تجاوزت المملكة المتحدة، المرحلة القاتمة المتمثلة في 100000 حالة وفاة نتيجة COVID-19، (فيروس كورونا).
ومع استمرار الإغلاق الأخير ، أصبحت التفاوتات التي ميزت مسار وباء COVID-19 أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. عندما وصل فيروس كورونا لأول مرة إلى المملكة المتحدة في ربيع عام 2020 ، دعا السياسيون البريطانيون إلى العمل الجماعي والوحدة.
وتم اقتراح أن اعتبار COVID-19 ، "عدوًا مشتركًا" ، من شأنه أن يحالف بريطانيا والدول الأخرى كما لم يحدث من قبل.
وتحت شعار "نحن جميعًا في هذا معًا" ، لفت هذه العبارة وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة للتآزر والتعاون، لنجاح حملات الصحة العامة،على قاعدة المساواة بين الجميع، ومع ذلك ، فإن التنوع الديموغرافي في المملكة المتحدة كشف عدم مشاركة الجميع في تجارب مماثلة أثناء الوباء.
وقد أجرى قسم العلوم السلوكية والصحة في جامعة لندن، دراسة اجتماعية شملت أكثر من 70 ألف شخص في جميع أنحاء المملكة المتحدة من خلال استطلاعات منتظمة عبر الإنترنت، حول ماهية التعاون والمساواة في تعاطي الحكومة مع انتشار الفيروس في شتى أنحاء المملكة.
الدراسة شملت، كيف يشعر الناس وكيف يستجيبون للقيود والصعوبات التي يواجهونها، ثم يقوم القائمين على الدراسة بجمع معلومات مفصلة عن كل شيء بدءًا من حصول الأشخاص على قسط كافٍ من النوم وحتى مخاطر المعاناة من الوحدة.
وكشفت الدراسة، أن تجربة شخص ما للأزمة تعتمد إلى حد كبير على وضع حياتهم قبل الإغلاق، حيث أظهر البحث أن الأقليات العرقية ، وأولئك الذين يعانون من الضعف المالي ، وأولئك الذين يأتون من مواقع اجتماعية واقتصادية متدنية والشباب يكافحون أكثر بكثير من أولئك الذين يتمتعون بامتيازات اجتماعية أكبر.
يدعم هذا البحث نتائج الدراسات الأخرى التي تظهر كيف أدى COVID-19 إلى تفاقم عدم المساواة المجتمعية ، كما أنه يحدد أنماطًا واضحة لعدم المساواة على طول الخطوط العرقية في المملكة المتحدة.
الفقراء وكورونا
لم يترك فيروس كورونا المستجد بلدا إلا وانتشر فيه، خلال العام الجاري، فأصيب أشخاص من مختلف الأوساط، لكن بيانات حديثة، كشفت أن بعض الفئات الاجتماعية كانت الأكثر تضررا من غيرها، بسبب الظروف المادية والمعيشية.
وبحسب صحيفة "جارديان"، فإن الأوبئة التي كانت تجتاح البشرية قبل قرون، دأبت على إيقاع ضحاياها بين الأغنياء والفقراء، على حد سواء، لكن الوضع مختلف في حالة "كوفيد 19" رغم إصابة عدد من المشاهير والساسة، وبالتالي، فإن الوباء لم يعد "يحقق المساواة" بين البشر كما يشاع.
وتضم الفئات الخمس الأكثر تضررا بالفيروس كلا من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق تعاني الحرمان، إلى جانب ذوي الأجور المنخفضة أو المهن البسيطة، فضلا عن المسنين والمرضى الذين يعانون اضطرابات مزمنة، والأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات إثنية وعرقية.
ويزداد معدل فتك الفيروس كلما تزايد الفقر في وسط من الأوساط الاجتماعية، ففي إنجلترا مثلا، تكشف الأرقام أن نسبة الوفيات بسبب المرض وسط الأشخاص الأكثر حرمانا يرتفع بنسبة 118مقارنة بالأشخاص الأقل حرمانا.
ويقول الباحث في شؤون الصحة، دافيد فينش، إن هذه الأرقام لا تحمل مفاجأة كبرى، موضحا أن من يعيشون في مناطق أكثر حرمانا يتعرضون بدرجة أكبر للإصابة بفيروس كورونا، نظرا إلى ظروفهم.
ويحدد مكتب الإحصاءات البريطاني، الفئات الأكثر حرمانا، استنادا إلى معايير من قبيل أمد الحياة والبطالة وانتشار الجريمة في بعض المناطق.
