وفاة شمس بدران.. وزير دفاع «النكسة»

وفاة شمس بدران وزير الحربية اثناء النكسة

هناك في لندن عاش ومات شمس بدران، وزير الحربية إبان عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث كانت منفاه الذي لاذ به بعدما أفرج عنه الرئيس الراحل أنور السادات، ليسطر بها العديد من الحكايات في مذكرات تروي ما دار في حقبة حرجة من تاريخ مصر.

 

ففي عشية الإثنين 30 نوفمبر 2020 غيب الموت شمس بدران عن عمر يناهز 91 عاما، بعد صراع من المرض، تاركا وصية لأبنائه بأن يواري جسده تراب مصر التي غاب عنها سنوات طويلة.

 

انضمامه للضباط الأحرار

 

ارتبط اسم شمس بدران بعهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث حظى بثقته فاختاره ليكون عينه التي ترصد ما يدور داخل القوات المسلحة، حتى لُقب بـ"صائد الانقلابات".

 

شمس بدران هو ابن محافظة الجيزة ولد عام 1929، والتحق بالأكاديمية العسكرية وتخرج منها عام 1948، وعقب تخرجه شارك في حرب فلسطين، وهناك كانت بداية معرفته بالضباط الأحرار إذ كان ضمن القوات التي حوصرت في الفالوجا، وخلالها تعرف على قادة التنظيم وعلى رأسهم عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين.

 

 

وبمجرد انضمام شمس بدران لتنظيم الضباط الأحرار تولى تجنيد أفراد "اللواء السادس" الذي كان ضابطا في إحدى كتائبه، وشارك في ثورة 23 يوليو 1952، وحظى بثقة جمال عبد الناصر والمشيرعبد الحكيم عامر.

 

وزير دفاع "النكسة"

 

وعقب ثورة يوليو ترقى شمس بدران في صفوف الجيش، وتدرج في المناصب حتى وصل لمدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر، الذي كان حينها النائب الأول لرئيس الجمهورية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ثم اختير وزيرا للحربية عام 1966، وكان أحد المسؤولين عن هزيمة حرب 5 يونيو 1967 والتي عُرفت بـ"النكسة".

 

 وفي 10 يونيو عام 1967 قدم كل من المشير عبد الحكيم عامر، ووزير الحربية شمس بدران، استقالتيهما، وتمت إحالة شمس بدران إلى المحاكمة باعتباره أحد المسؤولين عن النكسة، ليكون بذلك أول وزير حربية يُقدم للمحاكمة.

 

وعن محاكمة شمس بدران يقول محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته "جاء الدور على شمس بدران وزير الحربية بتقديمه للمحاكمة، وأثناء هذه المحاكمة في فبراير 1968 سأله رئيس المحكمة عن رأيه فيما حدث، وترتب عليه هزيمة يونيو، فرد بدران قائلا: "لما تطور الموقف ورأينا بضرورة انسحاب البوليس الدولي لنبين إننا جاهزين للهجوم، استتبع ذلك احتلال شرم الشيخ الذي استتبع قفل خليج العقبة".

 

 

وأضاف بدران، وفقا لمذكرات الجمسي: "كان الرأي أن جيشنا جاهزٌ للقيام بعمليات ضد إسرائيل، وكنا متأكدين 100% إن إسرائيل لا تجرؤ على الهجوم أو المبادرة بالضربة الأولى، وأن دخول إسرائيل أي عملية معناها عملية انتحارية لأنها قطعاً ستهزم في هذه العملية".

 

وفي مذكرات عبداللطيف بغدادي عضو مجلس قيادة الثورة يقول: "طوال أيام المعركة كان شمس بدران وزير الحربية موجوداً مع المشير عبد الحكيم عامر بالمكتب، وينام معه في الغرفة الملحقة بمكتبه، وكان واضحاً جهله بإدارة العمليات الحربية ويظهر أنه يعلم هذا عن نفسه ولذا لم يكن يعمل شيئاً طوال هذه الأزمة إلا تقديم بعض الأوراق لعبد الحكيم الواردة إلى مكتبه".

 

"قاهر الإخوان

 

في حقبة جمال عبد الناصر تولى شمس بدران الإشراف على تفكيك تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، عقب قضية العام 1965، وزج بالآلاف من عناصرهم وقادتهم في السجون، حيث تمكن هو ورجاله من انتزاع اعترافات من الإخوان حول خلاياهم وعناصرهم في الداخل والخارج وشبكات تمويلاتهم، حتى لُقب بـ"قاهر الإخوان".

