في الآونة الأخيرة وصلت مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود، بينما تواصل إثيوبيا بناء السد تمهيدا للملء الثاني في شهر يوليو المقبل، حتى بات السؤال ما مصير تلك الأزمة وما تمثله من مخاطر جمة على دولتي المصب مصر والسودان؟.
ووسط ذلك الغيوم الذي كان يسيطر على ملف أزمة سد النهضة، خرج مقترح سوداني غُرف إعلاميا بـ"الرباعية الدولية"، دعت خلاله الخرطوم إلى إلى تطوير آلية مفاوضات سد النهضة من خلال تكوين رباعية دولية تشمل بجانب الاتحاد الأفريقي كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للتوسط في المفاوضات تحت رعاية وإشراف الرئيس "فيليكس تشيسيكيدي".
المقترح السوداني بـ"الرباعية الدولية" قوبل بترحيب ودعم من الجانب المصري، الذي سبق أن كرر تأكيده على موقف مصر الثابت من اعتبار نهر النيل قضية وجود للشعب المصري، ومن هنا أخذت كانت بداية الطريق لتعاون مصري سوداني في مواجهة مخاطر سد النهضة.
تعاون ثنائي
ففي الوقت الذي تسود فيه التوترات بين السودان وأثيوبيا بشأن الحدود بين البلدين، فضلا عن خلافات سد النهضة والتي تدخل فيها مصر كطرف أساسي، يأتي التعاون الثنائي المشترك بين الخرطوم والقاهرة، الذي اعتبره الخبراء مؤشر إيجابي لتحريك الماء الراكد في مفاوضات سد النهضة.
وقد شهدت القاهرة اليوم 2 مارس 2021 زيارة مريم الصادق المهدي، وزيرة الخارجية السودانية، في أول زيارة لها لمصر وزيرة لخارجية حكومة الثورة السودانية، والتي التقت خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتأتي زيارة المهدي في إطار التواصل والتشاور المستمر بين حكومتي مصر والسودان، وتعزيزاً للروابط الأزلية والمصالح المشتركة لشعبي وادي النيل، وحرص الجانبين على تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين وتنشيط آليات التعاون الثنائي المشتركة، وتأكيدا لدعم مصر السودان خلال هذا المنعطف التاريخي الهام.
وخلال الزيارة أكد السفير سامح شكري، وزير الخارجية المصري، دعم مصر الراسخ للمرحلة الانتقالية في السودان، والوقوف إلى جانب تطلعات الشعب السوداني في التقدم والازدهار وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر 2018 المجيدة، مجددا التهنئة للشعب السوداني على التوقيع على اتفاق السلام.
وأشاد وزير الخارجية المصري بجهود الحكومة السودانية والتي لم تتوانَ عن بذل الجهد لتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني التي خرج يطالب بها في ثورته المجيدة، وذلك من خلال التطورات الإيجابية الكبيرة التي يشهدها السودان حاليا لكسر العزلة الدولية التي كانت مفروضة على الشعب السوداني.
في المقابل أعربت المهدي عن تقديرها للجانب المصري على المبادرة بمساعدة الشعب السوداني في كافة الظروف، وخاصة خلال موسم الأمطار والسيول التي عانت منها السودان، ومبادرة مصر بإرسال جسر جوى من المساعدات، والمبادرة بإرسال جسر جوى آخر لنقل عشرة مخابز آلية للخرطوم لحل أزمة الخبز، وإرسال الفرق الطبية لمساعدة المتضررين من السيول وكذلك فريق من الأطباء الاستشاريين المصريين لعلاج مصابي ثورة ديسمبر المجيدة.
وناقش الجانبان، خلال المباحثات الثنائية، فرص تطوير التعاون في مجال الاستثمار والمجالات المتاحة للشركات المصرية للاستثمار في السودان بما يحقق المصالح المتبادلة للطرفين، وسبل تطوير التعاون في كافة مجالات التعاون الاستراتيجي بين البلدين وعلى رأسها مجال النقل وخاصة من خلال مشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين، بما يسهم في فتح آفاق أرحب للتعاون الاقتصادي والتجاري بينهما.
كما تطرقت المباحثات إلى مشروع الربط الكهربائي بين البلدين والجاري زيادة قدرته من 80 ميجاوات وصولا إلى 300 ميجاوات، وغيرها من سبل التعاون في مجالات النقل الجوي والبري والنهري والبحري.
واستعرضت المباحثات سبل التعاون في مجال الصحة بين البلدين، ودعم التعاون بين البلدين في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وغيرها من مناحي التعاون المختلفة، والتأكيد على أهمية دور القطاع الخاص ورجال الأعمال لتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
اتفاقية عسكرية
وبينما كانت تجرى وقائع التعاون الثنائي في القاهرة، كان كل من رئيس الأركان المصري الفريق محمد فريد، ونظيره السوداني رئيس الأركان السوداني الفريق محمد عثمان الحسين، يوقعان اتفاقية عسكرية في الخرطوم، بحضور قائدي جيشي البلدين، اللذين أكدا أن البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.
