"الأهلي والمصري".. تاريخ من النضال الوطني تحول لحرب أهلية
للعداء بين جمهور المصري البورسعيدي والأهلي تاريخ طويل، أقدم من حادثة بورسعيد، تلك التي وقعت عام ٢٠١٢، مخلفة ٧٢ ضحية من جمهور الأهلي، ليصل الصراع إلى أوجه، وتنادي جماهير الأهلي بالقصاص من القتلة، الأمر الذي اقترب كثيرًا، بتأييد محكمة النقض، حكم بإعدام 11 شخصًا، بتهمة القتل العمد في القضية ذاتها، ليلاقي الحكم قبولًا لدى أهالي الشهداء، وعزاءً في استرداد حق ذويهم.
والخفي عن الجميع أن الأجدر على ناديي بحجم الأهلي والمصري أن يكونا على وفاق، لكونهما أصحاب تاريخ مليء بالوطنية، إلا أن الأمور أخذت منحى آخر لأسباب يحاول "استاد مصر العربية" تحليلها، خلال السطور الآتية..
صراع في الوطنية بشهادة عبد الناصر..
خرج النادى الأهلي إلى الوجود من رحم الوطنية المصرية التي قادها الزعيم مصطفى كامل، إذ تأسس في عام 1907م، بعد عامين من تأسيس نادى طلبة المدارس العليا في العام 1905م، بناءً على فكرة روج لها الوطني الكبير عمر لطفي، وإذا كان الإنجليزي ميشل أنس، هو أول رئيس لمجلس إدارته، حيث كانت مصر تحت قبضة الاحتلال البريطاني وقتها، ومع ذلك نجد الزعيم سعد زغلول أول رئيس لجمعية النادي العمومية.
ويذكر التاريخ قبول الرئيس جمال عبد الناصر الرئاسة الشرفية التي اقترحها مجلس إدارة النادي في 4 نوفمبر 1955م، وذلك تقديراً منه للدور الوطني الذى لعبه في مساندة الثورة وتدريب الفدائيين.
وتذكر سجلات النادى الأهلي، أن مجلس إدارته، أصدر في أعقاب نكسة 67، عددًا من القرارات من بينها: فرض التدريب العسكري على جميع الأعضاء الرياضيين بالنادي، وحث الأعضاء على التطـوع في أعمال المقـاومة الشعبية التي تتولاهـا الجـهات المسـئولة في البلاد، والعضوات الرياضيات على التطوع في أعمال التمريض، وغيرها، بخلاف قيام النادي بجمع التبرعات من أعضائه، وجمهور مشجعيه، لصالح المجهود الحربي، ولم يختلف الأمر كثيرًا وقت حرب أكتوبر 73.
وفي المقابل كان النادي المصري منذ نشأته في مقدمة أندية كرة القدم التي قاومت الاحتلال البريطاني لمصر، كحال النادى الأهلي، وعدد آخر من النوادي.
وتعاون المصري رفقة الأهلي والزمالك والاتحاد السكندري، و21 ناديًا آخر، راحوا طي النسيان، ولم يستطعوا الصمود لوقتنا هذا، على تعزيز دور ومكانة الاتحاد المصري لكرة القدم في عام 1921م، ليدير المصريون للمرة الأولى شئون الكرة بأنفسم دون تدخل أجنبي.
وحمل لاعبو النادي البورسعيدي وأعضائه لواء النضال الوطني في حربي 56، و 73، لدرجة أن جمال عبد الناصر كان يأتيه في أعياد النصر ليلقي خطبه الملتهبة التي كان المصريون يترقبونها.
الحكام والانحياز
بعيدًا عن الأسباب المباشرة للواقعة، مثل الشحن الإعلامي، وتواطؤ بعض المسؤولين، والتهاون الأمني، هناك أسباب غير مباشرة، تأثيرها أكبر وطأة على الأزمة بين جمهور الناديين العريقين.
ولا يخفى على القاصي والداني ذلك الشعور المتشكل لدى جمهور الأندية الجماهيرية، بخلاف الأهلي والزمالك، بالدونية، والتعرض للظلم التحكيمي أمام ناديي القمة، حتى بتنا نرى كل ناد يلاقي الأهلي والزمالك يطالب باستقدام حكم أجنبي، لتلاشي الانحياز، مما ساعد على إشعال نار الضغينة تجاه الأهلي وجمهوره بلا داع.
يُضاف إلى انحياز التحكيم الكروي/ توزيع السلطة السياسية لرعايتها على الناديين القاهريين: الأهلي والزمالك دون الالتفات لغيرهما، ما يخلق حالة من الإحباط لدى الأندية الجماهيرية التي تصارع أزماتها المادية في صمت.
الألتراس بمسمياته.. وغياب الثقافة الرياضية
ظهرت المجموعات الجماهيرية على حين غرة، كدخيل على اللعبة، بخلق كيان جماهيري يملؤه التعصب لناديه، ولا عيب في ذلك، إذا اقتصر على التشجيع والمساندة داخل المستطيل الأخضر، ولكن بغياب الثقافة الرياضية، أصبح هؤلاء الشباب بحماسهم الفائر أداة يسهل تحريكها واستقطابها وشحنها في اتجاه لم تخلق له، فتحول الأمر كحرب بين المجموعة والأخرى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي شهدت تراشق الاتهامات بين مجموعتي ألتراس الأهلي والمصري البورسعيدي، ما أشعل فتيل الأزمة.
وتقع مسئولية هذا التغييب، على عاتق كل من الاتحاد المصري لكرة القدم، والمجلس القومي للرياضة، والمجلس القومي للشباب، الذين أهملوا ملف الثقافة الرياضية، وبث روح الوعي بين الشباب.
ما قبل الكارثة
لم ينس جمهور المصري ما فعله ألتراس النادي الأهلي ببورسعيد، في مباراة جمعت الفريقين العام السابق للحادث، حينما أتلفت جماهير الأحمر المحال والمنشآت، وتباهى أعضاء "الأولتراس" بفعلتهم تلك طوال عام كامل، ما أدى لتأجيج شعور العداء لدى جمهور المصري البورسعيدي".
وعلى النقيض كان جمهور الأهلي محمل بمعاداة جماهير أندية القناة كافة، والذين لم يضيعوا فرصة لمشاكسة جمهور الأهلي، كلما شد الرحال لمؤازرة فريقهم بمبارياته في مدن القناة.
وعليه، سادت روح التعصب على العلاقة بين الجمهورين، فكانت أعمال الشغب، والعنف غير المبرر نتيجة طبيعية، في ظل هذه المعطيات.. ويبقى السؤال المطروح هل يطفأ القصاص وحده نار الفتنة بين الناديين العريقين؟