متى تعلن الدول إفلاسها ؟ .. وهذا هو السيناريو الأسوأ لمصر
يُعرّف الإفلاس بصفة عامة أن تصدر سلطة قضائية حكمًا بأن جهة ما ليس بإمكانها الوفاء بالتزاماتها المالية مع الدائنين.
رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إيهاب الدسوقي، قال إن إفلاس الدول يعني عجز دولة ما عن الوفاء بديونها، واقتصاديًا هو "الأزمة في ميزان المدفوعات"، الذي يقيس دخول وإنفاق الدولة.
وأوضح الدسوقي لـ"مصر العربية" أن إعلان أكثر من دولة إفلاسها خلال الفترة الأخيرة وعدم قدرتها على سداد الديون جعل هناك تغييرا في النظام الدولي الاقتصادي، فكثير من الدول أحجمت عن منح الدولة النامية قروضًا وأصبح السائد في التمويل الدولي هو الاستثمار الاجنبي المباشر.
وعن أسباب إعلان الدول إفلاسها:
1- عدم قدرة الدولة على دفع ديونها كليا أو جزئيا أي أنها تدفع الديون اللازمة لتشغيل الدولة ولا تدفع فوائد الديون مثلا وتحدث في نهاية سنوات طويلة من الإستدانة والعجز في الميزانية، ويرجع ذلك إلى تعاظم الديون أو انخفاض الضرائب بسبب البطالة أو قوانين جديدة تخيف الأسواق المالية فتنسحب رؤوس الأموال من البلد.
2ـ انهيار الدولة بسبب خسارتها لحرب ـ ما قد يعرضها لاستعمار بالأساس أو لوصاية دولية ـ أو انقسامها لأكثر من دولة.
3ـ سقوط النظام القائم وتولي نظام جديد لا يلتزم بديون سابقيه مثلما حدث في الثورة الفرنسية لفساد النظام السابق.
الناتج المحلي الإجمالي
من أهم المؤشرات الاقتصادية لمعرفة قوة اقتصاد الدول هو الناتج المحلي الإجمالي، وهو إجمالي قيمة كل السلع والخدمات التي تم إنتاجها داخل الدولة خلال عام مالي أي كل تم إنتاجه من القطاع الخاص والعام وغيره خلال هذه السنة.
فمن المعايير الهامة في تقييم مقدار الملاءة المالية هو مقارنة نسبة ديونك بنسبة الناتج المحلي الإجمالي لديك.
أي عندما تكون ديون الدولة تساوي 75% من الناتج المحلي الإجمالي فيها فهذه تعتبر نسبة مرتفعة. لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الدولة نفسها.
فالصين مثلا الدين الداخل عندها يتخطى 120 % من الناتج المحلي وكذلك اليابان نسبة ديونها إلى الناتج المحلي تصل إلى 200% لكن حالتهما أحسن من دول أخرى نسبتها أقل.
ويرجع ذلك لأن الدولتين قادرتين على الوفاء بالالتزامات وتسديد الديون في مواعيدها وهي تأخذ هذه الديون لتدخلها في الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
تبعات الإفلاس
على الدائنين
إختفاء أو خسارة كل أو جزء من الأموال التي أقرضوها لتلك الدولة أو الفوائد على تلك الديون.
وفي العادة يكون هناك مفاوضات يستردون بموجبها بعض تلك الأموال.
على الدولة
إيجابًا: انخفاض مصروفات الدولة تجاه الدائنين حيث تتوقف عن دفع مستحقاتهم.
سلبًا: تدمير الثقة في البلد ما يعني عدم إمكانية الحصول على قروض جديدة من سوق المال.
على المواطنين:
الإنخفاض الكبير في قيمة الثروة النقدية للمواطن بعدة طرق. والسبب أن المواطن هو دائن لدولته بطرق مختلفة، كأن يكون حاملا لسندات الدولة أو مشتركا في صندوق تقاعد يحمل تلك السندات.
الاقتصاد
تفقد البنوك جزءا من رأس مالها لأنها فقدت ديونها على الدولة، وتحدث أزمة اقتصادية لانخفاض الطلب الداخلي على البضائع وانسحاب رؤوس الأموال الأجنبية، وتحدث أزمة عملة، حيث يتفادى المستثمرون العالميون التواجد في دول تشهد اضطرابات.
