مع بداية كل عام جديد تُثار حالة الجدال حول حكم التهئنة بالسنة الميلادية الجديدة، وسط فتاوى من بعض المشايخ بالتحريم، وأخرى تُجيز التهئنة للأقباط بأعيادهم، ولكن ما رأي دار الإفتاء المصرية في هذا الأمر؟.
يحتفل الأخوة الأقباط، فى هذا التوقيت من العام بعيد الميلاد المجيد، الذي يعد ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، حيث يحتفل أتباع الكنيسة الغربية بهذه المناسبة يوم 25 ديسمبر، أما المسيحيون الشرقيون فيحتفلون بذكرى ميلاد السيد المسيح فى يوم 7 يناير من كل عام.
المفتي:مأمورن بتهئنة الأقباط
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، إن المسلمين مأمورون شرعا بتهنئة الأخوة الأقباط بأعيادهم، ومنها الاحتفال بمولد سيدنا عيسى عليه السلام، مستشهدا بأن القرآن الكريم احتفى بسيدنا عيسى وبمولده.
وأضاف علام، خلال حواره في برنامج نظرة الذي يقدمه حمدي رزق على شاشة صدى البلد، أن المسلمين يحتفلون بسيدنا عيسى ومولده ونهنيء من أجله، مستطردا :"القرآن يأمرنا الاحتفاء بسيدنا عيسى وتهنئة الأقباط في مولده، لذلك نحن كمسلمين نحتفل بسيدنا عيسى وبمولده ونهنيء من أجله".
وتابع :"القرآن الكريم أعطى لنا الدرس أنه احتفى بسيدنا عليه السلام، لذلك نحتفل به ونهنيء به كما ورد في القرآن الكريم، كأنه يأمرنا أن نحتفل بهذا، وهناك أمر آخر أنه قال بالنسبة لأتباع سيدنا عليه السلام في كتابه الكريم "لا ينهاكم الله عن الذين لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ". واستطرد :"فكأن القرآن الكريم يأمرنا في هذه الحالة أن نبر بكل أنواع البر لمن يعيش معانا من أتباع سيدنا عيسى، وهنا عموم لكل ما يسمى بر، ولا يمكن أن نخرج التهنئة من دائرة البر، فالتهنئة جزء من البر والفرح معهم بمولد سيدنا عليه السلام، نحن مأمورن بالتهنئة شرعا".
وأردف المفتي :"مصر لها خصوصية خاصة في التعايش فيما بين أبناء الوطن الواحد، ومن ناحية الفتوى نحن مأمورن شرعا بهذه التهنئة التي نص عليها القرآن الكريم"، لافتا إلى أن هناك من يحرم التهنئة، ولكن في دار الإفتاء وفي الأزهر الشريف الأمور مستقرة من واقع التاريخ ومن قبل ومن بعد استنادا إلى الأمور الشرعية أن التهنئة مشروعة بالنسبة للمسيحين والاحتفال معهم بمولد سيدنا عيسى.
وقدم مفتي الجمهورية التهنئة الخالصة للمسيحيين في الوطن والعالم أجمع بمناسبة ميلاد عيسى عليه السلام، قائلًا:"للإنسانية كلها، كل عام وأنتم بخير"، مؤكدا أن قضية الرسل تحتاج إلى مذاكرة ودراية وتبصر في واقع الأمر.
رأي الأزهر
مجلة "صوت الأزهر"، الناطقة باسم المشيخة تطرقت فى عددها الأخير للحديث عن هذه قضية تهنئة الأقباط، ونشرت تصريحات للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حذر فيها مما اسماه خطابات تضليل الناس، ومحاولة الإيقاع بين المسلمين وغيرهم.
