تساءل تقرير لوكالة بلومبرج، عن أسباب اهتمام العالم بتدوير النفايات.. وقال: إن عملية تدوير النفايات بدأت قبل أربعة عقود، كانت تلك العملية واحدة من أعظم نجاحات حركة الحفاظ على البيئية؛ وسرعان ما تحولت إلى تجارة عالمية ضخمة، حيث عادت شركات الشحن التي تنقل صادرات الصين للخارج إلى بلادها محملة بنصف نفايات الكوكب الورقية والبلاستيكية في حاوياتها بدلاً من عودتها فارغة.
وأوضح التقرير أن الصين عدلت عن رأيها، تاركة مدنًا وبلدات حول أنحاء العالم في مأزقٍ مع أكوام متزايدة من النفايات، وقد أرغمهم ذلك على إعادة النظر في تكلفة الحفاظ على البيئة.
وقد تعاملت الصين لفترة طويلة من الزمن مع النفايات على أساس المنفعة التجارية المتبادلة حيث كانت تستقبل نفايات بعض الدول مقابل رسوم لتقوم بتحويلها الى مواد خام قابلة للاستخدام مرة أخرى عن طريق اعادة تدويرها .
ولمّ لهذه الطريقة من مكاسب مالية و اقتصادية قامت بعض الدول بتجارة استيراد النفايات بمقابل مالي و معالجتها و بيعها كمواد خام أولية قابلة للاستخدام و التصنيع مرة أخرى.
ولدولة السويد وبعض الدول الأوروبية أيضًا تجربة مميزة بالاستفادة من المخلفات وتحويلها لكهرباء يستفيد منها السكان وفي فصل الشتاء تقوم بتحويل هذه المخلفات إلى مصدر للطاقة و التدفئة.. فهل يجد العالم بديلا بالفعل عن بكين في عملية تدوير النفايات؟.
ما هي عملية تدوير النفايات؟ تدوير النفايات أو ما يسمى أحياناً "الرَسكَلة" (Recycling)؛ عملية يتم فيها إعادة استخدام مواد مصنعة من قبل في تصنيع مواد جديدة تكون ذات جودة أقل من المنتج الأصلي.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك إعادة تدوير المواد البلاستيكية والورق، وهي من أكثر المواد المعاد تدويرها ومن السهل جداً ملاحظتها، فأكياس النايلون السوداء على سبيل المثال بعد إعادة تدويرها تصبح أقل متانة كما أننا قد نرى بعض المناطق ذات لون أفتح بقليل عند شدّ الكيس قليلاً.
أسواق تدوير النفايات
شهدت أسواق تدوير النفايات تراجعًا ملحوظًا في عام 2017 عقب إعلان الصين توقفها عن استيراد المنتجات البلاستيكية والورقية المستعملة، في إطار حملة مكافحة التلوث، كان أحد أسبابها تلوث الكثير من النفايات القابلة للتدوير بمواد خطرة مثل الرصاص والزئبق في بعض الأحيان.
أدى القرار إلى تراجع أسعار النفايات الورقية والبلاستيكية، مما تسبب في أزمة للبلديات التي كانت تعتمد على هذه المبيعات لدعم عمليات إعادة تدوير النفايات.
وفي الولايات المتحدة، انخفض متوسط سعر الكرتون المُضلع المستعمل بنسبة 36 بالمئة، ولم يكن من السهل العثور على مشترين آخرين للبلاستيك المستخدم، لأن انخفاض أسعار النفط جعل البلاستيك الخام أرخص من إعادة تدويره.
وفي حين أن دولًا أخرى مثل الهند وفيتنام تستورد المزيد من المواد القابلة لإعادة التدوير، إلا أنّ الكميات التي تستوردها لا تُقارن بتلك التي كانت تستهلكها الصين ذات يوم، ولا تمتلك سوى بعض الدول الصناعية القدرة الكافية لإعادة تدوير جميع المواد بنفسها.
لم يعد هناك لدى بعض المجتمعات مجالًا لتخزين الكميات المتزايدة من هذه المواد، وتوقفت عن جمع المنتجات البلاستيكية أو الورقية أو الزجاجية، في حين لجأت بعض المناطق في أستراليا وكندا إلى دفن قمامتها في مكبات للنفايات أو إحراقها.
وفي الوقت نفسه، وتحت ضغط المستهلكين، تعهدت العديد من الشركات المعروفة باستخدام المزيد من السلع المعاد تدويرها والقابلة للتحلل. ففي عام 2018، صرحت شركات مثل كوكاكولا (Coca-Cola) ويونيليفر (Unilever) وول مارت (Walmart) بأنها تهدف إلى استخدام العبوات القابلة لإعادة الاستخدام بنسبة 100 في المئة أو القابلة للتدوير أو التي يمكن تحويلها إلى سماد بحلول عام 2025.