وبحسب رئيس الأركان السوداني الفريق محمد عثمان الحسين، فإن الاتفاقية تهدف لتحقيق الأمن القومي لكل من السودان ومصر، وفقا لما نقلته "سكاي نيوز".
فيما أكد رئيس الأركان المصري الفريق محمد فريد، أن مستوى التعاون العسكري مع السودان، قد وصل إلى مستوى غير مسبوق، مؤكدا على استعداد القاهرة، لتلبية كافة طلبات الخرطوم في المجالات العسكرية، موضحا أن السودان ومصر، يواجهان تحديات مشتركة.
مصير سد النهضة
وفيما يتصل بقضية سد النهضة، أكد البلدان على أهمية التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي يُحقق مصالح الدول الثلاث ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان ويُحدُ من أضرار هذا المشروع على دولتي المصب.
وأكدت مصر والسودان، على لسان وزيرا خارجيتهما، خلال زيارة وزيرة خارجية السودان للقاهرة اليوم، أن لديهما إرادة سياسية ورغبة جادة لتحقيق هذا الهدف في أقرب فرصة ممكنة، كما طالبا إثيوبيا بإبداء حسن النية والانخراط في عملية تفاوضية فعّالة من أجل التوصل لهذا الاتفاق.
وقد أعرب البلدان عن تقديرهما للجهد الذي بذلته جمهورية جنوب إفريقيا الشقيقة خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي في تسيير مسار مفاوضات سد النهضة، كما رحبا بتولي جمهورية الكونجو الديمقراطية قيادة هذه المفاوضات بعدما تبوأ فخامة الرئيس فيلكس تشيسيكيدي رئيس جمهورية الكونجو الديمقراطية رئاسة الاتحاد الإفريقي.
وأعرب الوزيران عن القلق إزاء تعثر المفاوضات التي تمت برعاية الاتحاد الأفريقي، كما شددا على أن قيام إثيوبيا بتنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة بشكل أحادي سيشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي لجمهورية مصر العربية ولجمهورية السودان، وخاصة فيما يتصل بتشغيل السدود السودانية ويهدد حياة 20 مليون مواطن سوداني.
كما أكدا على أن هذا الإجراء سيعد خرقاً مادياً لاتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في الخرطوم بتاريخ 23 مارس 2015، مشددين على تمسك البلدان بالمقترح الذي تقدمت به جمهورية السودان ودعمته جهورية مصر العربية حول تطوير آلية التفاوض التي يرعاها الاتحاد الإفريقي من خلال تشكيل رباعية دولية.
و"الرباعية الدولية" هو مقترح سوداني لتطوير المفاوضات بقيادة جمهورية الكونجو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، وكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتوسط في المفاوضات، حيث دعا البلدان هذه الأطراف الأربعة لتبني هذا المقترح والإعلان عن قبولها له وإطلاق هذه المفاوضات في أقرب فرصة ممكنة.
أكد الوزيران على ضرورة الاستمرار في التنسيق والتشاور المستمر بين البلدين في هذا الملف الحيوي، كما اتفقا على إحاطة الدول العربية الشقيقة بمستجدات هذه المفاوضات بشكل مستمر، بما في ذلك من خلال التشاور مع اللجنة العربية المشكلة بمتابعة تطورات ملف سد النهضة والتنسيق مع مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول كافة تطورات الموضوع، والتي تضم الأردن–السعودية–المغرب–العراق والأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
السيسي يؤكد: موقف مصر ثابت
واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي الدكتورة مريم الصادق المهدي، وزيرة خارجية جمهورية السودان، خلال زيارتها للقاهرة اليوم، مؤكداالنهج الاستراتيجي لمصر بدعم كافة جوانب العلاقات الثنائية مع السودان من أجل التعاون والبناء والتنمية، وذلك ترسيخاً للشراكة والعلاقات الأزلية بين الشعبين.
وأعرب الرئيس عن مساندة مصر لكافة جهود تعزيز السلام والاستقرار في السودان الشقيق خلال تلك المرحلة المفصلية من تاريخه، وذلك انطلاقاً من المبدأ الثابت بأن أمن واستقرار السودان يُعد جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر.
وأكد السيسي اهتمام مصر بتعزيز العلاقات الثنائية مع السودان الشقيق، خاصةً في مجالات الربط الكهربائي والسككي والتبادل التجاري، فضلاً عن استعداد مصر للاستمرار في نقل تجربتها في الإصلاح الاقتصادي وتدريب الكوادر السودانية، والمعاونة على مواجهة أية تحديات قد تطرأ في هذا الصدد.
أما عن سد النهضة، فقد أكد السيسي موقف مصر الثابت من حتمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم فيما يخص ملء وتشغيل السد، بما يراعي عدم الإضرار بدولتي المصب ويحافظ على حقوقهما المائية، وقد تم التوافق على تكثيف التنسيق المتبادل بين مصر والسودان خلال الفترة القادمة إزاء تلك القضية الحيوية.
