في أروقة المدربين| ليوناردو جارديم.. الاختلاف والتأقلُم طريقك إلى القيادة
داخل هذا الرواق، أبهر ميتشلز الجميع بكرته الشاملة وبذات الرواق سار كرويف على نهجه، في ذلك الرواق حاصر إيلينو هيريرا الجميع بالكاتيناتشو، وفي نفس الرواق أبدع تشابمان بالـ"WM".
ذاك الرواق شهد تفكير بيب العميق قبل دفعه بميسي كمهاجم وهمي وإبهار التيكي تاكا، وبهذا الرواق حسم كونتي قراره بالعودة إلى خطته المفضلة "الثلاثي خلفي"، ذات الرواق الذي شهد على أمجاد فيرجسون والأجيال التي عاصرها فينجر.
"ستاد مصر العربية" يصحبكم في أروقة المدربين.
الحلقة السادسة
يقولون دائما أن أحداث التاريخ متشابهة، وأنها تتكرر دوما بين الحين والآخر، لذا وفي سن صغير ودون أن تلامس قدميه الكرة على العشب الأخضر بدأ الشاب البرتغالي مسيرته التدريبية، قرر أن يصبح مدربا بعد ما يقرُب من مرور 25 عاما على الوقت الذي بدأ فيه شابٌ إيطالي يُدعى أريجو ساكي مسيرته التدريبية بطريقة مشابهة، أو "فارسٌ لا يحتاج لأن يكون فرسًا" كما قال الأخير للرد على كونه لم يكن لاعبا من قبل.
في مدينة برشلونة، ولكن ليست تلك التي بها "كامب نو" وإنما أُخرى فنزويلية حيث الأراضٍ المرتفعة عن سطح البحر، ولد جوزيه ليوناردو نونو ألفيش سوزا جارديم، لأبوين برتغاليين قبل أن يعود إلى بلده الأم في سن صغير، حيث جزيرة ماديرا التي أخرجت مواهب بحجم كريستيانو رونالدو وباولو أسونساو وروبن ميكائيل.
قرر جارديم في عمر الـ19 عاما أن يبدأ أولى خطواته التدريبية، وتولى تدريب أحد فرق جزيرة ماديرا (فريق "سانتاكروزينسي") تحت 13 عاما، ثم تدرج بين فرق المدينة حتى أصبح مساعد مدرب الفريق الأول لفريق كاماتشا في عمر الـ21 عاما، وأخيرا مهمته كرجل أول في عمر الـ27 عاما.
البداية الحقيقية
عن هذه البداية في سن صغير يحكي جارديم: "تلك السن الصغيرة جعلتني أملك 15 عاما من الخبرة. الخبرة تختلف عن المعرفة، الخبرة تظل خبرة، الأمر يختلف عن المعرفة، الخبرة تساعدك على اتخاذ قرارات أفضل وأخطاء أقل، هذا ما تفعله الخبرة، تجعلك تتطور".
ولكن كان هناك عقبة أمام المدرب الشاب، ألا وهي التعامل مع اللاعبين الذين يكبروه في العمر، ويوضح جارديم: "عندما بدأت كان حارس المرمى 39 عاما، والمهاجم 34 عاما، ولكن بأمانة لم أواجه مشاكل كبيرة، أحاول دائما ان أكون قريبا من الأحداث ومن اللاعبين".
"لذا لم أكن أسمح للمشاكل لأن تكبر، في كرة القدم كل شيء متسارع للغاية، الكرة تتعلق بالعواطف، وإذا لم تكن منتبها للتفاصيل الصغيرة حينها ستصبح مشاكل كبيرة".
الأمر الأهم دائما بالنسبة لجارديم هو أن يكون قريبا من لاعبيه، ذلك يختصر الكثير من المسافات ويساعدهم على تقبل التعليمات منه بشكل أكبر وأوضح، ولكنه لا يسمح أبدا باختلاط الأمور.
ويقول جارديم: "سر نجاحي هو قُربي من اللاعبين والطاقم، إنه أمر مهم أن تكون قريبا من كل ما يمكن أن يؤثر في الأداء، في الكفة الأخرى ذلك لا يعني أن تتمتع بعلاقات قريبة معهم، الأمران مختلفان للغاية".
"يجب أن تحافظ على المسافة، تقليلها أو زيادتها يكون مكمن الخطورة كلها، لا أؤمن أن المدرب الذي يخلق مسافة بينه وبين لاعبيه بإمكانه ان يخرج أفضل ما لديهم".
وقت الرحيل وأضواء الشهرة
بعد ثمان سنوات رفقة كاماتشا، كان جارديم قد قرر أنه حان وقت الرحيل، انتقل المدرب الشاب إلى فريق تشافيز، حيث تذوق نجاحه الأول حينما قادهم للتأهل من الدرجة الثالثة إلى الثانية، في موسمه الوحيد مع الفريق.
بعدها تولى مهمة "بييرا مار" عام 2009 ليساعدهم على الترقي من الدرجة الثانية إلى الدوري الممتاز في أولى مواسمه، ثم رحل عن الفريق في الموسم التالي بسبب النتائج السيئة، لتبدأ رحلته الحقيقية نحو النجاح.
بعد عدة أشهر قرر نادي سبورتنج براجا التعاقد مع ليوناردو في 2011، ليمضي موسما واحدا مع الفريق، قادهم فيه لاحتلال المركز الثالث، محققا 13 انتصارا متتاليا ولكن الخلافات مع رئيس النادي أجبرته على الرحيل، ليخوض تجربته الأولى خارج البلاد.