وخلال الحربين العالميتين، أُعيد تدوير المعادن لاستخدامها في الأسلحة والمركبات؛ وتم جمع الورق للحفاظ على الأشجار لاستخدامها في البناء وصناعة السفن. وبعد ذلك، كانت النفايات تُرسل في معظم الدول إلى المحارق التي تنبعث منها الأدخنة أو إلى مكبات النفايات حيث تتعرض المياه الجوفية لمخاطر تسرب السموم.
وأمام ذلك، شهدت الولايات المتحدة، إقرار قانوني الهواء النظيف والمياه النظيفة في أوائل سبعينيات القرن العشرين، ما يعني أن المجتمعات يتوجب عليها البحث عن حلول أخرى؛ فبدأ الكثيرون بتقديم برامج تدوير النفايات كوسيلة للحد من تراكم القمامة.
وبدأت تجارة تدوير النفايات الصينية في التسعينيات حين شهدت صادراتها من المنسوجات والألعاب زيادة غير مسبوقة، وكانت الشركات المصنعة لهذه المنتجات متعطشة للمواد البلاستيكية والمعادن لتحويلها إلى منتجات جديدة، واستخدمت الورق لصنع صناديق من الورق المقوى لتعبئتها فيها.
وكثيرًا ما وجدت الجهات المسؤولة عن جمع القمامة في بقية دول العالم أن بيع نفاياتها في هذه السوق أكثر اقتصادًا من بيعها لمنشآت إعادة التدوير المحلية. بينما بدأت الدول الأوروبية في التخلص من بعض الأعباء خلال منتصف التسعينيات عبر سن قواعد تُلزم الشركات المصنعة لعدد من السلع، بدايةً من الصناديق الكرتونية ووصولًا إلى الفرش، التكفل بإعادة تدوير نفاياتها بنفسها.
الجدل الدائر حول التعامل مع النفايات وعدد مرات التدوير
باتت تكلفة تدوير النفايات أعلى من التخلص منها، ففي عام 2016، زادت تكلفة جمع ومعالجة الطن الواحد من المواد القابلة لإعادة التدوير بمقدار 18 دولارًا في نيويورك مقارنة بالتخلص من النفايات بالطرق العادية.
ويؤدي تدوير النفايات بالطرق غير الصحيحة إلى رفع التكلفة؛ فوجود علبة بيتزا واحدة فقط مثلًا في كومة نفايات ورق مقوى يعاد تدويرها يمكن أن يفسد حمولة كاملة، حيث لا يمكن فصل الزيوت الموجودة فيها عن الألياف الورقية.
وقد يكون تدوير النفايات البلاستيكية والإلكترونية مسألة بالغة الخطورة، إذ يعرض العمال لمخاطر صحية كبيرة. كما أن هناك حدودًا طبيعية، فلا يمكن إعادة تدوير الورق إلا بين 5 إلى 7 مرات قبل أن تصبح ألياف السليلوز قصيرة جدًا بحيث لا يمكن إعادة استخدامها؛ ولا يمكن تحويل معظم الزجاجات البلاستيكية الشفافة إلى زجاجات جديدة.
التدوير وتوفير الطاقة
ومع ذلك، يوفّر تدوير النفايات الكثير من الطاقة، فصنع علب الصودا من الألومنيوم المعاد تدويره يحتاج طاقة أقل بنسبة 95 بالمئة مقارنة باستخدام الألومنيوم الخام، كما تسهم عملية التدوير في منع تسرب المواد السامة إلى التربة في مكبات النفايات.
أدّت الاضطرابات التي أعقبت قرار الصين إلى ظهور دعوات بحظر استخدام البلاستيك أو فرض رسوم على استخدامه؛ وشرعت بعض البلديات في تحميل تكاليف تدوير النفايات المرتفعة لأصحاب المنازل والشركات.
وأعلنت العديد من المناطق عن خطط لبناء مصانع جديدة لتدوير النفايات بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، المدعومة بالتمويل المقدم من الشركات التي تعهدت بتدوير النفايات، وبمساندة هذه الجهود من خلال تقديم قروض منخفضة التكلفة.
ولا يزال دعاة حماية البيئة يشجعون على تدوير النفايات، لكنهم يقدمون أيضًا حلولًا أخرى: اشترِ أشياء أقل في المقام الأول وابحث عن منتجات تدوم طويلًا.