توحيد الرؤى
التعاون المصري السوداني لم يجد جديدا على البلدين، ولكن توثيق التعاون في هذا التوقيت يعتبره خبراء أمر شديد الأهمية فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، وإمكانية تشكيل لحمة دولية تجبر إثيوبيا على التراجع عن أسلوبها العدواني والإجراءات الأحادية في ملء السد.
وفي هذا السياق قال الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، أنه بلا شك كان من البديهي مع أزمة سد النهضة أن يكون هناك لحمة مصرية سودانية، بحيث تحرص كل من مصر والسودان على توحيد الرؤى والمواقف قبل التحدث مع أثيوبيا، كما كان الموقف دائما من قبل.
وأضاف علام، عبر حسابه على موقع فيس بوك :"ولكن نتيجة لثورة يناير المصرية واختفاء الخبرات المصرية المحنكة الفنية والدبلوماسية من التشكيلات الوزارية، ونتيجة لسلبية نظام البشير مع مصر بل ودعمه للجانب الأثيوبي، تباعدت الجبهتان، وأصبحت أثيوبيا للأسف هى المسيطرة بشكل أو بأخر على التحركات الاقليمية والدولية، مع دعم دولى واضح ومخطط ومرسوم.
وتابع :"ولكن عادت مصر لاستقرارها ومكانتها، وثار السودان على نظامه الفاسد واسترد قراره، وبدأت المصالح القومية تفرض نفسها على المشهد السياسي والشعبي فى البلدين وبدأت الصورة الحقيقية للنظام الأثيوبي وأطماعه فى مياه النيل وفى الأراضى السودانية تظهر بوضوح لشعبى وادى النيل".
واستطرد علام :"فأصبح من الطبيعى العودة للحمة المصالح والمصير، وهذه العودة بلا شك ستكون لها أثار كبيرة على المنطقة، وقد تأخذ هذه اللحمة مظاهر عدة قد تجبر قوى دولية على اعادة حساباتها ورهاناتها فى المنطقة، ونرجو ان تعود أثيوبيا سريعا عن غيها والتراجع عن أسلوبها العدوانى الداخلى والخارجي قبل فوات الأوان".
فيما رأى هاني رسلان، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه بعد الفشل الكامل للمفاوضات التي استمرت لأكثر من 10 سنوات، لم يعد هناك بديل للحل سوى أن يتدخل المجتمع الدولي لكي يقوم بدوره وواجباته ويسعى لإيجاد تسوية حفاظا على الاستقرار في هذه المنطقة.
وحذر رسلان، خلال تصريحات لـ"سبوتنيك"، أنه إذا لم ينهض المجتمع الدولي بهذه المسؤولية، سيكون على الدول المتضررة أن تتولى إدارة هذه الأزمة بوسائلها والتي قد يكون من بينها الحرب، ولكن مصر والسودان يؤكدان دائما أن الحل هو التفاوض وليس الحرب.
التعنت الإثيوبي
وتأتي مساعي مصر والسودان لإيجاد وساطة لحل أزمة سد النهضة، في ظل إصرار إثيوبيا على المضي قدما في التعبئة الثانية لسد النهضة، إذ تؤكد أن هذه الخطوة لا علاقة لها بالمفاوضات.
فقبل أيام صرح إبراهيم إدريس، المستشار القانوني بوزارة الخارجية الإثيوبية، بإن بلاده ستمضي في بناء سد النهضة والتعبئة الثانية في موعدها المقرر يوليو المقبل، مؤكدا أن موعد الملء لا علاقة له بالمفاوضات.
وبرر المستشار القانوني بالخارجية الإثيوبي ذلك بأن من حق بلاده بناء السد وفقا لوثيقة وقعتها مصر وإثيوبيا والسودان تحت عنوان "إعلان المبادئ" في عام 2015، وأن هذه التعبئة بعيدة عن المفاوضات الجارية أو المقبلة بين الدول الثلاث.
وفي المقابل ترفض مصر والسودان بشدة الملء الأحادي لسد النهضة، وتشترط التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم للبلدان الثلاثة أولا، وهو الأمر الذي ترفضه إثيوبيا وتصفه بـ"غير المقبول"، وتعتزم الملء بشكل أحادي رغم اعتراض مصر والسودان.
فيما رد وزير الري والموارد المائية السودانية بأن إعلان إثيوبيا بدء الملء الثاني للسد في يوليو المقبل يشكل تهديدا مباشرا لتشغيل سد الروصيرص السوداني، ويؤثر على مشاريع الري ومحطات مياه الشرب الواقعة على النيل الأزرق.
وحذر الوزير السوداني من مخاطر سد النهضة على نحو 20 مليون مواطن سوداني يهددهم الملء الأحادي للسد، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية، سونا، مشددا أن الملء الثاني يمثل تهديدا خطيرا على الأمن القومي السوداني.
وأشار إلى أن وزارة الري السودانية اتخذت عدة احتياطات فنية ودبلوماسية لمجابهة احتمالات ملء سد النهضة، لافتا إلى تحرك بلاده بنشاط كبير لتقوية وساطة الاتحاد الأفريقي، وإشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا بصفتهم وسطاء في أزمة سد النهضة.