مختلف المجالات، وخاصة تنمية الموارد المائية وتوليد الطاقة، ومن ذلك مساهمتها في بناء سدود بمختلف الدول الأفريقية، ومنها سد ومحطة "جيوليوس نيريري" بتنزانيا، نشرت وسائل إعلام أثيوبية محلية تقريرا يشكك في الخبرة المصرية في بناء السدود.
التقرير الصحفي الإثيوبي، يزعم أن منظمة اليونسكو تحذر من سلامة إنشاء سد تنزانيا، الذي ينفذه تحالف شركتي المقاولون العرب والسويدي الكتريك المصريتين، وزاعمة أن بناء السد يواجه تحديات عميقة نتيجة ضعف الخبرة المصرية في بناء السدود.
خبير:"الغيرة وراء الهجوم"
تعقيبا على ما جاء في التقرير الصحفي الإثيوبي، قال الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إن ما ورد في التقرير نوع من الحملة الهجومية التي تشنها إثيوبيا حاليا على مصر في كافة المجالات.
وأضاف نور الدين، في تصريح لـ"مصر العربية" أن الأثيوبيين اعتادوا حتى في المؤتمرات الدولية للمياه أن يهاجموا استخدام مصر للمياه بدلا من دفاعهم عن سد النهضة، فهم يهاجمون كل ما هو مصري، لأنهم يعتبرون مصر هدف ينبغي الهجوم عليه، بحد وصفه.
وأكد أستاذ الموارد المائية، أن مصر لديها أفضل الخبراء في بناء السدود، مستدلا بذلك على بناء السد العالي الذي يعد من أكبر السدود في أفريقيا، واستغرق بنائه 11 عاما وتم افتتاحه عام 1971، وشاركت في تنفيذه شركة المقاولون العرب التي تشارك حاليا في إنشاء سد تنزانيا.
وتابع :"السد العالي يحتوي على أكبر بحيرة صناعية في العالم وهي بحيرة ناصر، التي تبلغ سعتها التخزينية 162 مليار متر مكعب"، مشددا على أن الشركات المصرية للمقاولات لديها خبرات في تقنيات بناء السدود العملاقة، فما بال أن السد التنزاني ليس من السدود العملاقة ولكنه من السدود المتوسطة.
واستطرد نور الدين: "أثيوبيا لديها غيرة شديدة من مصر، لأن مصر هي التي تبني سدود في أوغندا وتنزانيا، فهي كانت تأمل أن تضم كل من تنزانيا وأوغندا وكينيا لحملتها ضد مصر، ولكن حين فقدت تأييد هذه الدول لها، وأصبحوا يؤيدون مصر ضد السد الأثيوبي، لجأت للهجوم على الخبرات المصرية".
وأكد الخبير المائي أن بناء سد تنزانيا، الذي تبلغ تكلفته نحو 2.9 مليار دولار، يسير بشكل طبيعي دون أي شكوى من تنزانيا، مشيرا إلى أن السد لم يمر عام على البدء في بنائه، والمقرر أن يستمر البناء لمدة 3 سنوات، وسيعمل على توليد كميات جيدة من الكهرباء.
وأشار نور الدين إلى أن هناك سدود في أثيوبيا انهارت لعدة مرات، ورغم تشدقها بالخبرات الأفريقية إلا أديس أبابا استعانت بشركات من إيطاليا لبناء سد النهضة، وتستعين بشركات صينية لبناء بقية السدود، منوها إلى أن أثيوبيا نفسها تعتمد بشكل كامل على كابلات شركة السويدى المصرية في جميع المشروعات.
واعتبر الخبير المائي أن هجوم الصحافة الأثيوبية على الخبرات المصرية في بناء السدود، نابع من الغيرة الأثيوبية بسبب كونها لا تمتلك مثل هذه الخبرات، بينما تستعين بالخبرات الأوروبية والآسيوية.
القوصي: هذه خبراتنا
ومن جانبه قال ضياء الدين القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الرى السابق، إن التقرير الصحفي الأثيوبي لا يستحق التعليق عليه، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن مصر لديها أفضل خبرات في بناء السدود على مستوى العالم.
وعدد القوصي، خلال تصريح لـ"مصر العربية" الخبرات المصرية، مشيرا إلى بناء السد العالي بداية عام 1959، ولا يزال شامخا رغم مرور أكثر من 50 عاما على إنشائه، ولم يحدث به شرخ واحد رغم الزلزال القوي الذي ضرب مصر عام 1992.
وأضاف القوصي أن شركة المقاولون العرب هي من ساهمت في إنشاء السد العالي، كما أن مصر أنشأت سد أسوان قبل السد العالي عام 1898 وانتهت منه عام 1902، وجرت تعليته مرتين الأولى عام 1912 والثانية عام 1952، وبلغت السعة التخزينية مليار متر مكعب، وبعد التعلية الأولى وصلت إلى 2.5 مليار متر مكعب، ووصلت إلى 5 مليار متر مكعب بعد التعلية الثانية.
واستطرد أن مصر هي من بنت القناطر الخيرية، وقناطر نجع حمادي، وقناطر الدلتا، وقناطر فارسكور، وقناطر أسيوط، وغيرها من القناطر، متسائلا: "بعد كل هذا إن لم يكن مصر لديها خبرة في بناء السدود، فهل الأثيوبيون هم من لديهم خبرة، وهم من يستعينون بشركة إيطالية تبني السد منذ عام 2011 ولم تنته حتى الآن سوى من 70%؟".
