في مثل هذا اليوم قبل 4 سنوات، في 3 نوفمبر 2016، اتخذت الحكومة قرارًا اعتبره خبراء الاقتصاد حينها جريئًا لاسيما في ظلّ ما يتحمله القرار من تبعات غلاء الأسعار على مستوى السلع والخدمات، ألا وهو قرار تحرير سعر صرف العملة، أو ما يُعرف بـ"تعويم الجنيه"، فماذا تحقق بعد 4 سنوات؟
وكان التعويم أحد القرارات التي اتفقت عليها الحكومة مع صندوق النقد الدولي كجزءٍ من برنامج الإصلاح الاقتصادي، مقابل منح مصر قرض قيمته 12 مليار دولار.
سعر الدولار بين عامي 2016 و2020
في الوقت الذي قررت فيه الحكومة تحرير سعر الصرف، كان سعر الدولار قد وصل إلى 19.75 جنيه، إلا أنه قد انخفض بعد نحو 4 أعوام إلى 15.75 جنيه، ذلك في ظل زيادة تدفقات النقد الأجنبى، الذي بلغ أكثر من 240 مليار دولار.
ورغم هبوط قيمة الجنيه في أعقاب التعويم، إلا أنه شهد في بداية عام 2017، زيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، في خزائن البنك المركزي المصري، وارتفاع إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 1.6 مليار دولار خلال شهر واحد .
ومع مطلع شهر فبراير 2017، بدأ سعر صرف الدولار التراجع من جديد، ليسجل أقل معدل له منذ تحرير سعر صرف الجنيه، ليصل إلي 15.83 جنيها، وذلك نتيجة تراجع الطلب على الدولار، وزيادة الحصيلة الدولارية بالبنك المركزي بقيمة بلغت نحو 4 مليارات دولار.
ثم ما لبث أن ارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، مرة أخرى، ليسجل 18.13 جنيها، نتيجة زيادة حجم الاستيراد للسلع الرمضانية خلال شهري مارس وأبريل، إلي أن استقر خلال شهري مايو ويونيو 2017عند 18.1 جنيهًا.
وظلّ سعر الصرف في التأرجح طوال عام 2017، حتى بدأ يتراجع عن حاجز الـ 18 جنيهًا، مع مطلع شهر يوليو 2017 ليستقر عند 17.87 جنيه، ليختتم عام 2017 مستقرًا عند سعر 17.69 جنيه.
ورغم عودة سعر صرف الدولار للارتفاع من جديد أمام الجنيه المصري، في بداية عام 2018، إلا أنه استمر الجنيه في استعادة قيمته أمام الدولار الأمريكي، لاسيما مع عودة عمليات التدفقات النقدية من مصادر مختلفة، إلى جانب رفع التصنيف الائتماني لمصر وزيادة ثقة المستثمرين الأجانب للدخول في السوق المصرية.
وبدأ الجنيه يستعيد عافيته منذ عام 2019 الماضي، إذ ارتفعت قيمته أمام العملة الأمريكية بنحو 179 قرشًا، إذ بلغ سجل سعر الدولار في مطلع 2019 نحو نحو 17.78 جنيه للشراء.
جني الثمار
وكشفت وكالة بلومبرج، أن مصر بدأت تجني ثمار وأرباع على مستوى قياسي بالدولار، وذلك نتيجة تحرير سعر صرف الجنيه في أواخر عام 2016، من أجل تخفيف الطلب على الدولار، وهو ما أدى إلى تسارع التضخم بشكل كبير، إلا أن التضخم تراجع وسجل هبوطا متتاليا ليقترب من أدنى مستوياته.
وأضافت الوكالة في تقرير لها، بمناسبة مرور 4 أعوام على تحرير سعر الجنيه، أن الاحتياطات من العملات الأجنبية تزايدت بشكل كبير، فضلا عن ارتفاع قيمة الأوراق المالية المصرية بما يصل إلى 62%، مقارنة بأقل مستوى لها في الفترة التي أعقبت تعويم الجنيه.
واعتبرت الوكالة أن تقديرات الأرباح المرتفعة، تعكس الإصلاح الذي مر به الاقتصاد وتحسن الصورة لدى المستثمرين تجاه الدولة المصرية.
وبحسب يحيى أبو الفتوح، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، فإن زيادة التدفقات الدولارية على البنك إلى 103 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 حتى أغسطس عام 2020، يعد إنجاز حقيقي.
وعن أسباب زيادة التدفقات الدولارية، أوضح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، أن أبرزها يتمثل في تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وإقبال العملاء على بيع الدولار في البنوك لشراء شهادات إدخارية بالجنيه المصري، فضلا عن موارد السياحة وتدفقات الاستثمارات غير المباشرة.
