بينما كان عمال قناة السويس يعافرون ويواصلون الليل بالنهار من أجل تعويم تلك السفينة البنمية الجانحة التي استقرت بعرض المجرى الملاحي الاستراتيجي، صبيحة الثلاثاء قبل الماضي، باستخدام الكراكات تارةً والقاطرات تارةً أخرى وإزالة التكيسات الرملية والتنقل ما بين الخطة الأولى والثانية ووضع ثالثة، كان هناك جندي آخر مجهول يبعد 384 ألف و400 كم عن الأرض .. يعمل في صمت، حيث كان بمثابة مرشد ودليل لعمال القناة للأوقات الانسب للعمل وأحد ابطال تعويم السفينة البنمية العملاقة "إيفر جيفن"..
ففي الوقت الذي لم يدخر عمال قناة السويس جهدًا من أجل إنجاز المهمة بنجاح لوقف نزيف المليارات وفتح الممر الملاحي في ملحمة شهدها العالم، كان ذاك الجندي في السماء يقوم بعمل لا يقل أهمية عنهم من خلال ظاهرة طبيعية تحدث عبره حيث يرتفع فيها منسوب المياه في أوقات بعينها وهو ما ساعد في عملية التعويم بصورة كبيرة خاصًة في الساعات الأخيرة.
القمر يمنح "القناة" قُبلة الحياة
إننا هنا نتحدث عن "القمر"؛ فعلى مدار أيام الأزمة الـ 6 كانت تتردد عبارة فيما معناها "ننتظر ساعات المد" لمحاولات تعويم السفينة العملاقة التي يبلغ طولها نحو 400 متر ويزيد ارتفاع عن الخمسين مترًا حيث تحمل على متنها نحو 18 ألف حاوية بسعة قصوى تصل إلى 20 ألف حاوية..
ولكن كيف كان للقمر دورًا في تلك المحنة الصعبة؟؛ فالمد والجزر هي ظاهرة طبيعية من مرحلتين تحدث لمياه المحيطات والبحار، ففي مرحلة المد يرتفع منسوب مياه سطح البحر، أما في الجزر فيحدث العكس.
خلال اليوم يحدث المد والجزر في بعض المناطق مرتين كل 12 ساعة لأن أجزاء سطح الأرض تمر أثناء دورتها أمام القمر فيحدث المد في الأماكن المواجهة للقمر، ثم لا يلبث أن يحدث الجزر عندما تبتعد عن هذه الأماكن.
ووفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)يكون المد والجزر في أقصى درجاته عندما تتوافق الأرض مع كل من الشمس والقمر، وعندما يكون هناك قمر كامل أو قمر في طورته الجديدة، فإن جاذبيته تضيف قوة لجاذبية الشمس، ما يؤدي إلى المد والجزر الأكبر، للمزيد اضغط هنـا
وتزامنًا مع نجاح عملية التعويم غردت الإدارة عبر صفحتها قائلة: "أخبارسعيدة للجميع؛ ساعد أسطول من القاطرات جنبًا إلى جنب مع ارتفاع المد الليلة الماضية من سوبر وورم مون في تحرير EverGivenShip التي تسد قناة السويس".
Good news, everyone! A fleet of tugboats along with last night's high tide from the Super Worm Moon helped free the #EverGivenShip blocking the #Suez Canal.#NOAA20's Day Night Band imagery shows the large backup in the Red Sea and Bitter Lake. More: https://t.co/es6h8X8C1U pic.twitter.com/danFu4Be4y
— NOAA Satellites (@NOAASatellites) March 29, 2021
ففي ليلة 28 مارس زين القمر العملاق "القمر الدودة" السماء؛ فكان بمثابة فرصة جيدة لتعويم السفينة الجانحة، حيث كان قريبًا نسبيًا من الأرض، ووصل إلى اقرب نقطة له يوم الثلاثاء الموافق 30 مارس، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، حيث أفادت أن هذه العوامل تعني أن القمر اصطف بالفعل ليمنح "إيفر جيفين" دفعة، وربما شهدت قناة السويس مستويات مياه أعلى بحوالي 18 بوصة (46 سم) من المعتاد.
ففي 29 مارس تم الإعلان عن نجاح عملية تعويم السفينة الجانحة إيفر جيفن، بعد عمليات التكريك والقطر واختيار اوقات ارتفاع منسوب المياه التي ساعدهم فيها القمر.
ملحمة عُمالية وقمر يضع لمسته الأخيرة
وهو ما أشار له الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، أكثر من مرة خلال الأزمة لافتًا أن جهود تعويم سفينة الحاويات البنمية العملاقة EVER GIVEN مستمرة على مدار الساعة من خلال القيام بأعمال التكريك نهارا، وعمل مناورات الشد بالقاطرات في أوقات تتلائم مع ظروف المد والجزر.
وفي الساعات الأولى من صباح الاثنين الماضي؛ أعلن رئيس هيئة قناة السويس، بدء تعويم سفينة الحاويات البنمية الجانحة EVER GIVEN بنجاح بعد استجابة السفينة لمناورات الشد والقطر حيث تم تعديل مسار السفينة بشكل ملحوظ بنسبة ٨٠% وابتعاد مؤخر السفينة عن الشط بمسافة ١٠٢ متر بدلا من ٤ أمتار.
