لماذا اختارت 22 مليون أسرة مشاهدة «أسرار مقابر سقارة»؟

الفيلم الوثائقي "أسرار مقابرة سقارة"

التاريخ الفرعوني وأسرار القدماء المصريين عالم مليء بالغموض والعظمة والأسرار ويثير فضول الكبار والأطفال حول العالم، ورغم وجود مئات الكتب والصور فإن كل ذلك لا يضاهي التواجد وسط عبق التاريخ الذي يقطع السائحون آلاف الأميال ليشاهدوا تلك الحضارة عن قرب.

 

ومع انتشار جائحة فيروس كورونا عبر العالم، تأثر القطاع السياحي بشدة، وأدى "كوفيد 19" إلى انكماش الحركة السياحية، فخلال عام الجائحة حقق هذا القطاع  إيرادات بقيمة 4 مليارات دولار (مقارنة بـ13.03 مليارًا عن الإيرادات المحققة في العام 2019)، وكانت بداية عام 2020 مبشرة باستقبال 2 مليون سائح في الربع الأول من العام لكن الجائحة ضرب السياحية، بعدما بلغ عدد السياح عام 2019 حوالي 13 مليون سائح، وذلك وفق مستشار وزير السياحة والآثار والمتحدث باسم الوزارة، سها بهجت، في تصريحاتها لموقع "سكاي نيوز عربية".

ووسط العزلة التي فرضها كورونا، والحد من السفر حول العالم، كانت الحضارة المصرية حاضرة بقوة من خلال الفن، وتصدر الفيلم الوثائقي "أسرار مقابر سقارة" الذي يعرض عبر "نتفليكس" ليصبح من أكثر 5 أفلام وثائقية مشاهدة في تاريخ المنصة.

أصبح فيلم "أسرار مقابر سقارة" حديث العالم، واصطحب 22 مليون أسرة في جميع أنحاء العالم، في رحلة عبر آلاف السنين في الماضي السحيق، وأجواء فرعونية مليئة بالكثير من الأسرار والغموض، وقدم نظرة فريدة غير مسبوقة عن حياة وموت أحد رجال مصر القديمة وأسرته.

 

غموض مذهل

الفيلم الذي أخرجه جيمس توفيل، وبدأ عرضه عبر منصة "نتفليكس" في 28 أكتوبر 2020، يدور حول توثيق فريق من الأثريين الذين ينقبون عن سراديب وممرات، ومقابر، وغرف دفن لم يتم اكتشافها من قبل، ليزيح النقاب عن أهم اكتشاف أثري تشهده مصر منذ حوالي ٥٠ عامًا.

 

وعرض الفيلم عملية اكتشاف مقبرة كاهن الدولة القديمة واح - تي، والتي لم يتم فتحها طوال ٤٥٠٠ عام، و٥ غرف دفن أخرى، مما يفصح عن غموض تاريخي مذهل، ويوثق اكتشاف مقبرة "فريدة من نوعها" بعثت من تحت الرمال فى موقع أثرى بمنطقة سقارة المصرية.

 

فيلم "أسرار مقبرة سقارة" إخراج جيمس توفيل، وقام بالإنتاج التنفيذي كل من ريتشارد برادلي وكاترينا توروني، وإنتاج Lion Television وAt Land Productions.

 

 

مغامرة تاريخية

 

"مثل كثيرين آخرين كنت دائما مفتوناً بتاريخ وثقافة القدماء المصريين".. بهذه الكلمات تحدث جيمس توفيل، مخرج وثائقي "أسرار مقابر سقارة" عن كواليس تصوير الفيلم.

وقال توفيل، إن فرصة العمل على فيلم "أسرار مقابر سقارة" كانت مميزة، وزاد شغفه وانبهاره عندما بدأت رحلة البحث والتحضير للفيلم، لتكن المفاجأة في الكم الهائل من المعلومات التي لا نزال نجهلها عن هذه الحضارة العظيمة.

وأشار إلى أن لا شئ يفوق شعور أن يتواجد فريق التصوير في المكان والوقت المناسب لتسجيل اللحظات الأولى من اكتشاف مقبرة "واح- تي" في موقع سقارة الأثري في مصر وتوثيق تلك الرحلة التاريخية المثيرة.  

وأوضح أنه منذ البداية، كان اتخاذ القرار لتصوير هذا الفيلم الوثائقي في حد ذاته هو مخاطرة كبيرة لكل شخص يشارك في هذا العمل، والتي تحولت الى تجربة ومغامرة تاريخية ملحمية وتجاوزت جميع التوقعات.

 

 

واستطرد قائلًا: "لا نستطيع أن ننكر أننا كنا محظوظين منذ بداية رحلة تصوير الفيلم حتى نهايته، خاصة أنه في علم الآثار، واعتدنا على العمل الشاق لأسابيع طويلة قبل العثور على أي شيء، واحتمالية انتهاء العمل بلا أي اكتشاف هو أمر وارد بشكل كبير".

 

وتابع: "لكن في هذه المهمة الأثرية، كان هناك اكتشاف جديد ومذهل يظهر لنا 30 ثانية تقريباً  دون أدنى مبالغة، وكنا محظوظين أن نلتقط ونوثق تلك اللحظات التاريخية الهامة ومشاركتها مع العالم".

