تزامنا مع تزايد "العناد الترامبي" بعدم الاعتراف بالهزيمة أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، تتجه البوصلة نحو الحزب الجمهوري وما قد يقدمه حزب الرئيس تجاه الشارع الأمريكي المنقسم.
وعلى صعيد آخر الأحداث، فقد صدّقت ولاية جورجيا رسميا على فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بأصوات المجمع الانتخابي بالولاية بعد إعادة الفرز يدويا، في حين يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإقناع قيادات جمهورية بمجالس تشريعية في ولايات بوقف التصديق على نتائج الانتخابات في ولايات حاسمة، أبرزها ميشيغان وبنسلفانيا.
فبعد مرور أكثر من أسبوعين على الانتخابات الأمريكية، والتي أكدت كبريات وسائل الإعلام فوز المرشح الديمقراطي جون بايدن بها، وحصوله على 306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتا للرئيس دونالد ترامب، لم يعترف ترامب بعد بهذه النتائج وما زال يدّعي أن الانتخابات "سُرقت" منه.
ومع رفض عدد من محاكم الولايات المتأرجحة أكثر من 20 دعوى قانونية رفعتها حملة الرئيس ترامب، لم يفقد ترامب الدعم العلني من أركان الحزب الجمهوري لجهوده المستمرة لتغيير نتيجة الانتخابات، ولم تدفع سياساته ومواقفه خلال الأيام القليلة الماضية إلى تخلي قادة الجمهوريين عن دعمه.
وكان ترامب قد أقال من دون سابق إنذار وزير الدفاع مارك إسبر وعددا من كبار مساعديه، كما أقال كريس كريسبي مسؤول الأمن السيبراني في وزارة الأمن الداخلي، وهو ما ردّ عليه الجمهوريون بالانتقاد المتحفظ فقط.
ورغم خسارة ترامب، فقد صوّت له أكثر من 73 مليون ناخب، وهو رقم قياسي لم يقترب منه أي مرشح رئاسي جمهوري من قبل.
ويدرك قادة الجمهوريين أن الحزب يحتاج ترامب في معركة انتخاب عضوي مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، المقررة في 5 يناير القادم.
وضمن الجمهوريون 50 مقعدا من مقاعد المجلس الـ100، في حين يسيطر الديمقراطيون على 48 مقعدا، ومن شأن فوز الجمهوريين بأحد أو كلا مقعدي ولاية جورجيا أن يضمن سيطرتهم على الأغلبية في المجلس، وفي حال خسارتهم المقعدين فإن الأغلبية تنتقل للديمقراطيين، حيث يصبح من حق نائب الرئيس ترجيح كفة تعادل الأصوات.
ولعبت شعبية الرئيس ترامب الطاغية وسط القواعد الانتخابية للحزب الجمهوري، دورا كبيرا في تضييق الفارق مع الديمقراطيين في مجلس النواب، مع فوز الجمهوريين بـ8 مقاعد إضافية.
ولم يبارك فوز بايدن بالرئاسة إلا عضوان جمهوريان من مجلس الشيوخ، هما: السيناتورة سوزان كولينز والسيناتور ميت رومني، في حين تحفظت بقية القيادات الجمهورية عن التعبير عن رأيها أو التأكيد على دعم ترامب.
ولم يكن من الغريب تأكيد ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، على حق الرئيس ترامب في السير في طريق رفع الدعاوى القضائية ضد نتائج الانتخابات.
وهاجم ماكونيل قرار ترامب سحب قوات من أفغانستان والعراق، واعتبره "خطأ كبيرا"، إلا أنه رفض التطرق لتفاصيل موقفه من الانتخابات، وقال إن "هناك طريقة للتعامل مع النزاعات الانتخابية، وهي المحاكم. والمحاكم في مختلف الولايات تتعامل مع أي اتهام حال توافر أدلة، نحن ذاهبون إلى نقل منظم للسلطة من هذه الإدارة إلى الإدارة التالية".
في حين تجاهل جون ثون السيناتور الجمهوري من ولاية داكوتا الجنوبية، الرد على سؤال عما إذا كانت الخلافات ستتسبب في انفصال نواب الحزب الجمهوري عن ترامب بشأن الانتخابات.
وأضاف ثون في حوار مع الراديو القومي أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ينظرون إلى قرار ترامب سحب القوات من أفغانستان أو طرده لأحد كبار مسؤولي الأمن السيبراني، على أنه "خطأ كبير".