تفاصيل سد تنزانيا
وفي أغسطس 2019 وضعت تنزانيا الاتحادية حجر أساس مشروع سد لتوليد الطاقة الكهرومائية، يعمل على تشييده تحالف مصري يضم شركتي المقاولون العرب المملوكة للدولة المصرية، والسويدي إلكتريك إحدى كبرى شركات القطاع الخاص المصري.
ويحظى المشروع بمتابعة من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كلف الحكومة، في 4 سبتمبر 2020، بإكمال بناء سد جوليوس نيريري، ومحطة الطاقة الكهرومائية في تنزانيا بأعلى جودة، ليعكس قدرة قطاع المقاولات المصري على تنفيذ مشروعات ضخمة.
ومشروع إنشاء سد ومحطة "جيوليوس نيريري"، يهدف إلى توليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 2115 ميجاوات، على نهر "روفيجي" بتنزانيا، وتبلغ تكلفته نحو 2.9 مليار دولار، حسب تصريحات للدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان المري.
ورغم أن المشروع واجه تحديات عدة، أبرزها حدوث 4 فيضانات منذ ديسمبر 2019 حتى مارس 2020، إلا أن العمل لا يزال متواصلا، ويشارك فيه نحو 5233 عاملا من بينهم 526 عاملا مصريا، و3974 عاملا تنزانيا، و733 عاملا أجنبيا من دول أخرى، وفقا لتصريحات سابقة لللواء محمود نصار، رئيس الجهاز المركزي للتعمير.
وإلى جانب توليد الطاقة الكهربائية، يهدف المشروع إلى توفير احتياجات الطاقة في تنزانيا، بالإضافة إلى التحكم في كميات المياه خلال فترات الفيضانات وتوفير احتياجات المياه للدولة التنزانية طوال العام لأغراض الزراعة والصيد، والحفاظ على الحياة البرية المحيطة في أكبر محمية طبيعية بأفريقيا.
ويتضمن المشروع إنشاء الجسم الخرساني من السد الرئيسي، و4 سدود تكميلية لتكوين الخزان المائي بسعة 34 مليار م3، بالإضافة إلى سدين مؤقتين أمام وخلف السد الرئيسي، ومحطة التوليد الكهرومائية، وإنشاء مجمع سكني وشبكة طرق مؤقتة ودائمة لخدمة منطقة المشروع، وكوبري خرساني واثنين من الكباري على نهر روفيجي، ونفق بطول 703م.
أهمية السد لمصر
وتعد مشاركة مصر في بناء سد تنزانيا إحدى مساعي مصر لتنمية أفريقيا، حسبما ذكرت الدكتورة هبة البشبيشي، خبيرة الشئون الأفريقية، مشيرة إلى حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي في أكثر من مناسبة عن اهتمامه بتطوير البنية التحتية وتنمية أفريقيا في كافة المجالات.
وأشارت خبيرة الشؤون الأفريقية، خلال تصريحات صحفية سابقة إلى أن مصر ساعدت في بناء سدود بالسودان، ومشروعات ملاحة بنهر النيل في أفريقيا.
وفي السياق اعتبر هاني رسلان، مؤسس قسم دراسات حوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن بناء سد جوليوس نيريري ومحطة الطاقة الكهرومائية سيعزز وجود مصر في تنزانيا، باعتبارها إحدى دول حوض النيل.
وأكد رسلان، خلال تصريحات لموقع "المونتيور" الأمريكي، أن مصر لديها مهارات وخبرات تسمح لها بتنفيذ مشروع بهذا الحجم، مشددا على أن هذا المشروع يشكل سابقة عمل قوية في أفريقيا، ويساعد مصر على استعادة قوتها الناعمة في القارة.
مشروعات مصرية في أفريقيا
وتشارك مصر في العديد من مشروعات التعاون الثنائي مع الدول الأفريقية ودول حوض النيل، من خلال مشروعات تنموية تعود بالنفع المباشر على مواطني القارة الأفريقية، منها تنفيذ حزمة من مشروعات التنمية في مجال الموارد المائية بمنحة مصرية في السودان، وفقا لتقرير وزارة الري والموارد المائية، صادر في إبريل 2020.
وتشمل المشروعات تأثيث محطتي قياس المناسيب والتصرفات بمدينة منجلا ونيمولى على بحر الجبل تمهيدًا لتشغيلها بصورة كاملة، وبدء عملية إنشاء 6 محطات مياه شرب جوفية في 5 فبراير 2020 والتي تم التعاقد عليها مع إحدى الشركات المتخصصة 2019.
وأشار تقرير وزارة الري والموارد المائية، إلى أن هناك عدة مشروعات تعاون مع أوغندا، حيث تم البدء في تنفيذ مشروع إنشاء 5 سدود لحصاد مياه الأمطار في أوغندا، للاستفادة منها في الشرب والاستخدامات المنزلية وللثروة الحيوانية.
ولفت التقرير إلى أنه يُجرى حاليًا التجهيز للمرحلة الثانية من مشروع درء مخاطر الفيضان بمقاطعة كسيسي، والذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه في فبراير 2018 ، وساهم في إنقذد المنطقة من كوارث محققة حيث ساهمت الأعمال المنفذة في حماية الأرواح والممتلكات بمنطقة كاسيسى بغرب أوغندا، فضلًا عن الإمكانية المستقبلية لاستغلال مياه الفيضان التي كانت تهدر وتتسبب في خسائر مادية وبشرية.