 

وأكمل: "في خلال رحلة التصوير، تمكنا من اكتشاف المقبرة القديمة الأوسع حيث دفن قدماء المصريون موتاهم على مدى سنوات وكان هذا من خلال اكتشاف جبانات مليئة بالحيوانات المحنطة، والمومياوات البشرية التي لا تزال داخل التوابيت بالنقوش والألوان الزاهية كما لو كانت جديدة". وأشار إلى  أنهم عثروا على مقبرة "واح- تي" محفوظةً بشكل مبهر إلى جانب 55  تمثالأ منحوتًا في الجدران، لتصبح أكبر مقبرة مزينة تم العثور عليها في هذه الجبانة الملكية.

أول أسـد

 

وسرد كاشفًا كواليس التصوير: "عثرنا على العديد من القطع الأثرية الجنائزية بما في ذلك مجموعة نادرة كاملة من إحدى الألعاب الفرعونية (المعروفة باسم سينيت) وهي نوع من الألعاب اللوحية القديمة التي مارسها قدماء المصريين بالإضافة إلى اكتشافنا إلى أكثر من 3000 قطعة أثرية نادرة من الممالك القديمة والحديثة والمتأخرة.  

وتابع: "ثم كان لنا شرف استكشاف غرف الدفن لكاهن الدولة القديمة "واح- تي"، وكان تصوير استكشاف مقابر من عهد الدولة القديمة فرصة ذهبية لأي صانع أفلام".

وعن أروع اللحظات التي مر بها مخرج الفيلم، لفت إلى أنها لحظة تسجيل اكتشاف أول مومياء لشبل أسد محنط على الإطلاق - والذي تصدر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم-، ومشاهدتها وهي تخرج من باطن الأرض من عمق حوالي 11 متر مغطاة بالرمال.

 

 

ممتنون لأحفاد الفراعنة

 

ويواصل جيمس توفيل، حديثه عن مراحل اكتشاف المقبرة وتصوير الفيلم قائلًا: "من بين الأشياء الرائعة التي حدثت أثناء العمل على هذا الفيلم هو فرصة التعرف عن قرب على الفريق الذي عمل على هذا المشروع بأكمله، وإبراز مهارة وتفاني الفريق المصري الموهوب، بقيادة عالم المصريات الدكتور محمد محمد يوسف، والدكتور صبري محي الدين فرج ورواية قصصهم، و الأدوار التي يلعبونها في هذا الاكتشاف العظيم، بداية من مدير الحفريات إلى عالمة الأنثروبولوجيا التي تعمل على إعادة تجميع الهياكل العظمية، وصولاً إلى رئيس عمال الحفر والتنقيب".

 

وتابع: "فقد جمع هذا الفريق أسرار أهم الاكتشافات التي حدثت في مصر بينما يصطحبون الجمهور في رحلة عاطفية ووجدانية، أثناء التنقيب عن قصص أسلافهم من قدماء المصريين، وكان من المهم بالنسبة لنا أن يروي المصريون قصصهم أمام الكاميرا وأن يتحدثوا عنها بلغتهم العربية، والكشف عن أسرار القدماء المصريين والتي وصفها الدكتور مصطفى الوزيري، أمين عام المجلس الأعلى للآثار "أهم ما توصلت إليه مصر منذ ما يقرب من 50 عامًا".

 

ووصف هذه التجربة بأنها تجربة غير قابلة للنسيان، مضيفًا "نحن ممتنون لأحفاد الفراعنة الذين اكتشفوا المملكة القديمة لأول مرة، وممتنون أيضا لمن تعرفوا على أشياء جديدة من خلال هذا الفيلم.  

وأكمل: "أصبحت هذه الرحلة مجزية للغاية بعد أن انضم إليها الكثيرون من مشتركي واحدة من أهم المنصات العالمية، ففي الأسابيع الأربعة الأولى، اختارت 22 مليون أسرة في جميع أنحاء العالم مشاهدة "أسرار مقابر سقارة" واصطحبنا من خلاله  المشاهدين في رحلة بصرية ممتعة عبر العديد من العصور في تاريخ مصر القديم.

 

 

مرة واحدة في العمر

 

 

وترى الدكتورة سليمة إكرام؛ أستاذ علم المصريات بالجامعة الأمريكية في القاهرة، أن هذا الاكتشاف يحدث مرة واحدة في العمر، ويسهم في تغيير طريقة تفكيرنا في التاريخ الفرعوني، والثقافة، والاقتصاد والممارسات الدينية لمصر القديمة".

 

وقالت الدكتورة أميرة شاهين أستاذ أمراض الروماتيزم بكلية طب جامعة القاهرة، "وجدنا داخل مقبرة رئيس الكهنة وعائلته، العظام المتمددة لعائلة كاملة بما فيها الأطفال الصغار ويعد هذا اكتشاف آخر جديد، مما يشير إلى احتمالية أن تكون العائلة بأكملها قد ماتت من وباء، على الأرجح الملاريا، مشيرة إلى أنه إذا أمكن إثبات هذه النظرية، ستكون هذه أول حالة موثقة للملاريا منذ أكثر من ألف عام".

 

 

وصور الفيلم الوثائقي "أسرار مقبرة سقارة" في منطقة سقارة الأثرية قرب القاهرة، وعلى بعد أقل من كيلو ونصف الكيلو من هرم زوسر المدرج، أحد أقدم الآثار الحجرية على وجه الأرض.

 

يعرض الفيلم الوثائقي عالميًا عبر منصة نتفليكس في 190 دولة بأكثر من 30 ترجمة، إضافة إلى الدبلجة باللغة الإنجليزية.

 

مقالات متعلقة