تثار حالة من الجدل فى مثل هذا التوقيت من كل عام، حول مسألة تهنئة الإخوة الأقباط بأعيادهم، فبينما يرى البعض أنه لا مانع شرعى من التهنئة على اعتبار أنها نوع من البر بين أبناء الوطن الواحد، يخرج تيار آخر ليزعم أن البر والاقساط لا يكون إلا بين أهل الإيمان أي المسلمون فقط.
يحتفل الأخوة الأقباط، فى هذا التوقيت من العام بعيد الميلاد المجيد، الذي يعد ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، حيث يحتفل أتباع الكنيسة الغربية بهذه المناسبة يوم 25 ديسمبر، أما المسيحيون الشرقيون فيحتفلون بذكرى ميلاد السيد المسيح فى يوم 7 يناير من كل عام.
مجلة "صوت الأزهر"، الناطقة باسم المشيخة تطرقت فى عددها الأخير للحديث عن هذه قضية تهنئة الأقباط، ونشرت تصريحات للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حذر فيها مما اسماه خطابات تضليل الناس، ومحاولة الإيقاع بين المسلمين وغيرهم.
وأوضح الإمام الأكبر، أن هذه الخطابات التي لا يعرفها الإسلام تريد أن تختطف عقول الناس، وتضللهم، وتأمرهم كيف يسيرون في الطرقات؟ ومتى يستيقظون من نومهم؟ ومتي ينزلون من بيوتهم؟ وكيف يذهبون إلى أعمالهم؟
وأضاف الطيب أن "تلك الأصوات تحرم عليهم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وغير ذلك مما أسميه كهنوت لا يمت للإسلام بصلة، وللأسف هذا خطاب موجود بيننا الآن، ويريد أصحابه أن يوجهوا أمة هي في حاجة إلى النهوض، وإلى النهضة مما تردت فيه، وكلنا أمل في أن المصريين سيتخلصون من رواسب هذا الفكر الغريب قريبًا، خاصة وأن الجميع تنبه منذ سنوات لتلك الأصابع السوداء العُليا والجبارة والقوية التي تريد أن تعصف بوحدتهم".
وأشار إلى أنه من الغريب أن نجد الآن من يسأل عن موقف القرآن والسنة النبوية من مسألة التعامل مع إخوتنا المسيحيين؛ لأن هذه مسألة محسومة، وكل إدعاء يُحرم أصحابه تهنئة المسيحيين في أعيادهم، وينهى عن أكل طعاهم، ومصافحتهم، ومواساتهم، وغير ذلك، هي أقوال متطرفة لا يعرفها الإسلام؛ بل إنني أتعجب كثيرًا حين ترد إلى مسامعي أقوال يدعي أصحابها أن المسلم إذا قتل مسيحيًا أو يهوديًا لا يُقتل، ولهؤلاء أقول إنه جاء في مذهب الإمام أبو حنيفة، وكذلك النخعي أن «المسلم يُقتل بالذمي، وتُقطع يد المسلم إذا سرق الذمي»، وهذه مذاهبنا، وتلك أحكام الفقه الذي درسناه، ونُدرسه لطلابنا في الأزهر.
وعن تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، والنهي عن أكل طعامهم، ومواساتهم في الشدائد، ومشاركتهم في أوقات الفرحة، أكد شيخ الأزهر "أن هذا فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة، وأن من يحرمون تهنئة المسيحيين بأعيادهم، غير مطلعين على فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر بشكل عام، ومع المسيحيين بشكل خاص، والتي بينها لنا الخالق عز وجل في قوله: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ۚ ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، وبينها لنا أيضا سبحانه وتعالى في قوله: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، وإذا قرأنا كلام المفسرين والمحدثين في هذا الجانب، سنجد أنهم وصفوا المسيحيين بأنهم أهل رأفة ورحمة وشهامة، وأنهم لا يحملون ضغينة، وأن هذه الصفات مستمرة فيهم إلى يوم القيامة، وهذا الكلام موجود في أمهات الكتب التي يدرسها الأزهر لطلابه".
