رحل الجسد.. وبقى الأثر" الكاتب نبيل فاروق؛ واحد من الكتاب الذين يستحقون هذه المقولة، ليس فقط بما تركه من أعمال أثرت المكتبة المصرية والعربية، لكن للتأثير الذي أحدثه بكتاباته ساهم في تشجيع جيل بأكمله ليقرأ ويحب القراءة، ويعشق الخيال.
وفارق "رجل المستحيل" عالمنا، ليودع الوسط الثقافي مؤلف روايات الجاسوسية والأدب البوليسي، وكاتبًا من أشهر كتاب الخيال العلمي، مساء اليوم الأربعاء 9 ديسمبر، إثر أزمة قلبية مفاجئة عن عمر ناهز 64 عامًا.
من مدينة طنطا، بمحافظة الغربية، دوت أولى صرخات نبيل فاروق، لتعلن مولد واحدٍ من أشهر الكُتاب في 9 فبراير 1956.
نشأ نبيل فاروق، في عائلة متوسطة الحال، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة والتحق بكلية الطب في طنطا وتخرج فيها بدرجة بكالوريوس في الطب والجراحة عام 1980.
في 2 مارس 1982م، انتقل نبيل فاروق إلى قنا في دورة تدريبة لمدة شهرين، وبعد نجاحه في الامتحان الإداري انتقل ليبدأ عمله كطبيب في بلدة أبو دياب.
حبه على الكتابة، طغى على شغفه بأن يصبح طبيبًا رغم تفوقه في دراسته ومهنة الطب، ليقرر اعتزالها اعتزالًا تامًا ليتفرغ كليًا للكتابة وأصبحت مهنته الرئيسية، وانتقل للعيش في منشية البكري بمحافظة القاهرة في أغسطس 1990.
التربية الرياضية وحبه للكتابة
كشف نبيل فاروق، إن السبب في حبه للكتابة يرجع إلى مُدرسة التربية الرياضية في مرحلة الابتدائية، قائلًا: "لم أكن أحب حصة التربية الرياضية، ولم أكن أرتدي الزي الرياضي، وكنت أهرب من المدرسة بأن أحضر لها في كل يوم به حصة للتربية الرياضية، قصصاً تقرأها حتى تتجاوز عن عدم ارتدائي للزي الرياضي، وذات يوم نسيت أن أحضر القصة، فقمت بحكاية قصة من تأليف خيالي لها فأعجبت بها، ثم تكرر الأمر بعد ذلك".
وتابع: "طالبتني المدرسة بأن أكتب هذه القصص، ثم فوجئت بها تسلمها لمدير المدرسة ليسلمها بدوره إلى مديرية التربية والتعليم، وفوجئت بالجميع يشيدون بما أكتبه وهو ما شجعني على أن أستمر في هوايتي".
وعن رحلته مع الكتابة، أكد أنه ظل يكتب لمدة 20 عاماً، يعامله فيها الكُتاب باستهتار، ولا يجدون قيمة فيما يكتبه، مضيفًا: ""اقتنعت إني كاتب عندما عملت عقد قصص بمقابل مادي، لأن في غيري اقتنع بما أكتب، وهذا ثمار ما أعمل، وفي ظل وجود أيقونات من الكتاب الكبار، لم أضع نفسي في منافسة معهم، لأنهم أساتذتي".
وأشار نبيل فاروق، إلى أن حصوله على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب بدّل الحال.
واستشهد بشخصية "رجل المستحيل"، حيث قوبلت بالرفض في بدايتها، حتى أثبتت نجاحها، وللحفاظ على المستوى الأسطورى الذي وصلت إليه، قرر التوقف عن كتباتها لفترة في ذروة نجاحها، كى يظل القارئ مشتاقًا لها.
أشهر أعماله
أخذ نبيل فاروق، القارئ في رحلة لعالمه الخاص، ليعيشون الأجواء البوليسية والمغامرات، ويطيحون بخيالهم مع أحداث وأبطال القصص، ومن أشهر أعماله: "رجل المستحيل"، سلسلة "ملف المستقبل"، سلسلة "الأعداد الخاصة"، سلسلة (ع × 2)، سلسلة "زهور"، سلسلة "كوكتيل 2000"، سلسلة "زووم"، سلسلة "فارس الأندلس"، سلسلة "روايات عالمية للجيب"، "أرزاق"، سلسلة "أوسكار"، وسلسة "سيف العدالة"، بالضافة إلى كتاب "ويأتي الغد"، ورواية "ظل الأرض.
