عودة السياحة الروسية لمصر.. «طوق النجاة» الذي تحول إلى سراب

زيارة بوتين لمصر ربما تشكل بداية حل أزمة السياح

دفعت التصريحات بقرب عودة السياح الروس إلى مصر، بحلول مارس المقبل، الآمال في انتعاشة قريبة للسياحة المصرية المتضررة بشدة بفعل تأثيرات تفشي فيروس كورونا، إلى أعلى مستوياتها، لكن ذلك التفاؤل سرعان ما تحول إلى "سراب" مع صدور تعليقات مصرية وروسية تنفي وجود أي اتفاق بشأن تلك العودة.

 

بدأت هذه التصريحات المتعارضة الخميس الماضي عندما أعلن أشرف نوير رئيس هيئة الطيران المدني، في تصريحات لوكالة رويترز أن شركة نوردويند الروسية تقدمت بطلب لاستئناف الرحلات إلى الغردقة وشرم الشيخ بدءا من 28 مارس بعد توقف لأكثر من خمس سنوات.

 

 وأوضح نوير أن الرحلات ستكون بواقع رحلتين إلى الغردقة، ورحلتين إلى شرم الشيخ، وذلك بعد موافقة السلطات الروسية، وسوف يتم زيادة الرحلات فور انتظام التشغيل.

 

الترحيب الواسع بتصريحات نوير، سرعان ما تحول إلى خيبة أمل، مع إعلان وكالة الطيران المدني الروسية في اليوم التالي أنه "لا يمكنها تأكيد ما إذا كانت شركة الطيران ستستأنف رحلات الطيران في مارس. وقال بيان لهيئة الطيران المدني الروسية، يوم الجمعة، إنها "لا تؤكد افتراضات بعض وسائل الإعلام بشأن استئناف رحلات الطيران العارض (تشارتر) إلى المنتجعات السياحية في مصر".

 

غموض مقصود

الغموض الذي تضمنه البيان الروسي، والذي ربما كان مقصودا لعدم احراج القاهرة عبر نفي صريح لتصريحات نوير، أزاله وزير الطيران المدني المصري محمد منار عنبة، مؤكدا أن الوزارة لم تتلق أي إفادات من الجانب الروسي بشأن استئناف حركة الطيران الشارتر إلى شرم الشيخ والغردقة.

 

وأوضح عنبة في تصريحات صحفية أمس السبت أنه لا توجد أي اتصالات تمت منذ مغادرة لجنة مراجعة الإجراءات الأمنية الروسية لمطاري الغردقة وشرم الشيخ بداية فبراير الجاري.

 

وأضاف عنبة، أن ما جرى تداوله بشأن استئناف السياحة من روسيا إلى مطاري الغردقة وشرم الشيخ لا يزيد عن تقدم شركات طيران بطلب لسلطة الطيران المدني للموافقة على تنظيم رحلات إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة نهاية مارس الماضي.

 

تصريحات عنبه، أكدها الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، مشددا على أن الحكومة المصرية أو الروسية لم تعلنان أي شيء رسمي بشأن هذا الصدد. وأضاف العناني، خلال مداخلة تليفزيونية، مساء السبت، أن مطارات مصر مفتوحة لاستقبال أية وافدين من كل أنحاء العالم، متوقعًا تحسن الأوضاع بالنسبة للسياحة البريطانية بعد انتهاء جائحة كورونا.

 

وحاول العناني الإيحاء بأن بلاده لا تعول على عودة قريبة للسياحة الروسية إلى المنتجعات المصرية، مشيرا إلى أن مصر تستقبل سياحًا الآن من أوكرانيا، وبيلاروسيا، وكازخستان، وصربيا، والتشيك، في حين أن السياحة الألمانية والبريطانية والإيطالية لم تعد تأتِ إلى البلاد؛ بسبب ظروف جائحة كورونا.

بداية الأزمة

يعود قرار روسيا بتعليق رحلاتها الجوية إلى مصر، إلى نهاية أكتوبر 2015 بعد حادث تحطم طائرة متروجيت الروسية في سيناء تقل قرابة 224 شخصا، بعد وقت وجيز من مغادرتها مطار شرم الشيخ، ومنذ ذلك الحين جفت الطائرات من المسافرين الروس، وتوقف التدفق السياحي المليوني الروسي إلى القاهرة.  

وخلصت التحقيقات الغربية والروسية إلى الحادث نتج عن عمل إرهابي، فيما ادعى تنظيم داعش مسؤوليته عن زرع القنبلة. وسارعت روسيا وبريطانيا ودول أخرى إلى تعليق رحلاتها لشرم الشيخ.

