في الذكرى الأولى لوفاته..
«كرويف».. متمرد سحر الكرة لاعبًا ومدربًا
«قررت أن أصبح مدربًا فقط حينما قيل لي أنت لا تصلح لذلك»، مقولة للأسطورة الهولندي يوهان كرويف تلخص 68 عامًا عاشها مؤسس الجيل الذهبي لبرشلونة الإسباني والذي تمرد على قواعد كرة القدم ونواميس الحياة.
طفلٌ صغيرٌ لا تشير ملامحه ولا نحافة جسده ولا قدراته البدنية الهزيلة على شيء، بعمر 15 عامًا لم يكن قادرًا على ركل الكرة لـ 15 مترًا بقدمه اليسرى أو 20 مترًا بقدمه اليمنى ولكنّه لم يستسلم وقرر التمرد على بدنه متسلحًا بعقله.
لم يتمرد فقط على قدراته، ولكنّه أعلن العصيان على قوانين الاتحاد الهولندي وارتدى القميص رقم 14 رغم أنّه لم يكن يسمح للاعبين بارتداء أي رقم سوى بين 0 و11، لكنّه لم يستمع ولم يتبع، وهكذا كان ديدنه دائمًا.
تألق في مسيرته الأولى مع أياكس، وبعيدًا عن البطولات التي حصدها، إلا أنّه عاد للتمرد مجددًا على ما اعتبره البعض وقتها «إحدى نواميس كرة القدم» في 1970 بتسجيله 6 أهداف في مباراة واحدة فقط ضد ألكمار بالدوري الهولندي في المباراة التي انتصر فيها فريقه بنتيجة 8-1 ليكون أول لاعب في الدوري يقوم بأمر كهذا.
وفي 1974، وتحديدًا في كأس العالم، أظهر كرويف وجهّه الحقيقي ليصبح بعد البطولة «بيليه الأبيض» بعدما قاد بلاده للفوز على الأرجنتين برباعية نظيفة سجل فيها هدفين، ثم ساهم في انتصار الطواحين على ألمانيا الشرقية بثنائية وبعدها سجل هدف الفوز على البرازيل، ليصل للنهائي ويخسر بلاده بنتيجة 2-1 من ألمانيا الغربية ويضيع اللقب.
ولكن ما قدّمه الطواحين الهولندية بقيادة كرويف في الملعب و رينوس ميتشيلز مدربًا فنيًا، مبتدع ما عُرف باسم "الكرة الشاملة"، ونجح فيها مع أياكس ثم منتخب هولندا.
فالكل يتحرك في وقت واحد على أن يكون محور الفريق في خط الوسط بقيادة كرويف الذي انتقل أيضًا في الأطراف ليخلل دفاعات المنافسين، وكانت مباراة البرازيل هي الأبرز في ذلك.
شاهد تحليل لأداء منتخب هولندا ضد البرازيل
«كنت أحرص دائما على لعب الكرات الأمامية لزملائي، فإذا عادت الكرة لي من جديد، حينها سأكون أنا اللاعب الوحيد غير المراقب في الملعب» - كرويف.
ومع هذا التألق، وجد كرويف عرضًا من إسبانيا في 1973 وبالتحديد من ريال مدريد، وافق عليه نادي أياكس وكانوا متحمسين لبيع اللاعب للنادي الملكي، لكنّه عاد وتمرد.
رفض كرويف الانتقال لريال مدريد صاحب البطولات الست في دوري أبطال أوروبا مقررًا الانضمام لمنافسه التقليدي نادي برشلونة من مقاطعة كتالونيا بصفقة بلغت 6 مليون يورو، ويصبح أغلى لاعب في التاريخ وقتها.
وفي موسمه الثاني، نجح كرويف في قيادة برشلونة لحصد لقب الدوري الغائب عن خزائنه لمدة 18 عامًا.
«إن كان سعر انتقال جاريث بيل وكريستيانو رونالدو 100 مليون يورو، فهذا يعني أن كرويف يستحق مبلغ مليار يورو» فرانز بيكنباور في 2014
وحينما ينضم لاعب متمرد لنادي ثائر فمن الطبيعي أنّ يتشاجر مع الأمن ويختلف مع الأنظمة ويعارض الحكام والقوانين.
وكان الظهور الأبرز للمتمرد كرويف في 9 فبراير 1975 أثناء مباراة فريقه ضد مالاجا في المباراة التي انتهت بخسارة الكتلان بنتيجة 3-2 حينما احتسب الحكم هدفًا لصالح النادي الأندلسي من تسلل فرفض كرويف واتجه لحكم الراية معترضًا.
حاول حكم المباراة تهدئة كرويف لكنه فشل فقرر ممارسة صلاحيته بإشهار البطاقة الحمراء في وجه اللاعب الهولندي، فرفض كرويف الخروج من أرض الملعب.