الأرجنتين نموذج
حاول كارلوس منعم، رئيس الأرجنتين، التعاطي مع نصائح صندق "النقد الدولي" حول السوق الرأسمالي غير المقيد، واعتقد أنها خطة ناجحة على المدى البعيد دون وضع ضوابط.
لكن ما حدث أن عانى الشعب وفر الأثرياء من البلاد، ثم اتخذت الحكومة قرارا بتجميد جميع الحسابات المصرفية لعام واحد وسمحت للأشخاص بسحب 250 دولارًا فقط في الأسبوع، ما لم يتحمله الشعب.
وفي ديسمبر 2001 أصبحت المواجهات بين الشرطة والمواطنين مشهدًا مألوفا، والحرائق تقطع الطرق الرئيسية في بوينس أيريس، وأعلن الرئيس حالة الطوارئ ما أدى لمزيد من الصراعات فاستقال الرئيس وقتئذ فرناندا دي لاروا.
وارتفع مؤشر البطالة فوق 25%، وما زاد الطين بلة أن المنتجات الأرجنتينية واجهت رفض البلدان خوفا من وصولها تالفة أو رديئة الصنع، كما توقف إنتاج قطاع التليفزيون وألغيت البرامج التعليمية.
وتوافد على الأرجنتين خمسة رؤساء خلال عام واحد، حتى أتى نستور كيرشنير عام 2003 معلنا للمقرضين الدوليين للبلاد أن الأرجنتين غير قادرة على دفع ديونها الخارجية البالغة 132 مليار دولار.
وتبنت الحكومة إجراءات تقشفية حادة، وقررت مصادرة جميع الودائع الدولارية في البنوك وتحويلها لودائع بالعملة المحلية، وتعويم العملة مما أدى لانهيار قيمتها أمام الدولار، مما صعب الحالة على المواطنين.
إلا أنه حسن نظام التحصيل الضريبي وشجع التصنيع والتصدير وعادت الاستثمارات الأجنبية وبدأت الدولة حالة من الاستقرار بالتدريج سياسيا بانتخاب الرئيس نستور كريشنر، واقتصاديا بسداد أقساط الديون بدءًا من 2005، وتمكنت الأرجنتين بالفعل من سداد جزء كبير من ديونها لصندوق النقد الدولي بحلول عام 2008، وإن كانت لا تزال تواجه بعض الصعوبات في الاقتراض الخارجي إلى الآن.
واستبعد الخبير الاقتصادي شريف الدمرداش وجود مصر في محيط الإفلاس، مؤكدًا أنه رغم ارتفاع الدين الخارج لأعلى صوره إلا أن الحكومة لم تتوقف بأي صورة عن مديونيات الخارج.
وأوضح الدمرداش لـ"مصر العربية" أنه رغم المشهد الاقتصادي الذي يدعو للقلق بسبب سوء اداء المجموعة الاقتصادية إلا أن الدولة ملتزمة بسداد التزاماتها الخارجية حتى ديون شركات البترول تم جدولتها وسدادها.
ارتفع الدين الخارجي لمصر خلال العام المالي الماضي 2015 /2016، بقيمة 7.7 مليارات دولار، بنسبة زيادة بلغت 16% عن العام المالي السابق عليه.
وقال البنك المركزي المصري، في بيانات نشرها على موقعه الالكتروني، إن الدين الخارجي للبلاد قفز إلى 55.764 مليار دولار في نهاية العام المالي 2015/2016.
وعقب حصول مصر على قرض النقد الدولي، أعلنت الحكومة عن أنها أصدرت سندات ببورصة إيرلندا بقيمة 4 مليارات دولار من خلال طرح خاص لصالح البنك المركزي.
وذكرت الحكومة أنه تم إصدار سندات بقيمة 1.360 مليون دولار بعائد سنوي قدره 4.62% تستحق في 10 ديسمبر 2017، وسندات بقيمة 1.320 مليون دولار بعائد سنوي قدره 6.75% تستحق في 10 نوفمبر 2024، وسندات بقيمة 1.320 مليون دولار بعائد سنوي قدره 7% تستحق في 10 نوفمبر 2028.