وأوضح الإمام الأكبر، أن هذه الخطابات التي لا يعرفها الإسلام تريد أن تختطف عقول الناس، وتضللهم، وتأمرهم كيف يسيرون في الطرقات؟ ومتى يستيقظون من نومهم؟ ومتي ينزلون من بيوتهم؟ وكيف يذهبون إلى أعمالهم؟
وأضاف الطيب أن "تلك الأصوات تحرم عليهم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وغير ذلك مما أسميه كهنوت لا يمت للإسلام بصلة، وللأسف هذا خطاب موجود بيننا الآن، ويريد أصحابه أن يوجهوا أمة هي في حاجة إلى النهوض، وإلى النهضة مما تردت فيه، وكلنا أمل في أن المصريين سيتخلصون من رواسب هذا الفكر الغريب قريبًا، خاصة وأن الجميع تنبه منذ سنوات لتلك الأصابع السوداء العُليا والجبارة والقوية التي تريد أن تعصف بوحدتهم".
وأشار إلى أنه من الغريب أن نجد الآن من يسأل عن موقف القرآن والسنة النبوية من مسألة التعامل مع إخوتنا المسيحيين؛ لأن هذه مسألة محسومة، وكل إدعاء يُحرم أصحابه تهنئة المسيحيين في أعيادهم، وينهى عن أكل طعاهم، ومصافحتهم، ومواساتهم، وغير ذلك، هي أقوال متطرفة لا يعرفها الإسلام؛ بل إنني أتعجب كثيرًا حين ترد إلى مسامعي أقوال يدعي أصحابها أن المسلم إذا قتل مسيحيًا أو يهوديًا لا يُقتل، ولهؤلاء أقول إنه جاء في مذهب الإمام أبو حنيفة، وكذلك النخعي أن «المسلم يُقتل بالذمي، وتُقطع يد المسلم إذا سرق الذمي»، وهذه مذاهبنا، وتلك أحكام الفقه الذي درسناه، ونُدرسه لطلابنا في الأزهر.
وعن تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، والنهي عن أكل طعامهم، ومواساتهم في الشدائد، ومشاركتهم في أوقات الفرحة، أكد شيخ الأزهر "أن هذا فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة، وأن من يحرمون تهنئة المسيحيين بأعيادهم، غير مطلعين على فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر بشكل عام، ومع المسيحيين بشكل خاص، والتي بينها لنا الخالق عز وجل في قوله: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ۚ ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، وبينها لنا أيضا سبحانه وتعالى في قوله: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، وإذا قرأنا كلام المفسرين والمحدثين في هذا الجانب، سنجد أنهم وصفوا المسيحيين بأنهم أهل رأفة ورحمة وشهامة، وأنهم لا يحملون ضغينة، وأن هذه الصفات مستمرة فيهم إلى يوم القيامة، وهذا الكلام موجود في أمهات الكتب التي يدرسها الأزهر لطلابه".
رأي مخالف
وفي المقابل رأى الداعية الشاب عبد الله رشدي، الذي ظهر في مقطع فيديو الاثنين الماضي، للحديث عن هذه القضية، أن الكريسماس ليس مميزا عن باقي الأيام، وأنه لا يعترف إلا بالسنة الهجرية، مضيفا: "لا أحتفل ولا أرى أمرا يستحق الاحتفال غير عيدي الفطر والأضحى".
بجانب عبد الله رشدي يتبنى التيار السلفى فى مصر نفس وجهة الداعية الأزهري، ويقول الشيخ أبو اسحاق الحويني في فتوى له: "رأس السنة بدعة قبيحة غزت بلاد المسلمين، مضيفًا " كل سنة من حياتي تعدي احتفل أننى قربت من الموت، لا يحل لمسلم الاحتفال بعيد الميلاد".
يوافقه الرأي في هذه المسألة الداعية السلفى ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، الذى تحدث فى أكثر من مناسبة عن أعياد الميلاد والاحتفال بها، قائلا:" هذه الأعياد لا يجوز شهودها ولا المعاونة على إقامتها، موضحا أنه لا عبرة بفتاوى تفتقر إلى الأدلة، وتزعم أن التهنئة هي من البر والإحسان الذي أمر الله به، وذكر أن اليهود كانوا مع المسلمين بالمدينة سنين؛ فهل هنأهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو في حديث واحد؟!.