«ريمونتادا» برشلونة| عودة ضد باريس.. أم عودة للثلاثية؟
لحظات وتنتهي المباراة، الأبصار شاخصة، ودقات القلوب ترتفع، والدعوات تتردد. يلعب نيمار الكرة داخل منطقة الجزاء فيلمسها سيرجي روبيرتو لتتحول في المرمى ويدخل الهدف السادس لبرشلونة.
الصرخات تعلو، التاريخ يُكتب، وليونيل ميسي يركض نحو الجمهور ويشير إلى صدره، والاحتفالات تملأ "كامب نو" وسط حسرة ودموع وانهيار لاعبي باريس سان جيرمان، هكذا عاش النادي الكتالوني آخر دقائق مبارة الفريق ضد نادي العاصمة بالأمس بإياب دور الـ 16 في دوري أبطال أوروبا.
"ريمونتادا تاريخية" وعودة بنتيجة 6-1 بعد خسارة برباعية نظيفة في لقاء الذهاب على ملعب "حديقة الأمراء" وتأهل وُصف بـ"المستحيل" لربع نهائي دوري أبطال أوروبا.
ولكن وسط كل هذه الاحتفالات والصيحات والاندهاش، كشفت المباراة عن عوامل قادرة على إعادة هيكلة موسم برشلونة بصورة كاملة، إلا أنّها أكدت أن الفريق الذي حقق ما ظنه الجميع مستحيلًا بحاجة للمزيد من التحسينات والتطويرات ليحصد الثلاثية للمرة الثالثة في تاريخه.
"ستاد مصر العربية" يستعرض أبرز ما أكدته مباراة التاريخ لبرشلونة من إيجابيات وسلبيات، وكيف حقق النادي الكتالوني معجزة بالتأهل؟ وكيف يمكن تحقيق إنجاز جديد بتكرار الثلاثية؟
لويس إنريكي
"في الهزيمة يُلقى باللوم على المدرب، وفي الانتصار يُمنح الفضل للاعبين" هكذا تحدث إنريكي عقب الخسارة من باريس سان جيرمان برباعية نظيفة، ولذلك لا بد أن يُعطى حقه في المباراة، فاللوتشو بدأ مشوار العودة من هناك، في العاصمة الفرنسية.
فبعد الخسارة برباعية نظيفة وبعدها مباراة ليجانيس السيئة التي انتصر فيها برشلونة بفضل المهارات الفردية، كان لا بد من وقفة على مستوى طريقة اللعب وروح الفريق، وهذا ما فعله إنريكي، فغيّر الطريقة إلى 3-4-3 على غرار الأب الروحي لبرشلونة، يوهان كرويف، والتي نجحت ببعض الأخطاء في مباراة أتليتكو مدريد ثم تطورت في مباراة سبورتنج خيخون وظهرت بأفضل صورها في مباراة لاس بالماس.
أما نفسيًا، فإعلان لويس إنريكي رحيله عن البارسا بنهاية الموسم الجاري خفف الضغط على لاعبي برشلونة وجعل الهدف هو العودة أمام باريس لتكريم اللوتشو، كما خرج في المؤتمر الصحفي لمباراة باريس سان جيرمان ليقول: "إذا نجح فريق في تسجيل رباعية في برشلونة، فسننجح في إحراز 6 أهداف أمامهم" ليحقق البلوجرانا نبوءته بالحرف.
وفي المباراة، قرر إنريكي أخيرًا اتباع نصحية مواطنه ومدرب برشلونة الأسبق بيب جوارديولا حينما قال "الفرق بين المدرب الجيد والسيئ هو الجرأة" لذلك نزل بخطة جريئة هجوميًا بالاعتماد على ثلاثي في الخلف، خافيير ماسكيرانو وجيرارد بيكيه وصامويل أومتيتي، ويلقي بثقله على خط الوسط بالتبديل المستمر بين رافينيا وإيفان راكيتيش ووجود نيمار على اليسار بجانب إنيستا فيما تفرغ ميسي للوسط وترك لويس سواريز وحيدًا في الهجوم.
وهذا الأمر دفع إلى تطوير النواحي الهجومية للفريق والنتيجة النهائية أكبر دليل على ذلك، كما كان حاضرًا في التغييرات بإخراج المرهقين إنيستا وراكيتيش وإشراك سيرجي روبيرتو ليعطي مجالًا للحرية لنيمار خاصة بعد نزول الظهير سيرج أورييه للنادي الباريسي.
ولكن رغم هذا التفوق الهجومي، إلا أنّ برشلونة عانى على مستوى الهجمات المرتدة التي ترجمت إحداها لهدف عن طريق كافاني، كما تصدى تير شتيجن لكرة أخرى للاعب ذاته ثم ضغط ماسكيرانو على دي ماريا ليطيح بالكرة خارج المرمى.
إذا أراد إنريكي حصد الثلاثية فعليه تلافي الأخطاء الدفاعية في طريقة 3-4-3 لتقليل الأهداف التي يستقبلها فريقه.
