يشهد قصر الإليزيهـ اليوم الإثنين، قمة مرتقبة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، للتباحث حول مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتنمية العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين، وبحث سبل تعزيزها خلال الفترة القادمة.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وصل إلى باريس، أمس الأحد، في "زيارة دولة" تستمر حتى غد الثلاثاء، تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي، حيث تتضمن الزيارة كل جوانب وموضوعات العلاقات الثنائية بين البلدين، والتنسيق السياسي المشترك تجاه القضايا الإقليمية الدولية.
ومن جانبها استعدت فرنسا لزيارة الرئيس السيسي بوضع الأعلام المصرية في الشوارع والميادين الرئيسية في العاصمة باريس، وحول قصر الرئاسة الفرنسية "الإليزيه".
ملفات القمة
وبحسب السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، فإن زيارة الرئيس السيسي إلى فرنسا تتضمن لقاءات مع الرئيس ماكرون، ورئيس الوزراء الفرنسي، وعدد من الوزراء وكبار المسئولين الفرنسيين، ورئيسي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ الفرنسي، وذلك لعرض الرؤية المصرية للأزمات الإقليمية وكيفية التعامل معها، خاصة تلك المتعلقة بشرق المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط.
كما تتضمن الزيارة مباحثات السيسي زيادة التعاون المشترك بين البلدين وتعزيز العلاقات الثنائية خاصة في المجالات الاستثمارية والتجارية في ضوء جهود مصر لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية للمشاركة في المشروعات القومية الكبرى في إطار عملية التنمية الشاملة التي تشهدها مصر.
ومن المقرر أن تشمل الزيارة أيضا كافة جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين، والتنسيق السياسي المشترك تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وبحث التعاون في ملفات كبرى مثل مكافحة الإرهاب والأزمة الليبية وغيرها من القضايا، ومختلف الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وسبق أن زار الرئيس السيسي باريس في أكتوبر 2017، في حين زار الرئيس الفرنسي القاهرة في يناير 2019، بهدف تدعيم العلاقات بين البلدين.
الهدف من الزيارة
وعن الهدف من زيارة الرئيس السيسي إلى باريس، قال السفير بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إن هناك دوائر مشتركة كبيرة بين المواقف المصرية والفرنسية أولها فى شرق التوسط والتعاون والبناء ونبذ أى توترات أو مشاكل بحيث إن ثروات شرق المتوسط يتم استغلالها لصالح الشعوب.
وأشار راضي، في تصريحات للوفد الصحفي المرافق للرئيس في زيارته إلى باريس، إن إحدى المواقف المتطابقة بين مصر وفرنسا القضية الليبية، والتي تعد أحد المحاور الرئيسية خلال الزيارة، والتأكيد على رفض التدخل الخارجي والتعاون مع المليشيات والمقاتلين الأجانب، والوصول إلى مسار سياسي لحل الأزمة.
وأكد المتحدث أن تلك الزيارة ستدعم مسيرة العلاقات بين البلدين على نحو إيجابي، في ظل تطلع فرنسا لتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر في مختلف المجالات، لاسيما الملفات الإقليمية ومكافحة الإرهاب وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
السيسي يؤكد تدعيم الشراكة
واستهل الرئيس السيسي زيارته إلى فرنسا، أمس الأحد، بمقابلة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، بمقر وزارة الخارجية الفرنسية، والذي أكد على تطلع بلاده لتكثيف التنسيق المشترك مع مصر حول قضايا الشرق الأوسط.
وقال وزير خارجية فرنسا، خلال لقائه بالرئيس السيسي أمس في تصريحات نشرها الصحفين المرافقين للرئيس، إن مصر في سنوات قليلة بقيادة السيسي نجحت في استعادة دورها المحوري الإقليمي الفعال على نحو عكس عراقة الحضارة المصرية الممتدة، مستشهدا بالنجاحات على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي ومكافحة الإرهاب.