أعلن أولمبياكوس اليوناني تعاقده مع جارديم ولكن خلافا آخر مع رئيس النادي تسبب في إقالته، تاركا الفريق متصدرا للترتيب بفارق 10 نقاط ليعود إلى البرتغال مجددا رفقة سبورتنج لشبونة موسم 13/14.
حينها نجح في احتلال المركز الثاني في الترتيب خلف بورتو بعد 4 سنوات من عدم مقارعة أحد للثنائي بورتو وبنفيكا، مقارنة بالموسم الماضي الذي احتل فيه الفريق المركز السادس، قبل أن يرحل في صيف 2014 إلى موناكو.
من الخطأ أن تستنسخ قيادة الغير، كل مدرب عليه أن يتعامل بالطريقة التي تُشعره بالراحة، الحقيقة أن هناك قادة جيدين ولكن أنت لا تعرف الصورة التي خلف شخصياتهم، وإنما الصورة التي ينقلوها لك فقط".
تجارب مختلفة وخبرة القيادة
في طريقك تمر بعدة مراحل، ومن كل مرحلة تتعلم أمرا مختلفا، لتمتزج تلك الخبرات والتجارب مع بعضها البعض وتبدأ في بلورة شخصيتك وحينها تظهر القيادة، وهذا بالضبط ما حدث مع جارديم.
يؤمن جارديم أنه بدون القيادة لن يكون قادرا على فعل شيء، ويوضح: "القيادة مهمة لي ولعملي، هذه إحدى أهم مهام المدرب، يجب أن تفهم المباريات والتدريبات، والتعامل مع الجانب الطبي، والشق الإعلامي والإداري وغيرها من مهام المدرب، إذا لم تملك مهارات القيادة فمن الصعب أن تكون مدربا.. من المهم أن تنقل ثقتك إلى النادي والجماهير".
ولكن هل تأثر ليوناردو بأحد نماذج القيادة في كرة القدم؟ الإجابة لا، الاختلاف والتعدد جعلاه يرغب في نموذجه الخاص، ويسرد: "في مسيرتي تعودت أن أتأقلم مع خبرات مختلفة، فقيادة موناكو تختلف عن قيادة براجا، وقيادة سبورتنج لشبونة تختلف عن كاماتشا، لا يمكنك أن تشتري القيادة.. قيادتي هي قيادتي".
"أقرأ عن قادة آخرين، ولكن قيادتي صنعتها بنفسي، أظن أنه من الخطأ أن تستنسخ قيادة الغير، كل مدرب عليه أن يتعامل بالطريقة التي تُشعره بالراحة، الحقيقة أن هناك قادة جيدين ولكن أنت لا تعرف الصورة التي خلف شخصياتهم، وإنما الصورة التي ينقلوها لك فقط".
نظرةٌ متعمقة ومتقبِلة
يعرف جارديم أن العالم يتغير كثيرا، ربما تغير لا يُسعده ولكنه على استعداد لتقبله، كذلك هي كرة القدم أيضا متقلِبة ومتقبَلة وهو ما ساعده على فهم أكبر ونظرة أشمل.
ويشرح صاحب الـ42 عاما: "الآن بات العالم أكثر تعقيدا، باتت المعرفة أكبر على صعيد نواحٍ عدة، الناس يبحثون دوما عن معلومات جديدة، الآن لا يمكنك أن تعطي معلومات وهمية للاعبين كما كان يفعل المدربون في الماضي".
"اللاعبون الآن يعرفون الصواب من الخطأ بكل سهولة، قبل 30 عاما كان من الممكن أن يقول لك مدربا إن تلك الفاكهة سترفع من مستواك ويصبح هذا قانونا، من المهم أن نفهم الآن أنه بات هناك وسائل التواصل الاجتماعي ووكلاء".
"لكل لاعب مؤسسته من المشجعين، كل هذه مشاكل لم تكن موجودة في الماضي، فعلى سبيل المثال رادميل فالكاو يملك 12 مليون متابع على تويتر، وهو أكثر من مشجعي أندية الدوري الفرنسي كله".
التكتيك
يُفضل جارديم دائما الاعتماد على رباعي في الخلف، قد تتغير خطته في أكثر من مناسبة، ولكن يبقى الرباعي الخلفي ثابتا دائما في كل خططه.
تتراوح الخطط بين 4-3-3 و4-4-2 و4-2-3-1، في أوقات يعتمد على إغلاق المساحات والتمركز دفاعيا من أجل مرتدة سريعة تصيب أهدافها بدقة، وأحيانا أخرى ضغط عالي ورقابة لصيقة لمنع الخصم من بناء الهجمة، الأمر يتوقف على الظروف والأجواء ، هذا ما علمته الأيام لجارديم.. أن يتأقلم.
ولكن الأمر الأهم بالنسبة له هو استغلال المساحات بالشكل الأمثل، كيف تخلق المساحة؟ وكيف تتحرك إليها للاستفادة منه، هذه ببساطة اللُعبة.
استطاع جارديم أن يخلق من موناكو فريقا بارعا في التحول الهجومي الأمر يبدأ باستغلال للمساحة، تحركات مدروسة وكثافة عددية تغلفها المهارة باللمسة الجمالية.
(الصور توضح كيف يتم استغلال المساحة، ومن ثم يتواجد الدعم الهجومي المناسب والمكثف إما على الأطراف أو في عمق الملعب)
"نلعب مباريات متماسكة، نتعرض للضغط أحيانا ونسيطر أحيانا ولكننا نُظهر الطموح، نحن نبحث دائما عن هدف إضافي، هذه هي الطريقة التي نلعب بها، هذه هي الجينات التي نملكها"، هكذا يختتم جارديم حديثه.