وفي المنحى نفسه، أوردت الأرقام أن الأشخاص الذين يعملون في مهن بسيطة سجلوا أعلى معدلات الوفاة من جراء كورونا، بخلاف النسبة المحدودة وسط ذوي الوظائف الكبرى.
وفي بريطانيا، مثلا، كان سائقو الحافلات وسيارات الأجرة والعاملون في مجال الرعاية وحراس الأمن من الأكثر تأثرا بفيروس كورونا المستجد.
أما على مستوى الفئات العمرية، فكان كبار السن الأكثر تضررا، وهو ما جعل كثيرين ينتقدون الحكومات التي "قصرت" في فرض إجراءات وقائية كافية، وهذا الأمر ينطبق أيضا على من يعانون الأمراض المزمنة.
وأوردت الإحصاءات أن المنتمين إلى أقليات مثل ذوي الأصول الإفريقية أو الآسيوية في بريطانيا، سجلوا نسبة أعلى من الوفيات مقارنة بالأشخاص البيض.
عدم المساواة
نشرت صحيفة "الجادريان" البريطانية مقالا يسلط الضوء على وفاة عامل بخدمة إسعاف جراء إصابته بفيروس كورونا، ويكشف عن "عدم المساواة داخل المجتمع البريطاني". وتحدثت الكاتبة نسرين مالك في المقال الذي جاء تحت عنوان "ما جدوى ثروة بريطانيا إذا لم نتمكن من حماية العمال الضروريين أثناء الوباء؟"، عن قصة وفاة عامل الإسعاف عبد الله جلال الدين بفيروس كورونا، وما تبرزه من أن "الفقراء والضعفاء هم أكثر عرضة للوفاة على الرغم من ازدهار بلادنا". عمل عبد الله جلال الدين، في خدمة الإسعاف في كينغستون، جنوب غرب لندن، على نقل المرضى من منازلهم، ودور الرعاية والتمريض، إلى المستشفى والعودة.
ونقلت الكاتبة عن عائلة جلال الدين قولهم: "إنه شعر بالقلق منذ بداية الوباء، فالعديد من المرضى الذين كان ينقلهم، هو وزملاؤه، يعيشون في دور رعاية حيث ينتشر الفيروس، وقد رفض رؤساؤه في العمل طلبه الحصول على أي نوع من أنواع معدات الحماية".
وتشير الكاتبة إلى أن جلال الدين توفي، عن 53 عاما، يوم 9 نيسان/أبريل الماضي، بعد إصابته بالفيروس إثر اتصاله مع مريضة كبيرة في السن لم تتوفر له مستلزمات الحماية الضرورية في تعامله معها. وتقول الكاتبة إن "وفاة جلال الدين هي نتيجة عدد من الاتجاهات التي نمت منذ عقود، وأودت بشكل مبالغ فيه بحياة أولئك الذين يعانون بشكل حاد من عدم المساواة في المجتمع" . ونوهت إلى أن مهمة سيارة الإسعاف التي كان يعمل بها المتوفى أُسندت إلى شركة خاصة لمساعدة خدمة الإسعاف التابعة لخدمة الصحة الوطنية التي تعاني نقص التمويل.
وتضيف أن هذه الممارسة لا تزال مستمرة حتى بعد إلغاء عقود شركات خاصة أخرى بسبب ضعف أدائها، والتي كانت قد فازت بهذه العقود بسبب رخص عروضها المالية.
وتعتبر الكاتبة أن "هذا السباق إلى القاع يعني أنه عندما طلب جلال الدين معدات الوقاية الشخصية (PPE)، لم يتم إعطاؤه قفازات، كما تقول عائلته". وتقول إن "الازدهار الاقتصادي الذي نتمتع به في المملكة المتحدة تراكم عبر سنوات من التحرير والخصخصة العدوانيين، مضحين بصحة الآخرين وسلامتهم وكرامتهم وأرواحهم". وتضيف أن هذا "بالنسبة للفئات الضغيفة في بريطانيا، كان واضحا منذ فترة طويلة. فبالنسبة لهم، كانت الأزمة واضحة.
وبينما تتسبب وفاتهم في تضخيم حصيلة القتلى في بريطانيا، لم يعد بإمكاننا أن ننظر إلى أنفسنا كأمة ونرى أي مقياس للثروة يشعرنا بالفخر. مع كل وفاة كان يمكن تجنبها، لأن الأنظمة القادرة على منع موت مواطنيها قد قضى عليها التقشف، علينا أن نسأل أنفسنا، ما جدوى ثروتنا الوطنية؟".
النص الأصلي