ارتفاع الاحتياطى النقدي
وبينما مرت 4 أعوام على تحرير سعر الصرف، أعلن البنك المركزى المصرى، اليوم الثلاثاء، أن صافى الاحتياطيات الأجنبية ارتفع إلى 39.22 مليار دولار فى نهاية شهر أكتوبر 2020 مقارنة بـ38.425 مليار دولار فى نهاية سبتمبر الماضي، بارتفاع قدره نحو 790 مليون دولار.
ومن جانبه أوضح تامر يوسف، رئيس قطاع الخزانة والمعاملات الدولية بأحد البنوك الأجنبية، أن البنك المركزى تبنى سعر صرف معوم لأول مرة فى مصر فتح السوق على مصراعيه للاستثمارات الأجنبية، وجذب الأموال للاستثمار فى الأوراق المالية وأدوات الدين المحلى.
وأضاف يوسف، في تصريحات صحفية، أن تحرير سعر الصرف أدى إلى القضاء على السوق السوداء، وأصبح القطاع المصرفي صاحب اليد العليا في سوق الصرف، كما هو متبع في كافة أسواق العالم.
دراسة: التعويم نقطة الانطلاق
وحول تداعيات تحرير سعر الصرف، أعد الخبير المصرفي أحمد شوقي، دراسة اقتصادية توصلت إلى أن قرار "تعويم الجنيه" الذي اتخذه البنك المركزي المصري في 3 نوفمبر 2016، يمثل أهم خطوة في خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته الحكومة المصرية.
وأضاف الخبير المصرفي، في دراسته التي نشرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن تحرير سعر الصرف كان نقطة الانطلاق للاقتصاد المصري نحو النهوض والتعاف، والتصدي للأزمات التي واجهها الاقتصاد العالمي وآخرها أزمة تفشي فيروس كورونا.
وتوصلت الدراسة إلى أن قرار تعويم الجنيه كان أحد أهم إجراءات عمليات الإصلاح الاقتصادي، التي ساهمت في تحقيق العديد من المكاسب والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري، وأهمها كبح جماح الآثار السلبية للسوق السوداء، والمساهمة في القضاء على عمليات المتاجرة في العملات الأجنبية خارج القطاع المصرفي بالسوق الموازي.
وأوضحت الدراسة أن قرار تحرير سعر الصرف مهد الطريق أمام تقديم البنك المركزي للمزيد من التيسيرات النقدية للاقتصاد، ومنها إجراءات خفض الفائدة المتتالي، ومبادرات دعم الاقتصاد التي عززت الانتاج المحلي والتصدير وساهمت في زيادة تدفقات النقد الأجنبي إلى مصر.
وأضافت أن تحرير سعر الصرف ساهم أيضا في خفض معدلات التضخم من مستويات مرتفعة بعد قرار التحرير وصلت إلى قرب 35% إلى مستويات منخفضة جدا بنهاية الربع الثالث من 2020 لا تتجاوز 4 في المائة.
حركة تطور الجنيه في 4 سنوات
ورصدت الدراسة التي أعدها الخبير المصرفي أحمد شوقي، تطور حركة الجنيه المصري منذ تحرير سعر الصرف في 5 مراحلة، تمثلت في الآتي :
مرحلة الاضطراب
تقول الدراسة إن أولى مراحل تطور الجنيه، هي مرحلة الاضطراب في 2016، إذ شهد الشهران المتبقيان من عام 2016 اضطرابا شديدا ما بين ارتفاع وانخفاض، إذ قفز سعر الدولار أمام الجنيه المصري يوم قرار التعويم بنسبة 52% ليصل سعر الدولار شراء 13.53 جنيه مصري مقابل 8.85 جنيه مصري.
وأوضحت الدراسة أن سعر الدولار ارتفع ليصل إلى 17.76 جنيه بنهاية شهر نوفمبر 2016 مسجلاً ارتفاع قدرة 100% عن السعر المعلن بالبنك المركزي المصري في 3/11/2020، ثم ارتفع سعر الدولار الأمريكي مرة أخرى في 20 ديسمبر 2016 ليصل لأعلى سعر له مسجلاً 19.13 جنيه مصري.
التحسن التدريجي
وتمثلت المرحلة الثانية في مرحلة التحسن التدريجي 2017،، إذ بدأ سعر الجنيه المصري في التحسن التدريجي منذ أواخر عام 2016 ،ومع بداية العام 2017 حتى وصل سعر الدولار (شراء) 17.68 أمام الجنيه المصري مقارنة بأعلى نقطة 19.13 جنيه في عام 2016 وبنسبة تحسن 7.6% وبقيمة انخفاض في سعر الدولار أمام الجنيه قدرها 1.45 جنيه مصري.
