سد النهضة.. السودان يُصعد ويمسك بزمام المبادرة 

سد النهضة

واصل السودان مواقفها الحازمة تجاه المراوغة الإثيوبية من التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، حيث شددت الخرطوم على أنها لن تسمح بذلك دون اتفاق ملزم مع أديس أبابا، فيما ألقت مصر بالمسؤولية في فشل المفاوضات على التعنت الإثيوبي.

 

وأكد وزير الموارد والري السوداني ياسر عبّاس خلال اللقاءات التي نظمتها الوزارة للسفراء الأجانب المعتمدين بالخرطوم، لشرح موقف السودان من السدّ، أن "هناك تهديدا مباشرا لسد النهضة الإثيوبي على خزان الروصيرص الذي تبلغ سعته التخزينية أقل من 10 في المئة من سعة سد النهضة".

 

وأكد عباس "أن الحرب ليست خيارا، وأن الجانب السوداني بدأ منذ وقت مبكر تحركا دبلوماسيا لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته تجاه التهديد الإثيوبي لحياة نصف سكان السودان على النيل الأزرق"، مشددا على أن بلاده تتمسك بالحل الأفريقي لأزمة سد النهضة الإثيوبي، مطالبا المجتمع الدولي بإقناع أديس أبابا بالتراجع عن موقفها.

 

وتصر أديس أبابا على ملء السد لتوليد الكهرباء، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع القاهرة والخرطوم، وهو ما ترفضه الأخيرتان خشية التداعيات. ويقع السد على بعد 15 كيلومترا من الحدود مع السودان على النيل الأزرق، أحد أفرع نهر النيل الذي يمد المصريين البالغ عددهم نحو مئة مليون نسمة بتسعين في المئة من احتياجاتهم من المياه العذبة.

تهديد مائي

وتحذر مصر من أنّ السد يهدّد تدفق مياه النيل التي ينبع معظمها من النيل الأزرق، ما يحمل تداعيات مدمرة بالنسبة لاقتصادها ومواردها المائية والغذائية، وتتخوّف من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.

 

وشدد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أكتوبر الماضي على أنه "لا توجد قوة" يمكنها أن تمنع بلاده من تحقيق أهدافها التي خططت لها بشأن سد النهضة، عقب تحذير للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من إمكانية قصف مصر للسد الإثيوبي.

 

وكانت الحكومة السودانية قد حذرت الاثنين الماضي من الملء الثاني لـ"سد النهضة" الإثيوبي قبل التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث المتنازعة حوله (مصر وإثيوبيا والسودان).

 

وجاء في بيان مجلس الوزراء السوداني أن "السودان لا يقبل بفرض سياسة الأمر الواقع وتهديد سلامة 20 مليون مواطن سوداني تعتمد حياتهم على النيل الأزرق"، مشدّدا على "موقف السودان المبدئي المتمثل في ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يحفظ ويراعي مصالح الأطراف الثلاثة".

 

كما وضعت وزارة الخارجية السودانية شروطا جديدة للعودة إلى مفاوضات "سد النهضة"، معربة عن أملها في أن "تكون الدورة الجديدة للاتحاد الأفريقي في فبراير المقبل، برئاسة الكونغو الديمقراطية ، جولة أخرى لتحقيق ما يصبو إليه السودان وإلا ستكون له خيارات في ما يلي هذا الملف".

تعنت إثيوبيا

من جانبه أكد الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري والموارد المائي، اليوم الأحد، أن تعنت إثيوبيا في ملف مفاوضات سد النهضة هو السبب في عدم التوصل لاتفاق عادل حتى الآن بخصوص قضية سد النهضة. وشرح الوزير أمام أعضاء مجلس النواب، تطورات المفاوضات خلال المرحلة السابقة.

 

وأضاف عبد العاطي: "قام الجانب الأمريكي بالمساعدة في مسودة اتفاق ووقعت مصر عليه بالأحرف الأولى، ولكن أعلنت إثيوبيا رفضها لتلك المسودة، كما استجابت مصر لمبادرة رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله حمدوك وبعدها تمت العديد من الاجتماعات الثلاثية وتراجعت إثيوبيا عن معظم البنود الفنية في مسار واشنطن خلال تلك الاجتماعات وخاصة الأمور الفنية.

 

وتابع: "عقدت 4 اجتماعات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي و5 اجتماعات سداسية بحضور وزراء الري والخارجية، وللأسف الشديد هناك تعنت من إثيوبيا في هذا الملف".