فى السياق ذاته، شددت دار الإفتاء المصرية فى "موشن جرافيك" لها، على أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم أمر حث عليه الإسلام، ويتفق مع مكارم الأخلاق التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، موضحة أن الإسلام قد أقر مبدأ العيش السلمي مع الناس جميعًا دون نظر لعقائدهم، بل دعا إلى ودهم وصلتهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم والإحسان إليهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل.
وأشار الفيديو الجديد إلى أن ميلاد الأنبياء خير وسلام للبشرية كلها، وأن الإسلام دين سلام ورحمة وبر وصلة، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
ووجهت الدار رسالة إلى المسلمين جميعًا في نهاية الفيديو قالت فيها: «اتبع منهج الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تترك نفسك للمتشددين والمتعصبين الذين يأخذون من الدين ما يوافق هواهم، أما من يخالف طريقهم الضيِّق فليس عند المتطرفين له أسهل من التكفير».
وفى العام الماضى أصدرت دار الإفتاء المصرية، تقريرا أشار فيه، إلى أن 90% من فتاوى الإخوان والسلفية الجهادية تدعو إلى "العزلة المجتمعية" لأصحاب الديانات الأخرى، وخاصة المسيحيين، وتحريم التهنئة بأعيادهم والمعاملة في البيع والشراء، و99% من أحكام فتاوى السلفيين الصادرة حول تهنئة المسيحيين ببعيد الميلاد "حرام ومنكر عظيم"، و 97% من الفتاوى الصادرة من مؤسسات وهيئات رسمية في العالم تجيز التهنئة والاحتفال بعيد الميلاد.
وذكر تقرير دار الافتاء أيضًا، أن 98% من فتاوى تنظيم داعش التي تحرم التعامل مع المسيحيين وتدعو لهدم الكنائس واردة في كتاب "الأثر المحمود لقهر ذوي العهود"، و 95% من فتاوى الإخوان والسلفيين والتنظيمات الإرهابية تحرم التهنئة بعيد الميلاد استنادًا لفتاوى سابقة لــ"ابن تيمية" و"ابن القيم"،و 85% من فتاوى الدول الغربية مكرّرة وتحرِّم الاحتفال بعيد الميلاد بسبب اعتمادها على فتاوى المركز الأوروبي للإفتاء والبحوث التابع لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
وأشارت الدار أشارت إلى أن، 60% من الفتاوى المحرمة للاحتفال بعيد الميلاد هذا العام تُبرّر ذلك بالأفعال المحرمة التي تقع في عيد الميلاد وليس لها صلة بذات المسيحيين، و 12% من فتاوى "تنظيم القاعدة" و"حزب التحرير" قديمة وتحرّم التهنئة ببعيد الميلاد بزعم "ارتباطه بالعقيدة النصرانية الباطلة".
ولترسيخ الصورة الدينية الصحيحة حول هذا الأمر، يذهب قيادات المؤسسات الدينية الأزهر والأوقاف والإفتاء، إلى زيارة البابا تواضروس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتقديم التهنئة، وعلى رأس هؤلاء الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يصاحبه وفد رفيع المستوى يضم الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، ووكيل الأزهر، وأمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، ورئيس قطاع المعاهد الأزهرية، بالإضافة إلى وفد الأوقاف الذى يرأسه وزير الأوقال الدكتور محمد مختار جمعة، وعدد من قيادات الوزارة.
لا يقتصر دور الموسسات الدينية عند هذا الحد بل تقوم بدور توعوي أيضا، عبر المنصات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعى التابعة للمؤسسات الإسلامية فى مصر.
فيما يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على الذهاب بنفسه إلى قداس عيد الميلاد لتقديم التهنئة داخل كاتدرائية المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة.