استطاعت السينما الناطقة بالكورية ان تستحوذ على انتباه صناع السينما والمحافل الدولية بأعمال فنية مميزة ، تحمل تيمات وشخصيات محلية بأبعاد عالمية.
وبعدما استطاع الفيلم الكوري"الطفيلي" أن يجد طريقه للمنافسة مع عمالقة السينما في العالم العام الماضي، يسير الفيلم الأمريكي الناطق بالكوري " ميناري" على نفس الخطى بعدما اقتنص عدد من الجوائز في الجولدن جلوب التي أقيمت منذ أسابيع.
اسم الفيلم "ميناري"
منذ اللحظة الأولى يتساءل المشاهد حول معنى اسم الفيلم ، هل هو "اسم أحد الشخصيات، أم كلمة كورية" ، ولكن مع الاحداث نعرف أنه اسم لنبات كوري متعدد الإسخدامات.
فهو يستطيع أن ينبت بسهولة في أي أرض، ويمكن أن يصنع به أدوية ويوضع في الأطباق المختلفة، ويناسب الفقير والغني، وهذه النبتة الكورية تنقذ أبطال العمل في أكثر من مرة ، عندما تضيق بهم السبل.
قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم عن أسرة كورية مكونة من 4 أفراد ، تهاجر إلى أمريكا في ثمانينات القرن الماضي في محاولة لتحقيق احلامهم وإنقاذ أنفسهم من الأوضاع السيئة.
بالرغم من أن الأبطال من كوريا لكن يمكن أن تجد هذه النماذج في كثير من الجنسيات التي تهاجر إلى أمريكا تحديدا لتحقيق الحلم الأمريكي الذي يبحث الجميع عنه، فهو الاعتقاد بأن أي شخص، بغض النظر عن مكان ولادته يمكنه تحقيق نجاحه الخاص في مجتمع يكون فيه التنقل الصاعد ممكناً للجميع.
ومن أجل ذلك الحلم نجد أن الأب يقرر أن يترك مدينة "كاليفورنيا" حيث يعمل في احد مزارع تهجين الفراخ، بأجر ضعيف ويذهب إلى أحد المناطق الريفية ليبدأ مشروعه الخاص بزرع محاصيل كورية بالاعتماد على نفسه.
صراع الثقافات
قدم هذا الصراع بشكل غاية في البساطة ومن خلال شخصيات رسمت بشكل جيد جدا، فسنجد "الجدة" والدة الأم التي جاءت من كوريا وهي تحمل تقاليد كوريا وثقافتها في مقابل شخصية حفيدها وهو الذي ولد في أمريكا وفي البداية لا يفهم تصرفات الجدة ولا أطعمتها التي أحضرتها من كوريا .
أما شخصية الابنة التي تربت في كوريا ثم سافرت مع زوجها من أجل الحلم الامريكي تحم داخلها حنين إلى جذورها ويظهر ذلك في مشهد بكاءها عندما شاهدت الأطعمة الكورية التي أحضرتها والدتها معها.
تحمل شخصية الأم الكثير من المشاعر التي توضح هذا الصراع الثقافي فهي جاءت مع زوجها وهي تؤمن به لكن ظروف الصعبه بدأت تفقد إيمانها ومحاولة الإنصهار في مجتمع آخر ليس سهلا بل هو أمر صعب جعلها تنسى الكثير من الاشياء مثل "الحب" ويظهر هذا في أحد المشاهد عندما تأتي أغنية رومانسية كورية وتخبرها أمها أنها كانت تحب هذه الأغنية لكن يتضح أنها نسيت هذه التفاصيل لتردد الجدة ، قائلة :" لقد أتيا الى أمريكا ونسيا كل شيء".
بالرغم من أن الحفيد لا يحب جدته ف البداية إلا أنه مع مرور الوقت يقترب منها ويحبها فهي تعطيه ثقة في نفسه رغم مرضه وتخبره أنه ولد قوي ، كما تذرع معه بذور"الميناري ".
