في الوقت الذي تسابقت عدة دول عربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، متجاهلة القضية الفلسطينية، بدأت مصر، بالتنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية، جهودا مكثفة من أجل إنعاش القضية الفلسطينية، واستعادة مكانتها المركزية، سواء عبر تسريع مسار المصالحة الفلسطينية، أو من خلال إعادة إحياء مسار التفاوض المعطل منذ سنوات، عبر بوابة الرباعية الدولية.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية سلسة من قرارات التطبيع ضمت كلاً من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وسط محاولات من قبل الكيان الصهيوني للعمل على إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع بلد إسلامي خامس، قبل أن تنتهي ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكان من اللافت في تلك القرارات تجاهلها بشكل كامل للقضية الفلسطينية وتركيزها على قضايا ثنائية خاصة بكل دولة، ربما باستثناء ما أعلنته الإمارات من أن قرارها بالتطبيع كان مقابل وقف إسرائيل لخطة ضم الضفة الغربية، وهو ما نفته دولة الاحتلال، مؤكدة تمسكها بخطة الضم، وإن ما حدث هو تأجيل وليس إلغاء لخطة الضم.
اجتماع الرباعية
في المقابل، أجرى وزير الخارجية السفير سامح شكري، اليوم الأربعاء، اتصالًا مع وزير خارجية إسرائيل جابي أشكنازي، وذلك في إطار التحضير لاجتماع الرباعية التي تشمل مصر والأردن، وفرنسا، وألمانيا خلال الأيام القادمة.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، فإن هذه الدول التي ستشارك في اجتماع الرباعية، هي مجموعة الدول التي تسعى لدفع جهود السلام في المنطقة، خلال المرحلة القادمة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والرباعية الدولية وكافة الأطراف المعنية.
وفي هذا الصدد يُجرى تنسيق على مستوى وزراء الخارجية مع الجانب الفلسطيني والأردن في إطار الإعداد اللازم لاجتماع الرباعية، حيث أجرى الوزير سامح شكري اتصالًا مع رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني، في سياق المواقف المصرية الساعية للتوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.
وكان الرئيس السيسي قد أجرى اتصالات هاتفيا مع ملك الأردن الملك عبد الله الثاني، في يوم 27 ديسمبر المنصرم، للتباحث حول القضية الفلسطينية والعلاقات الثنائية بين البلدين وآخر المستجدات في المنطقة.
وتوافقت الرؤى خلال الاتصال، بحسب بيان للرئاسة المصرية، نحو أهمية تكثيف العمل على المستويين الإقليمي والدولي لحلحلة الموقف الراهن بخصوص عملية السلام في الشرق الأوسط ودفع الجهود لاستئناف مسار المفاوضات، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق.
السيسي: موقفنا ثابت
وفي إطار المساعي المصرية لإعادة القضية الفلسطينية على الساحة مرة أخرى، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة التوصل لحل للقضية الفلسطينية باعتبارها جوهر قضايا الشرق الأوسط، وذلك خلال لقائه بوزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين أمس الثلاثاء.
وقال السيسي إن مصر كانت سباقة في انتهاج مسار السلام في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود، وهو المسار الذي استشرفت من خلاله السبيل الأمثل لتسوية القضايا سياسيا وتحقيق الاستقرار، ومن ثم الالفتات إلى البناء والتنمية من أجل صالح الشعوب والأجيال القادمة.
وشدد الرئيس السيسي على أن تسوية القضية الفلسطيتية سيغير واقع المنطقة بأسرها إلى الأفضل، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة للتعاون على المستوى الإقليمي وتقويض الإرهاب والفكر المتطرف.
واستعرض السيسي مع وزير الخزانة الأمريكي مستجدات القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام، مؤكدا على موقف مصر الثابت بالتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وفق المرجعيات الدولية.
وأعرب السيسي عن تطلع مصر لاستمرار التعاون مع الولايات المتحدة في إطار تسوية القضية الفلسطينية، منوها إلى أن ذلك التقدير نابع من خبرة طويلة وواقع عاشته مصر التي كانت سباقة في انتهاج مسار السلام في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود.
دول التطبيع
وخلال الأشهر القليلة الماضية أقدمت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما قوبل بموجة غضب شعبي في العديد من الدول العربية.
والخميس 10 ديسمبر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المنتهية ولايته، التوصل إلى "اتفاق تاريخي" لاستئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، في إطار خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط، مع اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء الغربية التي تتنازع الرباط وجبهة البوليساريو السيادة عليها.
وتبع ذلك، إعلان العاهل المغربي استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في أقرب الآجال، وفق بيان صدر عن الديوان الملكي.