ميسي.. لا، نيمار
"برشلونة ينتصر بفضل ميسي"، هكذا تعامل أغلب متابعي كرة القدم مع انتصارات البلوجرانا هذا الموسم في الوقت الذي كان ليو أكثر اللاعبين حسمًا.
ميسي غاب في المباراة عن مستواه الحقيقي، ونجح لاعبو باريس سان جيرمان في الحد من خطورته، وهذا هو الشيء الوحيد الذي نجحوا فيه بالأمس.
ومع إحكام القبضة على ميسي ظهر نيمار، راوغ وسجل وأرهق دفاعات نادي العاصمة في أكثر من مناسبة مما جعل إيقافه أمرًا معقدًا، مما دفع صحيفة "ماركا" الإسبانية الصادرة في العاصمة، مدريد، لترشيحه للكرة الذهبية لعام 2017 مبكرًا.
ولكن المهارات الفردية لا تكفي يا إنريكي.
امتلاك ثلاثي مثل ميسي وسواريز ونيمار (MSN) امتياز لا يحصل عليه أغلب الأندية، ولكن من الضروري الاهتمام بالعودة للعب الجماعي والتفكير في أساليب أفضل لانطلاق الفريق من الدفاع للهجوم بدلًا من الإعتماد على لاعب أو اثنين فقط.
الروح
حينما تحتاج لتسجيل 3 أهداف في الوقت الذي تشير دقات الساعة إلى الدقيقة 87، فيسجل نيمار هدفين ثم يضيف روبيرتو هدف الفوز في الدقيقة 95، فهذا لا يُفسّر سوى بالروح القتالية التي تجسدت في احتفال ميسي - الأول من نوعه - مع الجمهور بهدف الانتصار.
الروح القتالية التي دفعت الفريق للفوز على باريس سان جيرمان لا يجب أن تكون مرجعًا كافيًا ليحصد برشلونة ألقاب الموسم الجاري كافة، فإن أصابت بالأمس ربما لن تتكرر في المستقبل، لذلك على إنريكي البحث عن أخطاء المباراة واستمرار تحفيز اللاعبين معنويًا لأن الموسم لم ينته بعد، ربما هذه فقط البداية.
الشخصية
ما نجح فيه إنريكي، عجز عنه الإسباني - الآخر - أوناي إيمري، مدرب باريس سان جيرمان، فشخصية البطل تنتصر حتى وإن احتوى جسده الكثير من الندبات والجروح وصلت لأربعة سهام.
فريق باريس نزل المباراة بعقلية الخاسر، ارتباك تسبب في الهدف الأول، خطأ فادح من لايفن كورزاوا أضاف الثاني ثم سقوط من توماس مونييه تسبب في ضربة جزاء.
الخوف الذي بدا على لاعبي نادي العاصمة الفرنسية والتقوقع في مناطق دفاعهم لمنح برشلونة الكرة أغلب فترات المباراة كان سببًا كافيًا للخسارة.
"الخسارة المعنوية تسبق أي خسارة".
فالفريق حاول بعد هدف كافاني مجاراة برشلونة ولكنه عاد لخوفه بعد هدف نيمار الرابع ثم الخامس ليثبت نادي باريس سان جيرمان أنه بحاجة لوقت ليصبح بين كبار أوروبا.
باريس خسر المباراة قبل لعبها، يكفي أن ماركو فيراتي، لاعب باريس سان جيرمان، سأل رفاقه قبل اللقاء هل تشعرون بالسعادة إن خسرتم بنتيجة 5-1 من برشلونة؟ فأجاب ماتويدي ودراكسلر وحتى فيراتي ذاته بأنّهم لا يمانعون، فكيف لنجوم الفريق أن يلعبوا مباراة يقبلون فيها خسارة مهينة على حساب التأهل لربع نهائي دوري أبطال أوروبا؟ كيف يمكن وضع هذا الفريق بين كبار الأندية؟
????| فيراتي, ماتويدي, دراكسلر ومونييه يناقشون احتمال الخسارة 5-1 امام برشلونة #FCBPSG pic.twitter.com/xl82zes5wO
— FCB World (@FCBW_A7) March 7, 2017
وبالعودة لبرشلونة، شخصية البطل قد تساهم في انتصارات كبرى، ولكنها ليست وحدها صانعة البطولات وحينما يواجه النادي الكتالوني فريقًا ذو تاريخ وشخصية كبيرة في دوري أبطال أوروبا فلن يتحصن في دفاعته بعد التقدم برباعية.
على إنريكي أن يعلم أن الانتصار المعنوي قد يتحقق في أوقات كثيرة ولكن ضد فرق تخشى برشلونة وتهاب "كامب نو" ولكن في الأدوار المتقدمة لدوري أبطال أوروبا، من الصعب مواجهة أندية بهذه الصفات.
فهل يتخذ إنريكي مباراة "الريمونتادا" ضد باريس سان جيرمان نقطة انطلاق ليأتي على الأخضر واليابس ويحصد البطولات في موسمه الوداعي؟ أم تكون نشوة الانتصار أقوى من أي تحليل عقلاني منطقي للمباراة؟ هذا ما ستكشفه الأشهر المقبلة.