 

وساطات جديدة

يأتي ذلك فيما برزت مؤشرات لدخول أطراف جديدة على خط المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يحقق مصلحة جميع الأطراف، ويُنهي واحدة من أصعب الأزمات التي تواجه دول حوض النيل، والمستمرة منذ أكثر من 10 سنوات.

 

وبخلاف جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي ستتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي خلفاً لجمهورية جنوب أفريقيا، فإن أطرافاً أخرى أيضاً أبدت اهتماماً بالدخول على خط الأزمة عبر السودان الذي احتضن لقاءات ذات صلة، من بينها ما أعلنه السفير البريطاني لدى الخرطوم عرفان صديق عن تعهد بلاده بدعم ملف سد النهضة للوصول إلى اتفاق مرضٍ لجميع الأطراف.

 

ومن السودان أيضاً، دخلت أيضاً الولايات المتحدة وإيطاليا على خط الأزمة، بالتأكيد على حق الخرطوم في "تبادل المعلومات بصورة منتظمة لتأمين سدوده ومنشآته المائية وسلامة مواطنيه عند تشغيل السد الإثيوبي"، وذلك خلال لقاء وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، الأسبوع الماضي، مع سفيري الولايات المتحدة وإيطاليا، لبحث آخر تطورات المفاوضات.

 

فيما تتباين التوقعات والتحليلات حول مدى نجاعة الأدوار الدولية والإقليمية في حلحلة ملف الأزمة، ويعتقد محللون بأن عامل الوقت قد لا يكون في صالح دولتي المصب، ومن ثمّ التوجه إلى مجلس الأمن من جديد قد يكون الحل الأمثل.

 

وأكد خبير المياه ضياء الدين القوصي، أن الولايات المتحدة بشكل خاص لديها تصور واضح للملف بأكمله، بناءً على دراسات وقراءة دقيقة للأزمة، بعد أن رعت واشنطن المفاوضات بين الدول الثلاث، بمشاركة وزارة الخزانة والبنك الدولي، وخرجت باتفاق، لم توقع عليه إثيوبيا في فبراير الماضي.

 

وأضاف القوصي، لموقع سكاي نيوز عربية الإماراتي، أن "الجانب الأمريكي لديه تصور لاتفاق وفكرة جيدة عن الملف، والأمر لا يرتبط ببايدن أو بغيره، لا سيما في ظل هذا التصور المدروس بعد أشهر من رعاية المفاوضات".

 

وأردف: كما أن بريطانيا وألمانيا لديهم تصور كامل عن الملف من البداية وبالتالي فإن تلك الوساطات أو اهتمام تلك الدول بالدخول ضمن محاولات حل الأزمة، قد تكون لها نتائج إيجابية، بغض النظر عن الطرف الذي قد ينحازوا إليه في تلك العملية بشكل أو بآخر.

ماراثون تفاوضي

ولم  تتمكن الدول الثلاث من الوصول إلى توافق بجدول محدد حول التصرفات المائية المنطلقة من سد النهضة في الظروف الهيدرولوجية المختلفة للنيل الأزرق، ولا توجد إجراءات واضحة من الجانب الإثيوبي للحفاظ على قدرة السد العالي على مواجهة الآثار المختلفة التي قد تنتج عن ملء وتشغيل سد النهضة، خصوصا إذا واكب ذلك فترة جفاف أو جفاف ممتد لعدة سنوات متتابعة.

 

وتسعى مصر والسودان للتوصل لاتفاق ملزم قانونا، يضمن تدفقات مناسبة من المياه وآلية قانونية لحل النزاعات قبل بدء تشغيل السد، غير أن إثيوبيا، احتفلت في أغسطس، بالمرحلة الأولى من ملء السد بشكل منفرد، وتصر على استكمال عملية الملء والتشغيل دون اتفاق.

 

وتتمسك مصر بحقوقها التاريخية في مياه نهر النيل، وبالقرارات والقوانين الدولية في هذا الشأن، وترفض أي إجراءات أحادية تمضي فيها أديس أبابا، وتطالب إثيوبيا بضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي.

 

ولعبت واشنطن دور الوسيط في المفاوضات الجارية بين إثيوبيا والسودان ومصر، للوصول لحل للقضايا العالقة بين الأطراف بشأن سد النهضة، لكن وبعد مفاوضات ماراثونية رفضت إثيوبيا التوقيع على صيغة اتفاق اعدتها واشنطن بالتعاون مع البنك، فيما وقعت عليها مصر بالحرف الأولى، بينما وافق السودان على مسودة الاتفاق لكنه ربط توقيعه بالتوقيع الإثيوبي لتجنب اتساع الفجوة بين الأطراف الثلاثة.

مقالات متعلقة