وفي الوقت الذي جاهر فيه جون كورنين السيناتور الجمهوري من ولاية تكساس، بمعارضته لتصرفات الرئيس تجاه سحب القوات من أفغانستان والعراق، فإنه أكد أن هذه الخلافات لن تؤثر على دعم إستراتيجية ترامب الانتخابية.
وقال كورنين "إذا كانت لي خلافات مع ترامب، فسأناقشها معه على انفراد".
وفي تصريحات سابقة لمصر العربية، قال المواطن الأمريكي، محمد راشد، إن الشعب الأمريكي اختار جو بايدن رئيسا لأمريكا لعدة أسباب لعل أهمها: أن بايدن هو ممثل الحزب الديمقراطي الذي يمثل الطبقة المتوسطة داخل أمريكا، وبطبيعة الحال فكل المهاجرين من جميع الأجناس من الطبقة المتوسطة في بلادهم لذلك فضلوا من يمثلهم، نظرا لأن تلك الفئات رغم كونها أمريكية إلا أنها عاشت سنوات من القهر في عهد ترامب، لذلك اتجهوا إلي العمل السياسي وانضموا إلي الحزب الذي يمثلهم وهو الحزب الديمقراطي كما الحال مع نائبة بايدن كامالا هاريس عضو الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا، والتي هي من أصول هندية..
هذا بالإضافة إلى أن البعض من المنتمين إلى الحزب الجمهوري لا يحبون ترامب، كونه بالأساس ليس منهم، ولا يمثل ثقافة وتقاليد وأعراف حزبهم، ولذلك كان الراحل جون ماكين الجمهوري المحافظ ينتقد ترامب ويهاجم سياساته العنصرية..
وتابع: ماكين هو بطل في ولاية أريزونا، حتى بعد وفاته لم يتركه ترامب، وظل يكيل له الاتهامات "والشتائم" حتى دفع زوجة ماكين للخروج عبر وسائل الإعلام لتأييد بايدن، وتعاطف معها أهل الولاية لما يكنونه لماكين من حب وتقدير، لينتخبوا بايدن وتكون أبرز خسائر ترامب بأريزونا.
ويضيف: أيضا حادثة جورج فلويد الأمريكي الأسود وتعاطف بعض البيض معه وعلاج ترامب الخاطئ لهذه الأزمة، دفع غالبية أصحاب البشرة السوداء للانتقام من ترامب عبر صناديق الاقتراع والتصويت لبايدن.
وعن تهديدات ترامب بإثارة الفوضى، أشار راشد إلى أن الحزب الجمهوري لن يقف إلى جانب سياسات ترامب المستقبلية، فهم يعتبرون ترامب بمثابة الكابوس على حزبهم.
وعن توقعاته لسياسات بايدن الخارجية، تحديدا تجاه بعض الدول العربية، قال راشد، من المؤكد أن سياسات بايدن ستتغير عما كان عليه ترامب، فبعض الدول مثل السعودية ستهاجمها الإدارة الأمريكية الجديدة خصوصا في ملف الحريات، أما تركيا فلن يستطيع أن يفعل لها بايدن أي شيء، نظرا للحضور الأردوغاني في بعض القضايا الدولية، وكذلك قوته الاقتصادية داخل بلاده.
وأنهى المواطن الأمريكي كلامه، فوز بايدن وحد الولايات الأمريكية، فالأمريكان، فقدوا الديمقراطية في عهد ترامب، وشعروا أنها عادت إليهم بفوز بايدن.
على الجانب الآخر، لم تسفر معارك ترامب أمام المحاكم عن نجاح يذكر، لكن الجمهوريين يحرصون على عدم الإعلان الكامل عن موقفهم، ويفضلون التعبير بصورة غير مباشرة عن طريق حث ترامب على السماح لبايدن بتلقي الإحاطات الاستخباراتية، إلا أن أيا منهم لم يدعُ ترامب إلى التنازل.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بعض الجمهوريين سيبدؤون الابتعاد عن ترامب قبل انتخابات ولاية جورجيا حين توثق الولايات نتائج انتخاباتها، وهو ما سيبدأ خلال أيام وينتهي قبل نهاية الشهر الجاري، أم سينتظرون إلى 8 ديسمبر حين تنتهي فترة تقديم الطعون القضائية، باعتبارها معلما رئيسيا للاعتراف رسميا بفوز بايدن، في حين توقع آخرون أنهم ينتظرون اجتماع الهيئة الانتخابية في 14 ديسمبر لتسمية الرئيس القادم للولايات المتحدة.