وشهدت المرحلة الثالثة، خلال عام 2018 استقرارا نسبيا لسعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي مع ارتفاع نسبي بسيط ليصل سعر الدولار أمام الجنيه المصري بنهاية عام 2018 إلى 17.86 جنيه مصري وبزيادة قدرها 18 قرشًا وبنسبة قدرها نحو 1.5%.
مرحلة التعافي
وكان عام 2019 هو عام التعافي للاقتصاد المصري والتحول الحقيقي، وفقا للدرسة التي أعدها الخبير المصرفي، إذ شهد بدء تعافي الاقتصاد المصري والتحول الحقيقي نحو النمو، حيث حقق الاقتصاد المصري فائضا أوليا لأول مرة يصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018/2019، وفائض مبدئي بالعام المالي 2019/2020.
وتحسن أداء الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة 10.5% بقيمة قدرها 1.88 جنيه ليصل سعر الدولار الأمريكي بنهاية العام 2019 عند 15.99 جنيه مصري للشراء.
وفقا للدراسة فإن المرحلة الخامسة في 2020 تعد مرحلة الاختبار الحقيقي؛ حيث استمر تحسن أداء الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال أول شهرين استكمالاً لمرحلة جني ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي وبنسبة تحسن تصل إلى 3% وبقيمة قدرها 45 قرشاً.
ثبات التصنيف..رغم تأثير كورونا
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى العالمية، قد أكدت تثبيت التصنيف الافتراضى طويل الأجل للاقتصاد المصرى عند "ب+" مع نظرة مستقبلية مستقرة، للمرة الثانية منذ انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19، وذلك في الوقت الذي انخفض فيه التصنيف الائتماني لـ 33 دولة، ومنحت الوكالة 40 دولة نظرة مستقبلية سلبية.
وأرجعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، سبب التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري إلى حزمة إجراءات الإصلاح الاقتصادى والمالى التى قطعتها الحكومة المصرية، والتزامها التام بتعزيز برنامج الإصلاح، وتوافر التمويل المالى والخارجى فى مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد.
وأضافت الوكالة أن الإصلاحات الاقتصادية التى تبنتها الحكومة المصرية فى السنوات الأخيرة وفرت لها درجة من المرونة لمواجهة مثل هذه الصدمة، لافتة إلى أنه برغم تأثير تداعيات جائحة كورونا على الموارد المالية الخارجية في مصر، إلا أنها كانت تمكنت من عبور الأزمة لما كانت عليه من اتجاهات إيجابية في الفترة الأخيرة.
وأوضحت الدراسة التي أعدها الخبير المصرفي أحمد شوقي، أنه مع بدء تطبيق الإجراءات الاحترازية من البنك المركزي في 15 مارس 2020 استقر سعر الدولار (للشراء) لمدة شهرين كاملين عند 15.69 جنيه مصري، ثم شهد حالة من الارتفاع والانخفاض بمتوسط قدره 15 قرشاً خلال الفترة من 15 مايو حتى الآن.
وأوضح أن سعر الدولار الأمريكي استقر عند 15.65 جنيه مصري، متراجعا مرة أخرى عن السعر الساري قبل بدء تطبيق الإجراءات الاحترازية من البنك المركزي المصري في 15 مارس.
أسباب تعافي الجنيه
وعن أسباب تحسن أداء الجنية المصري أمام العملات الأجنبية، أوضحت الدراسة أن هناك عوامل عديدة أبرزها ارتفاع رصيد الاحتياطي الدولي من النقد الأجنبي، إذ وصل إلى 45.12 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2019، والذي يغطي احتياجات مصر لمدة 8 أشهر.
وأكدت الدراسة أن هذا رصيد الاحتياطي الدولي ساهم في العبور من أزمة كورونا وسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية، منوهة إلى أنه بدأ في الارتفاع والاستقرار النسبي ليصل رصيد الاحتياطي النقدي إلى 38.42 مليار دولار أمريكي بنهاية سبتمبر 2020.
وأشارت الدراسة إلى أن أحد أسباب تحسن قيمة الجنيه، ارتفاع ارتفاع قيمة تحويلات المصريين بالخارج لتصل قيمتها في الربع الرابع (أبريل - يوليو) من العام 2019/2020 إلى 9.1 مليار دولار امريكي مقابل 9.5 مليار دولار أمريكي خلال نفس الفترة بالعام الماضي، فضلا عن ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري، لتحقيق معدلات ربحية عالية وعودة تدفق الاستثمارات الأجنبية.