 

ويقول شمس بدران في مذكراته التي نشرتها صحيفة "السياسة" الكويتية عام 2014: "لست نادما على ما فعلته بالإخوان عام 1965، ولو عاد الزمن لكررت الأمر نفسه معهم"، معتبرا أنهم نسجوا من خيالهم آلاف القصص حول عمليات تعذيب وهمية تعرضوا لها داخل السجون.

 

 

وفي حلقة أخرى من المذكرات، قال بدران: "اختلطت الحقائق بالأساطير، والاعترافات بالخزعبلات وظل الرأي العام بعيدًا ومهمشًا عن المشاركة في هذه القضية الخطيرة، ما ترك المجال أمام "الإخوان" أن ينسجوا من خيالهم آلاف القصص والحكايات الخرافية، حول عمليات التعذيب الوهمي التي تعرض لها المتهمون في القضية".

 

 وأضاف بدران: "بعضهم وصل به الخيال إلى حد أن اتهمني باستخدام "موتورسيكل" للسير به على أجساد المتهمين داخل أسوار السجن الحربي، كما بالغوا في أعداد المحتجزين على ذمة القضية بصورة تتنافى مع المنطق والعقل".

 

وتابع: "صحيح أننا كنا جادين في التعامل مع المتهمين، وكنا نستخدم القسوة معهم في أحيان كثيرة، حتى نجبرهم على الاعتراف، وسرد تفاصيل مخططهم الإجرامي الذي كان يستهدف مصر كلها، لكن لم يصل الأمر إلى الحد الذي يتحدثون عنه في أدبياتهم، حيث تحمل كتب وروايات "الإخوان" كثيرا من المبالغات التي تصل إلى مستوى الخرافات والخزعبلات".

 

وفي المقابل رد بعض جماعة الإخوان المسلمين على تلك المذكرات، معتبرين أنها كذب وافتراء وتزييف لحقائق التاريخ.

 

وبعد اعتزال شمس بدران من منصبه تم التحفظ عليه، حيث زادت الشكاوى ضده بتعذيبه للمتهمين من جماعة الإخوان المسلمين داخل السجون، وقد حكمت المحكمة بإعدامه، ثم تخفيف الحكم إلى المؤبد.

 

إفراج وهروب

ولكن في أول ذكرى لنصر أكتوبر أفرج الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن شمس بدران، ومنحه جواز سفر دبلوماسي ليتوجه إلى لندن، والتي استقر بها وتزوج بسيدة بريطانية أنجب منها ثلاثة أبناء.

 

وفي نهاية يناير عام 1989 نشرت الصحف خبر طلاق منى مصطفي رشدي زوجة شمس بدران بموجب حكم قضائي من المحكمة الكلية للأحوال الشخصية لغيابه عنها 3 سنوات، بعدما تزوجها في 7 يونيو عام 1963 في نادي القوات المسلحة بالزمالك.

 

وفي لندن، أصبح شمس بدران تاجرا في أعلاف الدواجن وغيرها الكثير، وكان ينشر مذكراته في بعض الصحف الخليجية، وكشف فيها عن أوراق هامة عن حقبة الستينيات من تاريخ مصر.

 

وتطرقت مذكرات بدران إلى خطة الإطاحة بجمال عبدالناصر، إذ قال: "رفض المشير- أمامي- أكثر من اقتراح لضباط يدينون له بالولاء أن يخطفوا عبدالناصر أو اغتياله وظل يستقبله في منزله في الجيزة حتى قبل تحديد إقامته بأيام".

 

وأضاف بدران: "كما استقبل محمد حسنين هيكل الذي نقل إليه بعض الاقتراحات الخاصة بحل الخلاف، لكنه لم يخطر في باله أن يصل الأمر برفيق عمره إلى أن يغدر به فجأة، وإن يستمع لمن كانوا مستعدين لبيعه في أي لحظة".

 

وبحسب رواية الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، فإن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يريد أن يجعل شمس بدران رئيسا للجمهورية بعد خطاب التنحي عن منصبه عقب هزيمة 1967 إلا أنه تدخل حتى لا تدخل البلاد في موجة عنف.

 

وهكذا عاش شمس بدران في منفاه الاختياري في لندن طيلة سنوات عانى فيها صراعا مع المرض، حتى وافته المنية أمس الإثنين، بينما ينهي أفراد أسرته إجراءات نقل الجثمان إلى القاهرة لتنفيذ وصيته بأن يُدفن في مصر.

مقالات متعلقة