نبيل فاروق والمخابرات
شهد عام 1984، تحول جذري في مسيرة نبيل فاروق الأدبية، عندما اشترك في إحدى مسابقات المؤسسة العربية الحديثة بمصر، وفاز بجائزتها عن قصته "أشعة الموت" لتنشر في العام التالي كأول عدد من سلسلة "ملف المستقبل".
وفي هذه الفترة، توطدت علاقة نبيل فاروق، مع بإدارة المخابرات المصرية، ممّا سمح له بمقابلة ضابط مخابرات مصري، استوحى واقتبس منه شخصية أدهم صبري في سلسلة رجل المستحيل التي عرفت نجاحًا كبيرا في العالم العربي. وامتدت صداقة نبيل فاروق، مع المخابرات لأكثر من 30 عامًا، وكان يرى أنها من أكثر الجهات المثقفة الواعية الهادئة، قائلًا في حوار سابق له مع "مصر العربية": "كنت أناقشهم وارتحت جدًا في العمل معهم، ولولا المخابرات لم أكن وصلت لما أنا به.
نبيل فاروق والعراب
كان يرتبط نبيل فاروق، بعلاقة صداقة قوية مع الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، الشهير بـ"العراب" كانا يهتمان بنفس الاهتمامات والقضايا.
وعن علاقتهما، كشف نبيل فاروق، سابقًا: "كنت في المصيف وتم رفض روايته لأن عدد صفحاتها قليل، فكتبت تأشيرة أنه كاتب موهوب ولابد من ضمه، ومنافسته لي دافع قوي لي، وهذا شئ يسعدنى لم أقلق من هذا".
وروى قائلًا: "في بداية حياته الأدبية كتب رواية "أسطورة مصاص الدماء" وقدمها إلى المؤسسة العربية الحديثة، ولكنها قوبلت بالرفض في البداية، ثم عرضتها المؤسسة على لجنة كنت أنا رئيسها في ذلك الوقت، وأصريت إني أوافق على نشر روايته، لأني رأيت في كتابته موهبة لمفكر وفيلسوف، وقولتلهم وقتها يا إما ينضم لينا، يا إما هيكون أكبر منافس لينا بره في أي دار نشر ثانية، ومن هنا بدأت صداقتي به. وأضاف فاروق، أن أول مرة التقيته، تحدثنا نحو ٦ ساعات، وكان لنا نفس الاهتمامات، رغم الاختلاف السياسي، وكان مرتبطًا بطنطا كثيرًا، عن التواجد بالقاهرة.
ووصف "فاروق" علاقة الصداقة التي ربطه بالعراب بأنها علاقة "مناكفة ومناقرة"، موضحًا : كنا نختلف في أمور عديدة منها الآراء السياسية، ولكن كانت مناقرة صحاب، عمرنا ما غضبنا من بعض، كنا على درجة من التحضر والوعي بأننا ممكن نختلف في الرأي ونظل أصدقاء كما كنا، كل واحد له رأي وتفكير، كنا بناكف في بعض كأننا اثنين شباب صغار. وعن رحيل العراب، قال "فاروق": موت أحمد مفاجأة ليا فقدت نصف حياتي، عند الناس كلها كنا مرتبطين ببعض، الناس كانوا بيذكروا اسمنا مع بعض، فحسيت بموته إن في مساحة كبيرة في حياتي اختفت فجأة بصورة قاسية على نفسي ربنا يصبرنا.
أمنية لم تتحقق
كان يتمنى القراء، أن تعود سلسلة "رجل المستحيل" للمكتبات، التي توقف إصدارها وهي في أوج نجاحها، وهو القرار الذي وصفه نبيل فاروق؛ بالقرار الأصعب، ليعدهم الكاتب: "لو ربنا إداني عمر هعمل عدد مخصوص في 2024".
أشهر مقولات "نبيل فاروق"
- "أحيانًا تكون الحقيقة هي ما يتمنى المرء ألا يعرفه أبدا".
- "التغيير يُحدث لنا توتراً، ويظل معنا هذا التوتر لفترة، حتى نعتاد عليه".
- " لكى يُبدع الكاتب في كتابته عليه أن يعبّر عما في نفسه".
- " الحياة سباق قفز للحواجز والعقبات، ولن تتوقف، ومن ييأس هو الخاسر ومن يتحمل ويتحمل هو الفائز في النهاية".