أثار توقيت الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدولة جنوب السودان، السبت، والتي تعد الأولى لهذه الدولة الأفريقية الوليدة، التكهنات حول مغزى الزيارة المتزامنة مع أزمة سد النهضة الإثيوبي والصراع الدائر في إقليم تيجراي في إثيوبيا.
وكان السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصري، صرح أمس السبت بأن الرئيس السيسي عقد جلسة مباحثات ثنائية مع رئيس جنوب السودان، أعقبتها جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين، حيث رحب الرئيس سلفا كير بزيارة الرئيس إلى جوبا، واصفا إياها بالتاريخية، حيث تعد الأولى من نوعها لجنوب السودان منذ استقلاله.
صحيفة "العرب" اللندنية، سلطت الضوء في تقرير لها على الزيارة، وأهميتها بالنسبة للقاهرة في هذا التوقيت الذي تتعثر فيه مفاوضات سد النهضة، مع إثيوبيا.
وجاء في تقريرها أن أزمة سد النهضة الإثيوبي فرضت على مصر توسيع مجال الحركة السياسية مع الدول الأفريقية، أملا في إعادة الاعتبار إلى هذه الدائرة الحيوية، التي أدى الغياب عنها كثيرا إلى تكبد خسائر فادحة، وتعريض الأمن القومي إلى تآكل من جهة الجنوب، بعد قيام دول منافسة لمصر بتكريس وجودها في دول تمثل عمقا استراتيجيا لها.
ونقلت عن مراقبين قولهم إن "القاهرة بدأت تتخلى عن الاهتمام الموسمي بالدول الأفريقية، وتعيد صياغة التوجهات بما يعزز دورها مع دول حوض النيل، حيث تسبب سد النهضة في أزمة مستعصية، جزء منها نجم عن إهمال التفاعل مع دول القارة."
ويضيف هؤلاء أن: "السياسة المصرية تتخذ منحى أفقيا ورأسيا، وتتجه إلى تنويع وتعميق العلاقات، وإيجاد شبكة مصالح عملية تستند عليها، فلم تعد حملات العلاقات العامة مفيدة، وتأكدت القاهرة بأنه ما لم تكن هناك أطر محددة لن تستطيع تحسين موقفها في أي من الأزمات التي تحيط بها من ناحية الجنوب."
وأشارت الصحيفة إلى أن مصر بدأت أيضا تعيد صياغة منظومة علاقتها مع السودان، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وشهدت العلاقات المشتركة انفراجا في الآونة الأخيرة، عكسته اتفاقيات متباينة، وعززته مناورة عسكرية جرت بينهما مؤخرا في قاعدة "مروي" بشمال السودان.
وعن الأبعاد العسكرية للزيارة، استبعدت مصادر مصرية، أن تكون زيارة السيسي إلى جوبا لها علاقة مباشرة بما راج بغزارة في وسائل إعلام إثيوبية حول تشييد قاعدة عسكرية مصرية في دولة جنوب السودان، تستهدف منها التعامل بخشونة مع أديس أبابا.
وأكدت أن التعاون العسكري بين القاهرة وجوبا مطلوب في هذه الأجواء، وليس بالضرورة أن يكون موجها ضد إثيوبيا أو غيرها، فمنطقة شرق أفريقيا ذات أهمية حيوية للبلدين، وتموج بصراعات مسلحة ممتدة، وتسللت إليها قوى غاشمة.
وأشارت إلى أن تركيا نجحت في أن تضع قدميها في الصومال وعينها على إثيوبيا، ومن الطبيعي أن تفكر القاهرة في الحفاظ على أمنها القومي من خلال توسيع آفاق التعاون مع الدول التي تبدي استعدادا لذلك، لأن الفترة القادمة قد تشهد تحولات كبيرة، خاصة إذا انفرط عقد الحروب الداخلية، وأصبح عابرا للحدود بما يفوق ما عرفته دول المنطقة.
وبعيدا عن الجانب العسكري، ذكرت تقارير إعلامية، أن أجندة الرئيس المصري إلى دولة جنوب السودان، تتضمن مسألة هامة وهي إعادة إحياء مشروع قناة جونقلي المتوقف.
وأوضحت التقارير أن هناك مباحثات متقدمة بين مصر وجنوب السودان، ودولة السودان، بشأن إعادة إحياء مشروع قناة جونقلي المتوقف، في إطار الحلول الرامية لتقليل الآثار السلبية المترتبة على حصص مصر والسودان من مياه النيل، جراء التعنت الإثيوبي بشأن المخاوف المصرية والسودانية.
وقالت إنّ إحياء المشاورات الخاصة بشأن القناة الواقعة على نهر الجبل بدولة جنوب السودان، جاء في أعقاب زيارة سابقة قام بها مسئولين مصريين إلى جنوب السودان.
ومشروع قناة جونقلي يقع على نهر الجبل بدولة جنوب السودان، والذي توقف العمل به عام 1983 بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت وقتها بين الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق، بعد حفر 260 كيلومتراً من إجمالي 360 كيلومتراً.
وبدأ الحديث حول حفر قناة جونقلي عام 1983 بموجب اتفاق المحاصصة الخاص بمياه النيل بين مصر والسودان الموقع عام 1958. وجرت على ضوء ذلك دراسات وبحوث مكثفة ليتوصل البلدان إلى خطة عمل تهدف للاستفادة من المياه الضائعة في منطقة السدود ومستنقعات بحر الجبل (جزء من نهر النيل بجنوب السودان).
وأوصت الدراسات بأهمية حفر قناة تستوعب المياه الزائدة من المستنقعات وكميات المياه التي كانت تتبخر سنوياً من دون الاستفادة منها، وذلك بحفر خط مائي يربط بين منبع القناة بولاية جونقلي حتى المصب عند فم نهر السوباط بالقرب من مدينة ملكال بجنوب السودان.
ونصّ الاتفاق بين البلدين على أن يتعاونا معاً في إنشاء مشاريع زيادة إيرادات النيل بمنع الضائع من مياه حوض النيل، على أن يقسم صافي فائدة هذه المشاريع على الدولتين بالمناصفة، ويسهم كل منهما في تكلفة تلك المشاريع وفوائدها.
وتأتي زيارة السيسي في وقت تعاني فيه دولة جنوب السودان من مشكلات اقتصادية وسياسية وأمنية كبيرة، أفضت إلى دخولها في عداد الدول "الفاشلة"، وتعرض بعض المسؤولين فيها إلى عقوبات من قبل مجلس الأمن، ولوّح بتوسيع نطاقها ما لم تتوقف الحرب الأهلية.
ودخل نظام الحكم في جوبا حزام الترهل بعد الحصول على الاستقلال بسنوات قليلة، ودخلت البلاد في أتون حرب أهلية وعرة، بدأت ملامحها تهدأ عقب التفاهم بين الرئيس سيلفا كير ونائبه الأول رياك مشار، على تنفيذ اتفاق السلام بينهما مؤخرا.
ويسهم استقرار الحكم في جنوب السودان في فتح أمل جديد أمام القاهرة في هذه الظروف لتطوير التعاون في مجال المياه، والاستعداد لمواجهة مراحل أكثر صعوبة، حيث فتحت بعض أزمات المياه العيون على إمكانية اندلاع حروب بسببها.