في سياق متصل أكد الرئيس السيسي حرص مصر على تدعيم الشراكة الاستراتيجية مع فرنسا، والتي تمثل ركيزة مهمة للحفاظ على الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، معربا عن تطلعه للتنسيق والتشاور مع الجانب الفرنسي خلال الفترة المقبلة في مختلف الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وشدد السيسي على أنه لا سبيل لتسوية الأزمات إلا من خلال الدعم الكامل من المجتمع الدولي لاستعادة المؤسسات الوطنية، من أجل عودة الدول التي تشهد تلك الأزمات إلى وضعها الطبيعي وتقويتها لمواجهة التدخلات والأطماع الخارجية ودحر خطر الإرهاب.
5 ملفات على الطاولة
ومن جانبه قال الكاتب والباحث السياسي جمال رائف، إن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى فرنسا في غاية الأهمية، مؤكدا أن أهميتها لا تقتصر فقط على الصعيد المصري، ولكن على المستوى الإقليمي، نظرا لما ستتضمنه من ملفات هامة.
وأضاف رائف، خلال مداخل هاتفية مع برنامج صباح الورد، المذاع عبر شاشة قناة "تن"، إن هناك 5 ملفات ستكون على طاولة القمة المصرية الفرنسية، أبرزها مكافحة الإرهاب والتطرف، الملف السوري، القضية الليبية، القضية الفلسطينية، فضلا عن سبل تدعيم العلاقات بين البلدين على كافة المستويات.
وأشار الباحث السياسي إلى أن التعاون الاقتصادي بين القاهرة وباريس سيكون ضمن أولويات اللقاء بين الرئيسين السيسي وماكرون، لافتا إلى أنه الفترة الماضية شهدت العلاقات بين البلدين ازدهارا كبيرا على المستوى الاقتصادي والتجاري والاستثمارات في مجالات البناء والتشييد والنقل.
أهمية الزيارة..والتوقيت
وعن مدى أهمية زيارة الرئيس السيسي إلى باريس قال السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الزيارة تأتي في توقيت شديد الأهمية في ظل أوضاع إقليمية متفجرة، لاسيما التصعيد التركي في المتوسط، والذي زاد من التوتر في منطقة شرق المتوسط.
وأضاف حجازي، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الإثنين، أن مصر وفرنسا تتطلعان لتحقيق أمن واستقرار المتوسط، حتى تستفيد بلدانه من ثرواته ووقف الممارسات التركية التي امتدت استفزازاتها بتنقيبها بشكل غير شرعي عن الغاز في المياه الإقليمية لقبرص واليونان.
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن العلاقات المصرية الفرنسية شهدت تقاربا كبيرا منذ تولي الرئيس السيسي حكم البلاد، لافتا إلى هناك وجهات نظر متقاربة إزاء ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في شرق المتوسط ومواجهة الدور التركي بالمنطقة، مستشهدا بدور مصر في محاولة إطلاق عملية سلام متعددة الجوانب بين الأطراف الليبية.
ونوه إلى أن ملف مكافحة الإرهاب سيكون إحدى المحاور الرئيسية في لقاء السيسي وماكرون، لاسيما أن فرنسا تعرضت لعمليات إرهابية مؤخرا وما صدر بشأن محاولة ربط الممارسات الإرهابية بالجاليات العربية والإسلامية مما يزيد من خطاب الكراهية وتوتير العلاقات بين الرب والإسلام.
ولفت إلى أن مسألة ربط الممارسات الإرهابية بالجليات العربية والإسلامية كان محل نقاش مهم بين الرئيسين السيسي وماكرون خلال اتصال هاتفي في يوم 2 نوفمبر الماضي، إذ أعرب السيسي عن اعتقاده بأن ربط الإرهاب بالإسلام والإساءة للرموز الدينية أمر يؤجج خطاب العنف والكراهية.
ورجح مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مسألة ربط الإرهاب بالإسلام ستكون محل نقاش بين الرئيسين، وسيؤكد السيسي على سماحة الدين الإسلامية، مضيفا أن الوضع الإقليمي سيكون محل اهتمام الرئيس السيسي خاصة في سوريا وليبيا والخليج ولبنان، والقضية الفلسطينية.
