أساطير الكرة المصرية| مختار التتش.. رائد الأهلي ومُحارب الملك
ضمن حلقات "أساطير الكرة المصرية" التي تتابع أهم اللاعبين عبر تاريخ مصر، والذين سطروا أسمائهم بحروف من ذهب في سماء الرياضة المصرية، ولا يمكن محوها عبر التاريخ.
يستعرض "ستاد مصر العربية" تاريخ أبرز اللاعبين والذين لمسوا كرة القدم وساهموا في كتابة تاريخ لشخصهم وأنديتهم منذ بداية ممارسة كرة القدم حتى الآن.
في هذه الحلقة، نستعرض تاريخ مختار التتش، أحد أهم أساطير النادي الأهلي، بالاضافة إلى حياته الكروية والمواقف التاريخية على مدار حياته.
محمود مختار رفاعي الشهير بـ"مختار التتش"، نجم النادي الأهلي والمنتخب المصري من بداية العشرينات حتى منتصف الأربعينات، ورغم صغر حجمه إلا أنه أحد أمهر لاعبي كرة القدم على مر التاريخ.
ويظل التتش رغم الرحيل رمزًا مضيئًا وعلامة بارزة في تاريخ النادي الأهلي، وتبقى روحه حاضرة في كل أركان النادي بالجزيرة؛ حيث خلد الأهلي ذكراه بإطلاق اسمه على حديقة وملعب النادي وتظل ذكراه قائمة علي كل ألسنة الجميع في ملعب الفريق الذي يؤدي مرانه عليه هو ملعب مختار التتش.
نشأته
ولد مختار التتش في الإسكندريةعام 1906، وقبل عام من نشأة كيان النادي الأهلي، وكأنهما توأم لازما بعض سويًا أبد الدهر.
أطلق عليه لقب التتش، بسبب قصر قامته الذي لم يمنعه من القفز عاليًا بخفة حركة غير مسبوقة، فأصبح التتش تيمنا باللقب الذي كان يطلق على بهلوان إنجليزي، كانت مهمته إدخال السرور على قلوب ضيوف الأسرة الملكية في قصر باكنجهام في لندن، وهو اللقب الذي أطلقه عليه اللورد لويد، المندوب السامي البريطاني.
بدأ التتش، مع المدرسة الإبتدائية، والتحق بفريقها وتوج معه بلقب كأس المدارس، ومنه إلى فريق مدرسة السعيدية الثانوية.
راقبته أعين كشافي الأهلي، وضمته للفريق عام 1922، ليصبح أحد الأعمدة الرئيسية لجيل من الأجيال الذهبية في تاريخ المارد الأحمر، حتى اعتزاله في عام 1940، وكانت أولى مبارياته مع الأهلي ضد فريق الطيران الأنجليزى، في الكأس السلطانية وفاز فيها الأهلي بهدفين مقابل هدف أحرز التتش، فيها هدف الفوز.
انجازاته
لعب مختار التتش مع النادي الأهلي ومنتخب مصر، لمدة 17 عامًا، شارك خلالها في ثلاث دورات أوليمبية، باريس 1924 وأمستردام 1928 وبرلين 1936.
وكان للتش في كل دورة أوليمبية موقفًا لا ينسى، فمع بداية أولمبياد باريس، بدأت امتحانات شهادة الكفاءة في مصر، وكان على التتش الاختيار بين أداء الامتحانات أو قيادة مصر في الأولمبياد.
وقرر التتش، تفضيل كرة القدم على الامتحانات، ولكن رفض والده بشدة خوفًا على مستقبله، فما كان من سعد زغلول رئيس الوزراء، وقتها إلا أن أصدر قرارًا بمشاركة التتش مع المنتخب، على أن يتم إرسال أوراق الامتحان إلى المفوضية المصرية في فرنسا لكى يؤديها.
أما في أولمبياد هولندا، فقد خاض التتش أروع مبارياته، وكانت ضد البرتغال، ليقود مصر للفوز بهدفين مقابل هدف، محرزًا هدفي الفراعنة، جعلت الصحف الإوروبية تشيد به والإجماع على أنه أفضل ظهير أيسر في العالم، ليتم اختياره عقب نهاية الأولمبياد ضمن تشكيلة منتخب العالم الذي واجه منتخب أوروبا وديًا، بعد أن قاد مصر لاحتلال المركز الرابع في الأولمبياد.
وفي أولمبياد ألمانيا، وبعد مستوى مبهر كعادته، اختير محمود مختار التتش ضمن أفضل 12 لاعبًا في العالم، وأفضل أربعة مهاجمين أيضا على مستوى العالم.
كان من المعروف عن التتش، ليس مهارته وموهبته فحسب، ولكن كان يُضرب به المثل أيضًا فى التزامه وانضابطه، وحبه الشديد لكرة القدم، ومن أشهر المقولات التي يرددها دائمًا، "الفريق هو من يكسب المبارة وليس اللاعب".
اعتزاله
في عام 1940، قرر مختار التتش، تعليق حذائه وإعلان اعتزاله وهو في أتم لياقة وأعلى مستوى، مسببًا صدمة لملايين الجماهير المصرية.
طالبه الكثيرون بالبقاء والاستمرار، ولجأ أصدقاؤه إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم لترجعه عن ذلك القرار، لقوة علاقتها باللاعب، وما بينهما من ود وتقدير واحترام.