السيناريو الأسوأ
الدكتور نائل الشافعي، خبير الاتصال والمعرفة والاستشاري ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أوضح أن صناديق التحوط الأمريكية ينتابها سعار وتكالب على السندات المصرية المزمعة في يناير بـ 2.5 مليار دولار، وتليها سندات بـ4-6 مليار دولار قبل نهاية 2017، وكذلك على سندات الخزانة المصرية بالجنيه.
وأكد، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، أن سعر الفائدة على الجنيه المصري "المعوّم" يفوق 15% وهي نسبة شاهقة، يندر مثيلها في أي استثمار، حتى الأفراد في تلك الصناديق سيشترون من أموالهم الخاصة سندات مصرية، مشيرا إلى أن سعر الفائدة على السندات السيادية المصرية باليورو والدولار تتراوح بين 7.5 - 8%.
وتساءل الشافعي: " إذا كان وزير المالية نفسه يطمح لأن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% في العام المقبل.. فمن أين ستسدد مصر هذا الدين؟". وأوضح أنه في ظل الفائدة للديون، من الممكن تكرار كارثة الأرجنتين في مصر، والتي طرحت في 2002 سندات سيادية بقيمة 10 مليارات دولار بفائدة تتراوح بين 10-12%، وبعدها بسنوات تبين لها استحالة سداد الفائدة، فطلبت إعادة جدولة الديون، واستبدال السندات الباهظة بسندات بسعر فائدة أقل (6%)، ما دفع حملة السندات على الموافقة.
وقال إن صندوق التحوط "إليوت مندجمنت" الشهير بـ"آكل الجيف"، والذي لم يكن لديه إي سندات أرجنتينية، قام بشراء سندات أرجنتينية (من الاصدار القديم بفائدة 12%) ونشر إعلانات يحث حملة السندات الآخرين على بيعها له بدلاً من بيعها للحكومة الأرجنتينية، وسرعان ما جمع سندات بأكثر من 2 مليار دولار، وأصر على ِأن يحصل من الحكومة الأرجنتينية على كوبونات (فوائد 12%).
فلما رفضت الأرجنتين، استصدار حكمين من محكمتي نيويورك ولندن بإفلاس الأرجنتين، مضيفا أنه في نهاية الأمر لم يجدي الأمر وانتهي حكم الرئيسة الأرجنتينية، ليستجيب الرئيس الجديد لشروط الدائنين.
بدوره، توقع أحمد سليم، نائب المدير العام للبنك العربي الأفريقي تكرار وضع الإرجنتين عام 2002 الكارثي لمصر وللاقتصاد الوطني في حالة طرح الحكومة لـ8 مليار دولار على أقل تقدير خلال العام المقبل وفقما صرح محمد معيط نائب وزير المالية.
وقال سليم، إن الخطر سيكون أشد ضراوة في مصر عنها في الإرجنتين خاصة مع الوضع السياسي الحالي ومع وجود أعداء كثيرين لمصر، مضيفًا أن مصر ليس لديها ما تسدد به فوائد هذه السندات خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وشدد على رفضه التام للجوء لمثل هذه السندات، مضيفًا أن المالية لم توضح مدى الاستفادة منها وإلى أي قطاع ستوجه، مشيرًا إلى أن نسبة 3% كفائدة على مثلب هذه السندات كثيرة جدًا ناهيك عن 6.5% كفائدة كما صرح نائب وزير المالية أحمد كوج.
ولفت سليم، إلى وجود احتمالات كبيرة باتجاه مصر إلى الإفلاس في حالة عدم قدرتها على سداد هذه الفوائد الدولارية إلى جانب قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مؤكدا أن الدول الدائنة لن تتنازل عن سداد أموالها في الوقت المحدد وهو ما قد يضع الدولة في مآزق خطير ، مطالبًا بأن يكون اللجوء إلى مثل هذه السندات هو الحل الأخير أمام الحكومة بعد البحث عن البدائل الأخرى.
وتخوف من تكرار السيناريو الذي تعرضت له مصر خلال حكم الخديوي إسماعيل عام 1882 قائلا: " قد يتكرر الأمر في الوقت الحالي بصورة أكبر تحد من استقلال مصر.
