يا سادة الجنيه لم يعم بعد... تحليل اقتصادي
. سلطة تحديد سعر صرف الجنيه انتقلت من البنك المركزي إلي البنوك.. ليس أكثر ..
· وسيستمر الدولار في الارتفاع في ظل أن البنوك لا تمتلك السيولة لتلبية احتياجات السوق ..
· وستستمر السوق السوداء بقيادة شركات الصرافة وتجار العملة وسيستمر سعران للدولار..
أصدر البنك المركزي الخميس الماضي قرارًا بإطلاق الحرية للبنوك العاملة في مصر في تسعير النقد الأجنبي وذلك من خلال آلیة الإنتربنك، وتم تصدير ذلك إعلاميًا وعلى نطاق واسع أنه تم تحرير سعر صرف الجنية المصري أمام الدولار الأمريكي وهذا لم يحدث، ولمعرفة حقيقة ما حدث يجب معرفة ما هو تعويم أو تحرير سعر الصرف وهو أن يترك تحديد سعر الجنيه لقوى العرض والطلب بالسوق، وهو أن يحدد سوق تداول الدولار بيعاً وشراءً سعر صرف الجنيه ويتكون السوق الدولاري من البنوك وشركات الصرافة وأن يكون السوق الدولاري هو المسئول عن توفير كافة الاحتياجات للسوق من الدولار دون أي تدخل أو مسئولية لتوفير الدولار من البنك المركزي، أما تثبيت سعر صرف الجنيه وهو النظام الذي كان قائماً قبل قرارات المركزي الخميس الماضي عن طريق تحديد البنك المركزي سعر الجنية إداريًا في شكل آلية العطاءات من خلال سوق الإنتربنك الدولاري ويكون المركزي المصري هو المسئول عن توفير كافة احتياجات السوق من الدولار وتحديد سعر الجنيه من خلال طرح عطاء أسبوعي يبيع فيه الدولار للبنوك عند سعر محدد على أن تبيع البنوك هذا الدولار للسوق عند السعر المحدد من البنك المركزي.
وبتحليل قرارات المركزي الأخيرة والتي أطلق عليها بالخطأ تعويم الجنيه أو تحرير سعر الصرف، نجد أن حقيقة ما حدث هو نقل سلطة تحديد سعر صرف الجنيه من البنك المركزي إلى البنوك ودون أي تغيير في الآليات المتبعة لتوفير الدولار في نظام تثبيت سعر الصرف حيث سيظل مصدر توفير الدولار للبنوك هو آلية العطاءات من خلال سوق الأنتربنك الدولاري وسيظل البنك المركزي هو المسئول عن توفير الدولار للبنوك لبيعه للسوق، وذلك ببيع الدولار للبنوك ولكن الاختلاف الوحيد هو أن تقوم البنوك بتحديد سعر بيع الدولار من البنك المركزي لها على أن تقوم بعد ذلك ببيعه للسوق بنفس سعر الشراء في العطاء مع وضع حدود سعرية بالسماح بأن يختلف سعر البيع للسوق بنسبة 10% سواء بالزيادة أو بالنقص، وتجاهلت بالكامل جزءًا هاما من السوق الدولاري في مصر وهو شركات الصرافة والتي تمتلك بالفعل السيولة الدولارية التي تكفي لتلبية احتياجات السوق، وبمقارنة ما حدث مع مفهوم تحرير أو تعويم سعر الصرف نجد أن ما حدث قد نستطيع أن نطلق عليه هو أولى مراحل التعويم الجزئي أو التعويم المدار لسعر الصرف، لذلك وبهذا الشكل سيستمر الدولار الأمريكي في الارتفاع أمام الجنيه وسيستمر السوق السوداء للدولار بقيادة شركات الصرافة وتجار العملة وسيظل وجود سعرين للدولار سعر في البنوك وسعر في السوق السوداء، وذلك سيرجع إلى أنَّ أزمة الدولار في مصر في الأساس ليست في سعر الدولار وإنما عدم توافره في البنوك في حين أن شركات الصرافة والسوق السوداء تمتلك بالفعل السيولة الدولارية الكافية لتلبية احتياجات السوق وهو ما مكنها خلال الفترة الماضية من التلاعب وتحديد سعر الصرف، ونجد الآن في ظل القرارات الأخيرة لم تحل أزمة عدم توافر الدولار بالبنوك والدليل أنَّ البنوك منذ تطبيق القرار لا تبيع ولا توفر دولار للسوق واقتصر دورها على شراء الدولار من العملاء فقط دون بيعه في استراتيجية واضحة تعتمد على تجميع سيولة دولارية من العملاء الذين كانوا يضاربون في الدولار، ولكن لن تكفي هذه الاستراتيجية لتجميع سيولة دولارية لدى البنوك لتلبية الطلبات الكبيرة على شراء الدولار في السوق، حيث إن هناك سؤالا يطرح نفسه وهو ماذا ستفعل البنوك أمام طلبات الشركات والمؤسسات المالية الأجنبية الراغبة في توفير دولار لتحويل أرباحها للخارج وماذا ستفعل البنوك أمام طلبات المستوردين في قوائم انتظار والمكتظة بها البنوك منذ أشهر، مما سيدفع العملاء الباحثين عن شراء الدولار عندما لا تلبي البنوك طلباتهم التوجه للسوق السوداء لشراء الدولار مما سيؤدي إلي استمرار السوق السوداء واستمرار سعرين للدولار الأمريكي دافعاً سعر الدولار في السوق السوداء للارتفاع واستمراره بشكل أعنف، وقد يضطر البنك المركزي لضمان نجاح قراراته أمام الرأي العام بالقيام بوضع نفسه كمصدر رئيسي لتمويل احتياجات السوق من الدولار في الوقت الذي لا يمتلك فيه البنك المركزي السيولة الدولارية الكافية لتلبية احتياجات السوق وذلك بزيادة أحجام العطاءات الدولارية ببيع كميات أكبر من الدولار للبنوك بطرح عطاءات استثنائية من خلال الاقتطاع من الاحتياطى مما سيتسبب في نزيف حاد واستنزاف للاحتياطي النقدي.
وكل ما أراه إيجابياً في هذه القرارات الأخيرة هي لن یتم فرض شروط للتنازل عن العملات الأجنبية، وإلغاء القیود على إیداع وسحب العملات الأجنبیة للأفراد والشركات مما تحسن نسبياً من حالة الانسداد في السوق الدولاري وكذلك تأكيد البنك المركزي بأنه یضمن أموال المودعین بالجهاز المصرفى بكافة العملات مما يحسن الثقة في القطاع المصرفي.