تمكن التتش من إقناع أم كلثوم بوجهة نظره، ورغبته في الاعتزال وهو في أفضل حالاته وإسمه يتردد هتافًا على ألسنة الجماهير.
وعقب الاعتزال لم يبتعد التتش عن كرة القدم بشكل خاص والرياضة بشكل عام، فقد عمل مدربًا لفريق الكرة بالنادي الأهلي ثم سكرتيرًا للعبة، ومراقبًا للألعاب في النادي، ثم تولى منصب المدير العام لرعاية الشباب بوزارة الشئون الاجتمـاعية، وسكرتيرًا للجنة الأوليمبية المصرية من عام 1956 إلى عام 1959، وعضو لجنة التخطيط بالمجلس الأعلى لرعاية الشباب، ثم وكيل وزارة الشباب، وقد أشرف طوال فترة عمله الإداري على سن ووضع القوانين التي تنظم النشاط الرياضي في الأندية والاتحادات واللجنة الأوليمبية.
ومع بداية شهر أكتوبر من عام 1965، أحيل محمود مختار التتش إلى المعاش، ومنحه الرئيس جمال عبدالناصر وسام الرياضة من الدرجة الأولى اعترافا بفضله على الرياضة المصرية.
قالوا عنه
ويحكي الكاتب السيد فرج، في كتابه "رواد الرياضة المصرية "، واقعة عن مختار التتش، تبرهن على مدى موهبته وإنهاك مواجهته لخصومه بدنيا ومعنويا.
قال فرج في كتابه "كان الأهلي يستعد لمباراة هامة للغاية أمام نادي السكة الحديد، وكان أهم ما يشغل فريق السكة الحديد هو كيفية إيقاف التتش، حتى لو كلفهم هذا مراقبته بثلاثة لاعبين.
وأضاف "أحد اللاعبين ويسمى "أل"، أخطر زملائه ومدربه بأنه هو من سيتولى رقابة التتش، واعدًا بعدم السماح له بالتهديف".
وأكمل السيد فرج، "التتش أحرز ثلاثة أهداف، ما دفع "أل" للجنون،وظل يكلم نفسه بصوت عال ويقول "أل امسكه.. أل امسك عفريت! امسك جن!".
مواقف لاتنسى
ومن المواقف التي لا تنسى، والتي رُسخت في ذهن الجماهير الحمراء، بالمبادئ نسبةً إلى المواقف التي اتخذها التتش، حيث إنه في عام 1943 تلقى النادي الأهلي طلبًا من بعض القادة الفلسطنيين، من أجل ان يسافر الفريق إلي فلسطين ليلعب مبارة هناك دعمًا للشعب الفلسطيني، وتشجيع ثورته المستمرة ضد الإنتداب الإنجليزي والكيان الصهيوني، ووافقت إدارة النادي الأهلي برئاسة جعفر والي باشا، واستعدت للسفر، ولكن لمدى شعبية الأهلي، وقتها طلب الاحتلال البريطاني من حيدر باشا رئيس اتحاد الكرة، ونادي المختلط، وقتها التدخل من أجل منع الأهلي من السفر، وعندما استدعى حيدر باشا، مختار التتش كابتن الفريق وطلب منه عدم السفر إلى فلسطين، فرد عليه التتش بمقولته الشهيرة، "سنسافر يا باشا.. دعمًا لإخواننا في فلسطين".
وبالفعل جمع فريق الأهلي وسافر بصورة غير رسمية ليلبي دعوة بالمخالفة لقرار اتحاد الكرة الأمر الذي ترتب عليه شطب فريق النادي الأهلي كله، و حرمانه من المشاركة في النشاط المحلي.
وبعد عدة أشهر، قرر اتحاد الكرة العفو عن الأهلي، بشرط أن يحضر لاعبوه لمقر اتحاد الكرة، والتوقيع على اعتذار رسمي عن السفر إلى فلسطين دون موافقة اتحاد الكرة.
وأعطى التتش تعليماته للاعبين بالذهاب لاتحاد الكرة، حرصًا منه على مستقبلهم، وبالفعل ذهب الفريق كله بإستثناء فرد واحد، هو محمود مختار التتش.
وأرسل التتش، برقية إلى رئيس اتحاد الكرة محمد حيدر باشا، كتب فيها كلمات خلدها التاريخ "لقد ذهبنا إلى فلسطين في مهمة وطنية، وهو موقف من العار الاعتذار عنه. وبناء عليه فإنه لا يشرفني الإنتماء لاتحاد كرة يترأسه أمثالك".
وأصيب حيدر باشا بصدمة، ليقوم بشطب مختار التتش، دون أن يعلم أنه بذلك القرار، قام بصناعة أسطورة التتش، التي يتغنى بها جماهير الأهلى حتى الأن.
وفاته
وفي يوم 21 ديسمبر 1965، وحينما كان يجلس في الصباح بين أصدقائه داخل النادي الأهلي، الذي عاش وفيا له طيلة عمره، شعر التتش بإرهاق شديد، فتوجه فورًا إلى منزله، ليلقى أرضًا مغشيًا ويلقى حتفه.
ليسدل الستارة على أحد أفضل أساطير النادي الأهلي، خاصةً ومصر عامةً.