واستطرد أن الرئيس السيسي سيحرص أيضا على تقديم مصر كفرصة استثمارية واعدة، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى أن فرنسا تعد من أهم مصادر التسليح للجيش المصري، فضلا عن التدريبات المشتركة البرية والبحرية والجوية، إلى جانب التعاون في مشروعات كبرى مثل مترو الأنفاق.
التعاون الاقتصادي
كشف تقرير مكتب التمثيل التجاري في فرنسا، عن زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر وفرنسا ليسجل 2.5 مليار يورو عام 2020، وهو ما يؤكد عمق العلاقات الثنائية الاقتصادية.
ولفت تقرير مكتب التمثيل التجاري في فرنسا، إلى أن حجم الاستثمارات الفرنسية المباشرة في مصر بلغ 6 مليارات يورو في قطاعات الاتصالات والمقاولات والبنية التحتية والمدن الذكية والطاقة والنقل.
وبحسب بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء حول العلاقات الثنائية المـصريـة/الفرنسية، فإن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين مصر وفرنسا بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية الوافدة ( المتحصلات) من فرنسا 448,8 مليون دولار.
وقد بلغ إجمالي الاستثمارات المغادرة ( المدفوعات) إلى فرنسا 1312,6 مليون دولار متضمنة سداد أقساط القروض ليكون ميزان الاستثمارات الأجنبية لصالح الجانب الفرنسي بنحو 863,8 مليون دولار خلال عام 2018/2019 .
وتعمل نحو 165 شركة فرنسية في مصر، توظف ما يزيد على 38 ألف شخص، ومن أبرزها "توتال" للبترول، و"لافارج هولسيم" في مجال الأسمنت، و"أورونج" للاتصالات، وبنك "كريدي أجريكول"، وشركة "أكسا" للتأمين، و"لوريال"، و"سانوفي"، و"كارفور"، و"أكور"، و"لاكتاليس"، و"دانون"، و"شنایدر الكتريك"، وفقا لما ذكره موقع "فرانس 24".
وتشارك شركات فرنسية في تنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية الكبرى في مصر، في مجال النقل وتوليد الطاقة وتوزيع الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ومن أبرز مشروعات التعاون الثنائي مترو الأنفاق، إذ كانت فرنسا قد ساهمت بنحو 2 مليار يورو من التمويلات الميسرة منذ عام 1980.
وكان السيسي وماكرون قد وقعا اتفاقيات ثنائية، في يناير 2019 الماضي، في تطوير مترو الأنفاق، وتمويل عدد من المشروعات مثل تحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، وإنشاء محطة خلايا فوتوفولتية بكوم أمبو بأسوان، وغيرها المشروعات.
انتقادات حقوقية
في المقابل، انتقد مدافعون عن حقوق الإنسان زيارة الرئيس المصري إلى فرنسا، مطالبين باريس بـ"الانتقال من الأقوال إلى الأفعال" وتنظم مظاهرة الثلاثاء أمام الجمعية الوطنية الفرنسية بدعوة من حوالى عشرين منظمة غير حكومية للتنديد بـ"الشراكة الاستراتيجية" بين مصر وفرنسا تحت شعار "مكافحة الإرهاب".
ونددت المنظمات، بحسب وكالة فرانس برس، بالسلطات المصرية لـ"استخدامها المسرف لتشريعات مكافحة الإرهاب للقضاء على العمل المشروع من أجل حقوق الإنسان وإلغاء أي معارضة سلمية".
وأشار موقع "فرانس 24" إلى أنه عشية زيارة الرئيس إلى فرنسا أعلنت محكمة استئناف القاهرة انتهاء التحقيقات في قضية قديمة، كانت تمثل فيها 20 منظمة غير حكومية للتحقيقات بتهمة تلقي أموال أجنبية بشكل غير قانوني.
وقرر القاضي رفع تجميد الأصول وحظر السفر فيما يتعلق بالقضية رقم 173 لسنة 2011، بشأن الـ 20 منظمة غير الحكومية، التي كانت تواجه اتهامات بتلقي تمويل أجنبي غير قانوني والتدخل في شؤون البلاد.