 

كانت روسيا أكثر ترددا من بعض الدول الأوروبية من حيث استئناف رحلات الطيران إلى مصر. ففي الوقت الذي تواصل فيه موسكو تأجيل عودة رحلاتها الجوية إلى شرم الشيخ، استأنفت شركات طيران بريطانية في فبراير من العام الماضي رحلاتها إلى شرم الشيخ بعد توقف استمر 4 سنوات.

 

وخلال السنوات الماضية أعلنت روسيا أكثر من مرَّة قرب عودة السياحة إلى شرم الشيخ والغردقة، وإرسال وفود من خبراء قطاع الطيران الروس للاطمئنان على سلامة الطيران المصري، إلا أن الامر بقي عالقًا دون تحديد أسباب.

 

وآخر تلك الوفود كان مطلع فبراير الجاري، إذ زار وفد روسي أمني القاهرة لمدة أسبوع، لتفتيش مطاري شرم الشيخ والغردقة، بهدف استئناف الرحلات الجوية إلى المطارات المصرية.

 

وتزامن وجود الوفد الروسي في مصر مع إعلان السفير الروسي بالقاهرة جورجي بوريسينكو، أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيزور مصر في شهر مارس المقبل، وهو ما دفع بعض المراقبين للربط بين هذه الزيارة وبين احتمال استئناف الرحلات الجوية الروسية.

 

ويرجح خبراء أن موسكو تبدو متباطئة في تنفيذ عودة الرحلات السياحية إلى مصر، من أجل الحصول على مكاسب نوعية في قضايا معينة، متوقعين أن يكون شهر مارس المقبل حاسما لهذه القضية مع زيارة بوتين إلى القاهرة. 

 

ويرى هؤلاء الخبراء أن  حل الأزمة قد يكون في سداد مصر لكامل مستحقات التعويضات كاملة لأهالي ضحايا الطائرة المنكوبة، وفقا لما نقله موقع "الحرة". وفي هذا السياق قال الدكتور عاطف عبد اللطيف، عضو جمعية مستثمرى السياحة بجنوب سيناء، إنه لا توجد موانع فنية لعودة السياحة الروسية، مؤكدا أن مصر على أتم الاستعداد لاستئناف الرحلات، إلا أن الأمر يبقى قرارا سياسيا وليس فنيا فقط. 

 

تأثير واسع

وتمثل السياحة الروسية إلى مصر أهمية كبيرة حيث تبلغ نحو 35% من إجمالي الحركة الوافدة سنويًا إلى مصر، كما يشكل الروس والبريطانيون نحو 60% من السائحين القادمين جوًا إلى شرم الشيخ.

 

ويتراوح إنفاق السائح الروسي بين 55 إلى 60 دولارًا في الليلة، كما تعمل 428 شركة روسية في مصر برأسمال 127 مليون دولار، تتركز معظم هذه الشركات في قطاعات السياحة بنحو 105 شركات، بالإضافة إلى شركات أخرى في قطاعات الإنشاءات والقطاع الخدمي والصناعي والاتصالات والزراعة.

 

وكانت السياحة الروسية تحقّق مكاسب لمصر وصلت إلى 2.5 مليار دولار في الموسم السياحي الواحد قبل عام 2015، ومن المتوقع أن تصل إيرادات السياحة الروسية حال عودتها إلى 5 مليارات دولار في الموسم السياحي الواحد.

 

وتسببت تداعيات جائحة فيروس كورونا في هبوط كبير بإيرادات السياحة بمصر لتبلغ نحو أربعة مليارات دولار في 2020، نزولا من 13.03 مليار في العام 2019، وسط جائحة كوفيد-19 التي ألحقت ضررا شديدا بالقطاع، لكن تركيز مصر تحول من أعداد الزائرين إلى أن تظل وجهة آمنة رغم الأزمة.

جهة آمنة

وأعلن وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني قبل أيام أن عدد السياح الذين زاروا مصر بلغ نحو 3.5 مليون في 2020، مقارنة مع 13.1 مليون في 2019. وأضاف في مقابلة مع رويترز "شهدنا عاما رائعا في 2019 من حيث الأعداد والإيرادات، وأيضا أول شهرين في 2020 كانا أعلى بنحو 8% في الأعداد والإيرادات، حيث زار البلاد 2.4 مليون سائح حينها.