إفلاس مصر
من أبرز المآسى الاقتصادية فى تاريخ مصر، ما حدث فى عهد الخديو إسماعيل، الذى ساهمت سياساته وقراراته ورغبته الجامحة فى تطوير مصر على النمط الأوروبى فى دخول البلد فى أتون أزمة ديون بدأت بتدخل من جانب القوى الكبرى، لتنتهى باحتلال أجنبى رزت تحته مصر حتى ١٩٥٦.
فبعد تولى الخديو الحكم بعام واحد وبالتحديد فى ١٨٦٤، وعلى أثر حركة التحرير الأمريكية وبسببها، ازدهرت الأوضاع الاقتصادية فى مصر إذ ارتفعت أسعار القطن المصرى فى غياب القطن الأمريكى، لكن فى نهاية العام ذاته بدأ إسماعيل الحلقة الأولى فى مسلسل القروض من أوروبا وبالتحديد من (بيت فروهلنج وجوشن) الإنجليزى، وكانت قيمة القرض ٥.٧ مليون جنيه إسترلينى بفائدة قدرها ٧% لمدة ١٥سنة، وبلغت الفائدة الحقيقية مع الاستهلاك ١٢%، وفى مقابل القرض تم رهن ضرائب الأطيان فى الدقهلية والشرقية والبحيرة لسداد أقساطه.
وكانت ميزانية هذه السنة تدل على أن الإيرادات تزيد على المصروفات، ما يعنى أن إسماعيل لم يكن فى حاجة للاقتراض لكنه أنشأ العديد من القصور منها قصر على شاطئ البوسفور.
وما أن جاء عام ١٨٦٥ حتى كانت الحرب الأمريكية قد انتهت وعاد القطن الأمريكى للانتعاش وتدفق على أوروبا فتراجعت أسعار القطن المصرى مع تقلص أسواقه الخارجية، ووقع الملاك والفلاحون فى أزمة اقتصادية عرفت باسم (أزمة ١٨٦٥)، ولم يعرفوا كيف يوفون بديونهم، فتدخل إسماعيل لعلاج الأزمة بأن حصر ديونهم وسددها عنهم للدائنين والمرابين على أن يستقضى هذا الدين من الأهالى خلال سبع سنوات بفائدة قدرها ٧%.
واحتاجت هذه العملية من إسماعيل مليوناً وأربعمائة ألف جنيه مصرى، حيث اقترض من إنجلترا ٣ ملايين جنيه مصرى، حسبت عليه بزيادة قدرها ٣٨٧ ألفاً ورهن فى مقابل هذا الدين ٣٦٥ ألف فدان من أملاكه لذلك سمى القرض بـ(دين الدائرة السنية الأول).
ثم تلا ذلك قرضان من أفدح القروض التى أبرمها إسماعيل فى عام ١٨٦٨ أحدهما قدره ١١ مليوناً ٨٩٠ ألفا من بنك أوبنهايم لم يدخل منها خزائن الحكومة سوى ٧ ملايين و١٩٥ ألفاً، مما يدلل على ارتفاع سعر الفائدة إلى ٦١%، والقرض الآخر أبرمه فى عام ١٨٧٠، وهو قرض الدائرة السنية والذى زادت قيمته على ٧ ملايين جنيه رغم القيود العثمانية على قروض إسماعيل.
وفى عام ١٨٧٥ ضاقت السبل بإسماعيل ولم يعرف طريقاً للاقتراض وأوشكت الحكومة المصرية على الإفلاس فما كان منه إلا أن نظر لخزينته فلم يجد بها سوى ١٧٦ ألفاً ٦٠٢ من أسهم القناة لاتزال ملكاً لمصر بلا ديون فعرضها للبيع فى باريس مقابل ٩٢ مليون فرانك واشتراها البريطانيون، ولم تكن هذه الصفقة تحتاج وقتاً لتسفر عن تداعياتها بما فى ذلك التدخل الأوروبى فى شؤون مصر، فأوفدت إنجلترا بعثة «كييف» فى نفس العام ووضعت تقريرها الذى كان بداية احتلال مصر.