لا تزال أزمة سد النهضة تدور في دائرة مغلقة، ما بين مساعي العودة للمفاوضات والوساطة الدولية، وما بين التعنت الإثيوبي بالإصرار على الملء الثاني للسد رغم عدم التوصل لاتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث أطراف النزاع "مصر وإثيوبيا والسودان".
ووصل العمل بالسد، الذي بدأ في عام 2011 ، إلى نقطة فارقة في يوليو 2020 عندما بدأت إثيوبيا في ملء خزانها، مرورا بالمشاكل الفنية التي تواجه البناء الضخم، وصولا إلى تحديد موعد الملء الثاني في يوليو 2021.
وعلى مدى 10 سنوات باءت كافة المفاوضات حول أزمة سد النهضة بالفشل، حتى بعد تدخل الاتحاد الأفريقي على خط المفاوضات لم تأت جولات عديدة من المفاوضات بأي ثمار حتى أعلنت السودان الانسحاب، ولكن كيف سيكون مصير السد في ظل الرفض المصري والسوداني للملء الثاني الذي تستعد له إثيوبيا في يوليو المقبل؟.
الرباعية الدولية للوساطة
ومع فشل المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود، طالب السودان بدور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي، ولكن يبدو أنها لم تعد تتمسك بهذا الشرط، إذ أقرت لجنة سودانية عليا مقترحا بتحويل آلية المفاوضات الحالية لمسار رباعي يمثل فيه الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويتضمن المقترح السوداني أن تلعب الأطراف الأربعة "الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة"، دور الوسيط في المفاوضات بدلا من الاكتفاء بدور المراقبين، وفقا لما نقلته "سكاي نيوز".
مصر تدعم "الرباعية"
هذا المقترح السوداني لقى دعما من وزارة الخارجية المصرية، التي أبدت تأييدها لتطوير آلية مفاوضات سد النهضة عبر رباعية الاتحاد الأفريقى والأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية للتوسط فى المفاوضات برئاسة الاتحاد الأفريقي.
ومن جانبه قال السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، إن الوزير سامح شكري أكد للوفد الكونغولي الذي التقى به مساء اليوم الأربعاء، تأييد مصر لتطوير آلية مفاوضات سد النهضة من خلال تكوين رباعية دولية تشمل بجانب الاتحاد الأفريقي كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للتوسط في المفاوضات تحت رعاية وإشراف الرئيس "فيليكس تشيسيكيدي".
وأوضح حافظ، في بيان رسمي، أن الهدف من تأييد مقترح "الرباعية الدولية"، هو دفع المسار التفاوضي قدماً ولمعاونة الدول الثلاث في التوصل للاتفاق المنشود في أقرب فرصة ممكنة.
واستقبل وزير الخارجية سامح شكري، اليوم، البروفيسور "ألفونس نتومبا" منسق خلية العمل المعنية برئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية الحالية للاتحاد الأفريقي، وتناول الحديث آخر التطورات الخاصة بملف سد النهضة وأبعاده المختلفة، أخذاً في الاعتبار رعاية الاتحاد الأفريقي لمسار المفاوضات.
وأشار حافظ إلى تأكيد وزير الخارجية خلال اللقاء على تقدير مصر الكبير للمساعي الكونغولية في هذا الصدد، موضحاً تطلعها إلى الدور الهام الذي تستطيع الكونغو الاضطلاع به من أجل المساعدة على التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث.
تصعيد إثيوبي
وفي الوقت الذي تبحث فيه كل من مصر والسودان عن إيجاد وساطة لحل أزمة سد النهضة، تخرج إثيوبيا بتصعيد جديد بإعلان إصرارها على المضي قدما في التعبئة الثانية لسد النهضة، وتؤكد أن هذه الخطوة لا علاقة لها بالمفاوضات.
وقال إبراهيم إدريس، المستشار القانوني بوزارة الخارجية الإثيوبية، إن بلاده ستمضي في بناء سد النهضة والتعبئة الثانية في موعدها المقرر يوليو المقبل، مؤكدا أن موعد الملء لا علاقة له بالمفاوضات.
ويبرر المستشار القانوني بالخارجية الإثيوبي ذلك بأن من حق بلاده بناء السد وفقا لوثيقة وقعتها مصر وإثيوبيا والسودان تحت عنوان "إعلان المبادئ" في عام 2015، وأن هذه التعبئة بعيدة عن المفاوضات الجارية أو المقبلة بين الدول الثلاث.
وفي المقابل ترفض مصر والسودان بشدة الملء الأحادي لسد النهضة، وتشترط التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم للبلدان الثلاثة أولا، وهو الأمر الذي ترفضه إثيوبيا وتصفه بـ"غير المقبول"، وتعتزم الملء بشكل أحادي رغم اعتراض مصر والسودان.
وأمام التعنت الأثيوبي أكد وزير الري والموارد المائية السودانية أن إعلان إثيوبيا بدء الملء الثاني للسد في يوليو المقبل يشكل تهديدا مباشرا لتشغيل سد الروصيرص السوداني، ويؤثر على مشاريع الري ومحطات مياه الشرب الواقعة على النيل الأزرق.
