"كل شيء سيكون على ما يرام".. هذه الكلمات التي تقولها الممرضة وهي تحتضن العجوز "أنتوني" في نهاية فيلم "الأب the father"، قادرة على توصيل مشاعر الحزن والضياع التي وصل البطل مع مرور الوقت، وما يعيشه في خريف العمر .
الفيلم المرشح لعدد من الجوائز في مهرجان أوسكار 2021، أبرزها أفضل ممثل وأفضل ممثلة مساعدة وأفضل فيلم ، وأفضل إخراج.
تدور أحداث الفيلم حول أب مسن يرفض الاعتراف بتقدمه في العمر، ولا يقبل المساعدات التي تقدمها له ابنته، والفيلم من إنتاج المملكة المتحدة وفرنسا، ويعد التجربة الأولى في السينما لمخرجه الكاتب الروائي والمسرحي الفرنسي فلوريان زيلر، والذي تحولت كثير من مسرحياته إلى أفلام سينمائية.
الوقت والمشاعر
يلعب الوقت في الفيلم دورا كبيرا في ظهور مشاعر الشخصيات، فنجد أن البطل "الأب" مع الوقت تضيع ذكرياته بسبب "مرض الزهايمر"، فعلى سبيل المثال ينتظر ابنته الثانية لتأتي لزيارته لكن مع الوقت نكتشف أنها ليست موجودة.
وبالرغم من محاولات ابنته الثانية "آن" أن تجد حلا لوالدها من خلال إحضار ممرضه للعناية به، يمر الوقت وتجد نفسها عاجزة امام فهم والدها الذي لا يريد لأحد الإعتناء به.
فوضى جيدة الصنع
تسيطر الفوضى على احداث الفيلم، ولكها فوضى خلقها السيناريو من أجل إظهار الحالة التي وصل لها الأب، والمشاعر المقدة التي يعيشها بين احداث وقعت في الماضي وحداث في الحاضر، وأحداث حقيقية واحداث غير حقيقية.
فسنجد أنه أحيانا يصر على وجود حدث مثل زواج ابنته وسفرها غلى فرنسا، ولكن مع مرور الأحداث تنكر ابنته آن" أنها متزوجة .
ويظهر ذلك أيضا في شخصية الممرضة التي يشبهها بابنته الثانية، ولكن نكتشف أنها تحمل ملامح أخرى فهو من رسم ملامحها في خياله.
ممثل يتحدى الزمن
استطاع البطل النجم "أنتوني هوبكينز" أن منح الشخصية الكثير من المشاعر بأحيانا يتصرف وكأنه طفل صغير يحتاج إلى الإهتمام ويخشى أن ينتهي الحال به في دار للمسنين، وأحيانا نشعر وكأنه في كابوس يحاول التخلص منه بمرور الوقت.
ويعتبر "انتوني" أكبر ممثل يترشح للأوسكار في التاريخ عن عمر يناهز الـ83 عاما، وليست هذه المرة الأولى التي يترشح لها الممثل المخضرم فسبق وترشح أربع مرات للأوسكار،وفاز بها من قبل.
الأبناء وفوضى العاطفة
تقع الابنه في التي تؤدي دورها بجدارة الممثلة التي حصلت على الاوسكار من قبل "اوليفيا كولمان" وتنافس على أفضل ممثلة مساعدة هذا العام في حيرة بين استكمال حياتها في باريس ومشاعر الشفقة التي تشعر بها اتجاه والدها.
وتمثل "أوليفيا" مشاعر الأنانية أيضا التي يحمها بعض الأبناء اتجاه الأباء هو لا يحتاج لممرضة بل يحتاج إلى مشاعر ابنته وشعور الاهتمام به، فالابنه تعيش حالة من الفوضى عاطفية قبل انتقالها الوشيك إلى باريس.
المكان
بالرغم من أن أحداث الفيلم تقع في مكان واحد إلا أن المخرج ، استطاع أن يوظف المكان مع حالة شخصية الاب الذي يفقد ذاكرته، فالمكان بالرغم من صغره إلى أنه كبير في عقل البطل بسب تغير ملامح المكان باستمرار.
الجمهور يعيش التجربة
الفيلم لا يحمل فقط تجربة درامية مميزة من وراء الشاشة بل يستطيع أن يخترق عواطف المشاهد ويجعله يعيش هذه التجربة .
وهذا ما أكده صناع الفيلم عندما قالوا :"لم تكن الفكرة أبدًا مجرد سرد لقصة عن الخرف من الخارج بل فرصةلتجربة الجمهور لمراحل وعلامات التقدم في السن ، كما لو كانوا في رأس الشخصية الرئيسية".
وينجح الفيلم بوضع الجمهور في حالة من التعاطف المؤثر، بدخول ذهن رجل يعاني من الخرف ، وكيف يمكن أن يؤدي رفضه المساعدة إلى تمزيق عاطفي لمن هم أقرب إليك.
كل ما يشاهده المتلقي يأتي من وجهة نظر العجوز، كيف يعتقد "أنتوني" أنه مر بموقف معين، ثم اكتشافنا لعدم حدوثه قد يجعلنا تشعر بالإحباط، وبذلك نعيش شعور مشابه لشعور الشخصية التي تكتشف مع كل موقف أنها تفقد ذاكرتها.