 

وتابع العناني: "الهدف حاليا ليس قياس عدد السائحين لكن أن يقال إن مصر وجهة سياحية آمنة في ظل أزمة كورونا". في مارس من العام الماضي، أغلقت مصر الفنادق عندما بدأت أزمة كورونا بها ثم أعادت فتحها بعد حوالي شهرين بنحو 25% من السعة الاستيعابية وزادت تلك النسبة لاحقا إلى 50%.

 

بدورها توقعت د. غادة شلبي، نائب وزير السياحة والآثار المصري، أن ترتفع أعداد السائحين القادمين إلى مصر خلال العام الجاري، بعد ظهور اللقاحات وبدء حملات تطعيم في دول كثيرة حول العالم، على أن يصل قطاع السياحة المصري لمرحلة التعافي بحلول الربع الثالث أو الرابع من العام الحالي على أقصى تقدير، وفقا لما سيتم الإعلان عنه من لقاحات لمكافحة تفشي فيروس كورونا.

 

بشائر تعافي

وفي سياق متصل، تلوح في الأفق بشائر تعافي جيد لمعدلات الإقبال السياحي في مصر، حيث بلغ متوسط ​​إشغال الفنادق في الفترة من يناير حتى منتصف فبراير 2021 نحو 50%، مقارنة بـ 80% في نفس الفترة من العام الماضي قبل تفشي الوباء، وفقا لما ذكره موقع عرب نيوز نقلا عن مساعد وزير السياحة والآثار لشؤون الرقابة على المنشآت الفندقية والسياحية عبد الفتاح العاصي.

 

ويعد هذا تحسنا مقارنة بما شهده القطاع خلال 2020، والذي شهد انهيار متوسط اشغالات الفنادق المصرية إلى أقل من 50% العام الماضي، بعد أن تسببت الجائحة في إغلاق الفنادق والمنشآت السياحية تماما في منتصف مارس 2020، فضلا عن توقف حركة الطيران من وإلى البلاد خلال الربع الثاني من 2020.

 

وتستهدف مصر إضافة 10 آلاف غرفة فندقية قبل نهاية العام الجاري، وذلك بعد أن انتهى مطورون من إضافة 4 آلاف غرفة جديدة من المقرر افتتاحها بعد رفع قيود السفر العالمية وإعادة فتح الحدود، وفق ما نقله الموقع عن مصدر بوزارة السياحة. ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي عدد الغرف الفندقية في البلاد إلى 215 ألفا بنهاية 2021.

تراجع ضخم

وتراجعت إشغالات الفنادق المصرية بنحو 60% في 2020 بمتوسط 30%، وفقا لتقرير مؤسسة كوليرز إنترناشونال لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان التراجع الأكبر لإشغالات الفنادق بالقاهرة، حيث تراجع الإشغال بمعدل 65% على أساس سنوي خلال 2020، بمتوسط بلغ 27% على مدار العام.

 

وتدهورت الإشغالات بصورة أكبر في الغردقة وشرم الشيخ حيث أنهت فنادقها العام بمعدل إشغال بلغ 24% و23% على الترتيب. أما الإسكندرية فكانت أقل تضررا، إذ بلغ متوسط الإشغال 45% خلال العام الماضي، بتراجع 44% على أساس سنوي.

 

ومن المنتظر أن تقفز معدلات الإشغال بالفنادق المصرية خلال العام الجاري، مع انتشار برامج التطعيم ضد "كوفيد-19" عالميا، وهو ما من شأنه تحفيز السفر والسياحة الدولية مجددا. وتستعد الغردقة وشرم الشيخ لتكونان أكبر المستفيدين من الانتعاش المنتظر، إذ يتوقع تقرير كوليرز ارتفاع الإشغال بهما بمعدل 88% و78% على الترتيب خلال 2021.

 

ووفقا للتقرير ستشهد الإسكندرية أكبر نسبة إشغال بين المدن المصرية خلال 2021 لتصل إلى 62%، في حين سترتفع في القاهرة بمعدل 53% لتبلغ نسبة الإشغال 43% في 2021.

 

 ووضعت وزارة السياحة والآثار، خطة استراتيجية للنهوض بالقطاع السياحي بعد التعافي من فيروس كورونا المستجد، تتضمن حملة ترويجية كبرى تبدأ في منتصف عام 2021 لمدة 3 سنوات تستهدف الأسواق الواعدة والرئيسية، بجانب إطلاق حملات مصغرة للسوق العربي والمتحف المصري الكبير.

مقالات متعلقة