ويأتي موقف المغرب بعد قرابة 3 أشهر من توقيع الإمارات والبحرين اتفاقي تطبيع مع إسرائيل، في 15 سبتمبرالماضي، في حين أعلن السودان، في 23 أكتوبر، الموافقة على تطبيع العلاقات تاركا مسؤولية إبرام اتفاق بهذا الخصوص إلى المجلس التشريعي المقبل (لم ينتخب بعد).
وبهذا القرار يصبح المغرب الدولة المغاربية الوحيدة التي تقيم حاليا علاقات مع إسرائيل إثر قطع موريتانيا علاقاتها مع تل أبيب في 2010.
وتنضم هذه البلدان الأربعة بذلك إلى بلدين عربيين أبرما اتفاقي سلام مع إسرائيل وهما الأردن ومصر، ويخشى الفلسطينيون، الذين انهارت محادثاتهم مع إسرائيل في عام 2014، أن تؤدي عملية التطبيع لتهميش قضيتهم.
الدور المصري
وعن الدور المصري في القضية الفلسطينية، قال الكاتب والخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، إن مصر تلعب دورا تاريخيا إزاء القضية الفلسطينية، وهو دور تسنده اعتبارات جيوستراتيجية يصعب جدًّا توافرها لدول أخرى تمتلك الرغبة والقدرة للعب دور مماثل.
وأشار عبد العزيز، في مقال له بجريدة "المصري اليوم" في 13 ديسمبر 2020، إلى أن الدور المصري في القضية الفلسطينية قد تراجع خلال العقود الأربعة الأخيرة، وبات قابلا للتشكيك في أعقاب اتفاقية السلام، وحاولت قوى إقليمية منافسة أن تحد من فاعلية الدور المصري في هذا الملف، إلا أن مصر استطاعت استعادة تمركزها الإقليمي.
ورأى عبد العزيز إن مصر يمكنها أن تجتهد في نقل القضية الفلسطينية إلى المسار الأممي مجددا، وذلك بدعم مبادرة الرئيس محمود عباس لعقد مؤتمر دولي للسلام، وبذلك تُعاد القضية إلى مقررات الشرعية الدولية، لافتا إلى أنه ضمن ما يتوجب على مصر بوصفها التاريخى والأخلاقى أن تفعله، أن المفاوضات التى تجرى باطراد وبلا توقف لتوحيد المسار الفلسطينى الداخلى يجب أن تثمر وأن تكون أكثر فاعلية، ذلك عبر الضغط الحقيقى والفعال.
ملف المصالحة
كذلك تتحرك مصر بقوة على مسار تفعيل المصالحة الوطنية الفلسطينية، حيث من المقرر أن تشهد حالة التقارب الإيجابية في ملف المصالحة وإنهاء الانقسام بين فتح وحماس خطوات عملية، لترجمة الرسائل المتبادلة بين الرئيس محمود عباس وحركة حماس.
وأشارت صحيفة "القدس العربي" اللندنية، أمس الثلاثاء، إلى أن هناك تحضيرات تجرى في هذه الأوقات، بهدف عقد لقاء مشترك على مستوى قيادي عال بين حركتي فتح وحماس، من أجل التباحث فيما جرى إنجازه خلال اليومين الماضيين، بعد إعلان حركة حماس قبولها بإجراء الانتخابات العامة بالتتالي.
وتوقعت مصادر قيادية في حركة فتح أن يعقد اللقاء في العاصمة المصرية القاهرة، بوفد من الحركة يرأسه اللواء جبريل الرجوب أمين سر الحركة، ووفد من حماس برئاسة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي.
وعلى جدول الأعمال، سيتم وضع مناقشة عقد اجتماع جديد للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، من أجل جعل التفاهمات التي جرت مؤخرا توافقا وطنيا من الجميع، يتم تضمينه في الرؤية الوطنية الخاصة بإنهاء الانقسام، خاصة أن هذا الاجتماع جرى تأجيله لأكثر من شهرين، بعد التوافق عليه في اجتماع قيادتي فتح وحماس في إسطنبول يوم 24 سبتمبر الماضي.
وضمن تطورات المصالحة، يترقب حاليا أن يعقد الرئيس محمود عباس اجتماعا مع رئيس لجنة الانتخابات العامة الدكتور حنا ناصر وطاقمه الخاص، للتباحث في التطورات الحاصلة، وفي ضوء الرسالة التي تلقاها مؤخرا من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، تفيد بقبول إجراء الانتخابات بالتوالي، وذلك وفق البيان الرئاسي الذي صدر من قبل.