وسنجد شخصية "الأب" الذي يصر على تحقيق نجاحه ولا يجد سوى أن يعود إلى جذوره من أجل النجاح، فهو يقرر زرع المحاصيل الكورية، ففي حوار يقول لابنه :"هناك 30 ألف كوري يهاجرون إلى أمريكا كل عام ألم يشتاقوا للأكل الكوري".
والأب الذي لا يجد المال الكافي يحاول استخدام عقله لتنفيذ مشروعه فهو يؤمن بعقليته الكورية التي تستخدم العقل للتغلب على كل شيء ويقول ذلك في حوار صريح له :"الكوري يستخدم عقله".
قد تنقذك جذورك
الجدة التي زرعت جذور "ميناري" عندما تخبر زوج ابنتها بذلك لا يعطيها اهتماما كبيرا، فهو مهتم بزرع محاصيلة بالسماد الأمريكي .
لكن مع تتطور الأحداث يبدأ هذا الحلم في تفكيك الأسرة، فالأب يأخذ المياة التي تستخدمها الأاسرة في احتياجاتها اليومية من أجل ري الزرع الذي يمكن أن يموت بعدما عمل عليه، لكن الجدة والحفيد يستطاع أن يحلا الأمر بسحب المياة التي حول زرعة "ميناري".
ويتضح هذه التفكك في حوار الزوجة والزوج قبل الفيلم عندما تخبره بأن حلمه أصبح أهم من عائلته، انها فقدت إيمانها به، لكن بعدها ينشب حريق يدمر جميع محاصيله التي جمعها، ليكتشف أن عائلته أهم من أي شيء ويعود لجمع نبات "ميناري" الذي بقي له في النهاية .
التمثيل
يحمل الفيلم عناصر مميزة على مستوى الصورة والإخراج والتمثيل، وخاصة للمثلة التي قدمت شخصية "الجدة" في الفيلم.
أشارت تقارير أجنبية أن الممثلة الكورية Youn Yuh-jung، تلقب بــ"ميريل ستريب كوريا: وأنه من المحتمل أن ترشح للأوسكار أفضل ممثلة مساعدة.
ولدت عام 1947 ، واشتهرت في كوريا الجنوبية مع ظهورها الأول عام 1971،بينما كانت في ذروة حياتها المهنية ، تزوجت من المغني الشعبي تشو يونغ نام ،الذي أقنعها بالانتقال إلى الولايات المتحدة. معًا حتى يتمكن من الأداء في أحد الكنائس.
نظرة على السينما الكورية
توجد عدد من الافلام الكورية التي وجدت نجاحا في الخارج، والتي تحمل افكارا وإخراجا مميزا، سنجد الفيلم الذي عرض، مثل فيلم "البحث عن الذات" والذي عرض في مهرجان كان وفاز بجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للنقاد في عام 2018.
أما الفيلم الذي يحمل عنوان "قصار بسان" استطاع أن يحطم الأرقام القياسية في نسب الحضور على مستوى البلاد الآسيوية، حيث اقترب من عشرة ملايين مشاهدة في الأسبوع الأول، كما عرض في مهرجان كان السينمائي ضمن عروض منتصف الليل.
أما العمل الذي صنع الإنجازات في حفل الأوسكار الماضي وهز العالم "الطفيلي" كان يصور التباين الرهيب بين الأسرتين، بداية من منزل كل منهما، فيحكي عن الأسرة الفقيرة تعيش في منزل تحت الأرض كأنها مدفونة بقاع "الأرض" و"المجتمع"، أما الأسرة الثانية تعيش في فيلا في مكان مرتفع، وكل شيء منظم وراق ومثالي.
الفيلم بالرغم من أنه يطرح قضية جادة جدا، وموجودة في جميع المجتمعات ليست في كوريا فقط، يحتوي العمل على الكوميديا الممزوجة بلحظات من الألم.
ويعتبر" الطفيلي" أول فيلم أجنبي حصد جائزة أفضل فيلم، ليكون فيلم "الطفيلي" أول عمل كوري يحصد هذه الفئة.
لم يكتفي الفيلم بإنجازه الذي حققه بل حصد أهم أربع جوائز في الحفل من أصل 6 رشح لهم منها"أفضل مخرج، وأفضل فيلم أجنبي، وأفضل سيناريو أصلي".