لم يجد الحكم طريقًا سوى مطالبة قوات الأمن باقتحام ملعب "كامب نو" لإجبار كرويف على الخروج من المباراة.
وفي 1978 قرر كرويف اعتزاله كرة القدم بصورة مفاجئة، وكشف بعد ذلك أنّه اتخذ هذا القرار بعد منعه من السفر للأرجنتين ليلعب كأس العالم بعد تلقيه تهديدات بالقتل في حالة مشاركته، فقرر إنشاء مزرعة لتربية الخنازير والابتعاد عن اللعبة خوفًا على أهله.
وبعد عام، خسر كرويف من مزرعة الخنازير فقرر الانتقال للولايات المتحدة لتعويض خسارته المالية في نادي لوس أنجلوس أزيتكس بعمر 31 عامًا.
ولكنّه كعاشق لكرة القدم لم يجد متعته في أمريكا، فعاد لنادي ليفانتي الإسباني ثم انتقل لفينورد الهولندي ليعلن اعتزاله كرة القدم عام 1984.
«لعب الكرة أمر بسيط للغاية، ولكن لعب كرة بسيطة أمر معقد للغاية» - كرويف
"ولم تكن هذه النهاية، بل البداية"
أنهى كرويف علاقته بكرة القدم لاعبًا، ولكنّه عاد في صورة مدربٍ اكتشف المواهب في نادي أياكس وصعد دينيس بيركامب وماركو فان باستن وغيرهم.
وفي 1988 عاد لبرشلونة مدربًا ليستفيد من أكاديمية اللاماسيا الخاصة بالفريق ويطور مستواه، فاستعان بعدد من الناشئين أبرزهم بيب جوارديولا واشترى عددًا من المواهب أبرزهم رونالد كومان وروماريو ومايكل لاودروب وغيرهم.
وعاد لكرويف روح الثورة من جديد، ولكنّ في صورة المتمرد على قواعد كرة القدم، ليستعين بخبراته كلاعب في تأسيس الجيل الذهبي للبارسا مستخدمًا أسلوب لعب 3-4-3.
لم يكن إنجاز كرويف الحقيقي في حصد لقب دوري أبطال أوروبا الأول لبرشلونة في 1992، ولا تحقيق الدوري الإسباني 4 مرات متتالية، ولكن في إنشائه لأسلوب "تيكي تاكا" مستمدًا من فكر "الكرة الشاملة" وتطوير مدرسة "اللاماسيا" التي كانت مرجعًا للفريق بعد ذلك.
من اللاماسيا خرج كارلوس بويول وتشافي هيردنانديز وأندريس إنيستا وليونيل ميسي وجيرارد بيكيه وسيرجيو بوسكيتس وغيرهم من المواهب التي غيرت وجه الكرة تحت قيادة مدرب - تخرج أيضًا في اللاماسيا- وتتلمذ على يد كرويف، بيب جوارديولا، في الجيل الذهبي الثاني للنادي الكتالوني في 2009.
واعتزل كرويف التدريب عام 1997 بسبب مرضه ولكنّه عاد ليدرب منتخبًا غير معترف به من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" وهو المنتخب الكتالوني عام 2009 لينتصر بهم على منتخب الأرجنتين بنتيجة 4-2 قبل ترك المجال نهائيًا في 2013.
كرويف عاش متمردًا على قوانين كرة القدم، فأبدع كلاعب وحصل على الكرة الذهبية 3 مرات في 1971 و1973 و1974 واختير في التشكيل المثالي لكأس العالم في القرن العشرين، ووضعه بيليه في قائمة المائة لأفضل 125 لاعبًا في القرن الماضي.
كما أنّه أنشأ حركة سميت باسمه «مراوغة كرويف» بعدما قدمها لأول مرة ضد السويد في كأس العالم 1974.
ولم يتوقف عند هذا الحد، ولكنّه أعاد استنساخ أسلوب "التيكي تاكا" من طريقة "الكرة الشاملة" كمدرب ليقود ثورة خلفت تأثيرًا حتى وقتنا الحالي.
كرويف حصل أيضًا على لقب أفضل مدرب في العالم عام 1987 واختارته صحيفة "دون بالون" الإسبانية كأفضل مدرب في 1991 و1992، كما أنّه بين أفضل 10 مدربين في أوروبا على مدار التاريخ في قائمة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا".
لم تهزم الكرة التقليدية كرويف، ولم يتأثر بالتهديدات - إلا قليلًا-، ولم ينتهي حينما خسر أمواله، ولكن قتله السجائر لتوقف مسيرته في الحياة لكنها لم تمحي بصمته، فقد كان محقًا حينما قال: "التدخين حرمني من كل ما أعطتني إياه كرة القدم".
وفي 24 مارس عام 2016، أنهال التراب على جسد "الأب الروحي" لبرشلونة ولكنّ الكرة جعلته "مخلدًا للأبد".