ولفت إلى أن المهمة ستكتمل مع ساعات ارتفاع منسوب المياه إلى اقصى ارتفاع له في الفترة من الحادية عشرة والنصف صباحًا ليصل إلى مترين بما يسمح بتعديل مسار السفينة بشكل كامل، لتصبح بمنتصف المجرى الملاحي، وهو ما يحدث بفعل القمر.. وبالفعل تمت عملية التعويم بنجاح..
الدكتور ياسر عبد الهادي الأستاذ بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، قال في تصريحات له لـ "وكالة أنباء الشرق الأوسط" إن القمر هو الأقرب إلى الأرض من الشمس، لذلك فإنه رغم صغر حجمه، فإن تأثير جاذبيته على مياه البحار والمحيطات مرتفع.
وبحسب وكالة أش أ؛ فإن موقع "ساينس لايف" ذكر أن تلك الحادثة لم تشغل أهل الأرض فقط، بل وصل صداها إلى الفضاء على بعد 250 ميلاً (400 كيلومتر) فوق الأحداث، حيث توجد محطة الفضاء الدولية، وقام رائد الفضاء الروسي سيرجي كود - سفيرشكوف، الذي يعيش ويعمل في المختبر المداري منذ أكتوبرالماضي، بمشاركة الصور الملتقطة من موقعه المداري لـ "إيفر جيفن".
Одна из самых обсуждаемых новостей за последние несколько дней: происшествие в Суэцком канале. Огромный контейнеровоз #EverGiven сел на мель и заблокировал канал. Сейчас прикладываются все усилия, чтобы снять корабль с мели, и восстановить судоходство. Вот так это выглядит с МКС pic.twitter.com/ch7Gs6Mw8H
— Sergey Kud-Sverchkov (@KudSverchkov) March 27, 2021
البداية
إيفر جيفن هي سفينة عملاقة، تحمل علم بنما، يتم تشغيلها بواسطة شركة النقل البحرية التايوانية "إبفرجرين" تم تصنيعها عام 2018، انطلقت في رحلة تجارية تشمل 5 دول، بدأتها من الصين وكان من المقرر لها الوصول إلى ميناء روتردام الهولندي في 31 مارس الجاري فسرعتها القصوى تصل إلى 181 كم في الساعة، إلا أنها أثناء عبورها من قناة السويس جنحت عن مسارها وتسببت في قطع الطريق أمام القوافل خلفها لنحو 6 أيام..
وقع الحادث صباح الثلاثاء قبل الماضي وارجعته هيئة قناة السويس في البداية بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظرًا لمرور البلاد بعاصفة ترابية، بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة، مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها، بحسب البيان الصادر عن الصفحة الرسمية لقناة السويس حينها.
وعن ملابسات واقعة جنوح السفينة البنمية، أوضح الفريق أسامة ربيع، رئيس قناة السويس، أن السفينة البنمية EVER GIVEN عبرت قناة السويس يوم الثلاثاء الماضي ضمن قافلة الجنوب المتجهة من السويس إلى بورسعيد وسبقها في العبور إثنى عشرة سفينة، كما عبرت في ذات اليوم، من قافلة الشمال ٣٠ سفينة وتوقفت السفن للانتظار ببحيرة التمساح ومنطقة البحيرات، لافتا إلى أن إجمالي عدد السفن المنتظرة في مناطق الانتظار حتى الجمعة الماضية بلغ ٣٢١ سفينة يتم تقديم لهم كافة الخدمات اللوجيستية.
وأوضح رئيس الهيئة أن الحادث وقع في بداية المدخل الجنوبي للقناة وليس بقناة السويس الجديدة، بل على النقيض لم تكن لتتوقف حركة الملاحة بالقناة إذا حدثت في قناة السويس الجديدة.
وأكد على أنه لا يمكننا الجزم بالأسباب المؤدية للحادث بشكل واضح، حيث تظل مثل هذه الحوادث الكبيرة حوادث مركبة لها أكثر من عامل ويظل عامل الطقس السيئ مجرد عامل مساعد وليس العامل الرئيسي لاسيما وأن الملاحة في قناة السويس تنتظم بشكلها الطبيعي حتى خلال موجات الطقس السيئ.
ليس القمر وحده صاحب الانجاز
وكانت نتائج أعمال التكريك حتى ساعات ما قبل نجاح التعويم بواسطة الكراكة مشهور إحدى كراكات الهيئة بلغت ٢٧ ألف متر مكعب من الرمال، على عمق وصل إلى ١٨ مترا، كما تمت مناورات الشد تمت بواسطة ١٢ قاطرة من ثلاثة اتجاهات مختلفة، حيث قامت القاطرتان بركة ١ وعزت عادل على شد مقدمة السفينة، فيما دفعت ٦ قاطرات أخرى مؤخرة السفينة جنوبا، وأربع قاطرات أخرى قامت بشد مؤخر السفينة جنوبا، وتم تكثيف العمل لإزالة تكسيات القناة و التكريك بمحيط مقدمة السفينة الجانحة لتسهيل عملية تعويمها أثناء مناورات الشد.