كما حذر الوزير السوداني مجددا من مخاطر سد النهضة على نحو 20 مليون مواطن سوداني يهددهم الملء الأحادي للسد، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية، سونا، مشددا أن الملء الثاني يمثل تهديدا خطيرا على الأمن القومي السوداني.
وأشار إلى أن وزارة الري السودانية اتخذت عدة احتياطات فنية ودبلوماسية لمجابهة احتمالات ملء سد النهضة، لافتا إلى تحرك بلاده بنشاط كبير لتقوية وساطة الاتحاد الأفريقي، وإشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا بصفتهم وسطاء في أزمة سد النهضة.
ومن جهة أخرى، دعا وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، إلى أن يكون «سد النهضة» الإثيوبي وسيلة للتعاون الإقليمي، بدلاً من تحوله لبؤرة للنزاع السياسي بين بلاده وإثيوبيا ومصر.
وسبق أن تدخلت الولايات المتحدة والبنك الدولي قبل أكثر من عام في مفاوضات سد النهضة، غير أنها لم تسفر عن تحقيق أي نتائج، وانتهت كغيرها بالفشل دون التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث.
تأثير التوتر السوداني الإثيوبي على المفاوضات
وتعليقا على مقترح السودان بـ"الرباعية الدولية" للوساطة في حل أزمة سد النهضة، قال الخبير المصري عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن هذا المقترح يأتي في وقت يشتد فيه التوتر بين إثيوبيا والسودان، وهو ما قد يترتب عليه اشتراط من إثيوبيا أيضا.
وأوضح شراقي، عبر حسابه على موقع فيس بوك، أن أثيوبيا تطلب من السودان مطلبا عجيبا وهو أن تنسحب السودان من الأراضي السودانية التي كانت تسيطر عليها إثيوبيا، واستعادتها السودان في 6 نوفمبر 2020 كشرط للتفاوض حول الحدود، مضيفا أن هذا الشرط قد يمتد أيضا لمفاوضات سد النهضة.
وفي السياق نفسه قال الخبير السوداني الدكتور أحمد المفتي، أستاذ القانون الدولي، إن موقف إثيوبيا المتعسف في مفاوضات سد النهضة هو سوء تقدير للموقف، مستشهدا بأنها حولت الموقف السوداني من موقف داعم لإثيوبيا إلى موقف مواجهة مباشرة معها، لدرجة التصريح بأنه لن يسمح بالملء الثاني بإرادة منفردة.
وأشار المفتي إلى أن التصعيد بين السودان وإثيوبيا، وصل إلى حد مطالبة السودان بأراضي الفشقة، التي كانت الحكومة السودانية تغض الطرف عن استغلال المزارعين الإثيوبيين لها لأكثر من 20 عاما.
وأضاف أن أثيوبيا أيضا تسئ تقدير الموقف مرة أخرى فيما يتعلق بالحدود، وتتدخل في الشؤون الداخلية للسودان، ومن الشواهد على ذلك تتحدث عن أن السودان يتحرك تنفيذا لأجندة طرف ثالث، معتبرا أن تلك إساءة لا تغتفر.
وتابع المفتي عبر حسابه على موقع فيس بوك مستدلا على إساءة إثيوبيا لتقدير الموقف مع السودان، قائلا :"تتدخل إثيوبيا في الشؤون الداخلية للسودان بإشارات سلبية إلى المكون العسكري في الحكومة السودانية."
واستطرد أن أثيوبيا تشترط انسحاب القوات السودانية من أراض سودانية، حددتها المادتان الأولى والثانية، من اتفاقية 1902، علما بأن إثيوبيا قد طالبت السودان بموجب المادة 4 من تلك الاتفاقية، بمنطقة جمبيلا وذلك عام 1955، وقد رد لها السودان تلك المنطقة.
وأردف :"إساءة أثيوبيا للمواقف سوف تفتح الباب واسعا، لمطالبة السودان لأثيوبيا بالأراضي السودانية، التي منحت لها بموجب المادة 3 من تلك الاتفاقية، بشرط عدم تشييد إثيوبيا لأي منشاة مائية، على النيل الأزرق أو نهر السوباط أو بحيرة تانا، من دون موافقة حكومة السودان".
وأكمل المفتي:"من المؤكد أن إثيوبيا تشيد الآن سد النهضة من دون إبرام اتفاقية ملزمة تتضمن موافقة حكومة السودان على تشييد سد النهضة، ولا شك لدى في أن إثيوبيا ستكون الخاسر الأكبر في أي مواجهة هي تدفع الجميع لها بسوء تقديرها للمواقف، ونأمل أن تكف عن ذلك النهج وتوقف أنشطتها في السد إلى حين التوصل إلى اتفاق ملزم يخدم مصلحة الدول الثلاثة لأن الحرب أولها كلام، مثل التصريحات الإثيوبية".