"مصر العربية" ترصد ساعات الوجع بـ"كنيسة الانبا شنودة "

المشهد الأخير لـ " ضحايا البطرسية"..حزن ممنوع من العرض بمقابر المقطم

كتب:

فى: أخبار مصر

19:11 13 ديسمبر 2016

وضع الرجل الثمانيني رأسه بين يديه، مائلًا لأسفل، فإذا رفع وجهه برزت سحابة كثيفة من الدموع  على جفنيه، وتمتم بكلمات لا يعرفها سواه.

 

 

 على مقربة من مدخل كنيسة الأنبا شنودة حيث تنفرد كل أسرة بمصابها، وتشترك مع نظيرتها في نكبة الفراق، طاف بصره في محيط الفضاء الرملي، وأطلق عبارته في عفوية شاردة: ( جوايا نار يا ابني، أنا تعبان).

 

 

 

طابور الجثامين

 

قبل أن ينادي الكاهن على الجثمان المنتظم في طابور الدفن خارج الكنيسة، استطرد زوج (نادية أنور شحاتة): تنزل زوجتي الكنيسة البطرسية كل أحد، هذا اليوم تحديدًا تأهبت لمرافقتها، لكن وجع في قدمي منعني من الذهاب).

 

 

في منتصف المدخل الرئيسي لكنيسة الأنبا شنودة بالمقطم، وقف القس مرقس رمزي، بجانب مكتب صغير ينبثق عنه مكبر الصوت، لتوضيح ترتيبات الدفن، وعلى جانبي المدخل صنع شباب الكشافة ممر بشري لسيارات الإسعاف التي تحمل كل واحدة منها اسم (متوفاة)، خلف الممر  يقف الزوار، ومرافقي أسر الضحايا، وينزل الجثمان على أكتاف ذويه، متجهًا إلى مقبرته، عبر ممر يبلغ طوله ما يقارب 3 أمتار، وينتهي إلى مقبرة بابها يرتفع قليلًا عن الأرض، ومن خلفه سلم قصير أسفله شخص مهمته وضع الجثة إلى مرقدها.

 

 

ومن المقبرة يسارًا تخرج أسرة "المتوفاة" في ممر مواز ينتهي إلى فناء الكنيسة على مقربة من مدخلها الرئيسي، حيث يستمر الصراخ المتكرر، والنظرات الزائغة في فضاء متسع، ضيقه الحزن، وتنصرف الأسر منفردة إلى وحدتها، حيث مشهد أخير لخص قناعة واحدة:" أن الصخب الهادر لا تعرفه قلوب آوت إلى وحدتها، وأن الحزن لهم وحدهم".

 

 

للكنيسة باب حديدي على مساحة 8 أمتار تقريبًا، وتقع بمدافنها أعلى تبة رملية، خلف أشجار تحجب مبناها، ولا يرى منها على طريق المقطم الرئيسي سوى صليب مرتفع يشير إلى وجودها . 

 

 

في نهاية الفناء الذي يتوسطه الكاهن يبرز المبنى الكنسي ممهورًا بلافتة زرقاء تحمل الاسم "كنيسة الأنبا شنودة رئيس المتوحدين")، عن يمين الكاهن مجموعة من الشمامسة والمرتلين، يقرأون تراتيل الحزن، وخلف الكنيسة مكان أعد لسيارات الإسعاف، حيث دخول فردي بترتيب الجثامين، وخروج جماعي بعد انتهاء مراسم الدفن.

 

 

 

 خارج الكنيسة اصطفت ثلاثة عشر أسرة، في جموع متفرقة، لكل أسرة في وداعها شأن يغنيها عن أية مواساة، وينتظر جميعهم نداء الكاهن (أسرة ...)، فينطلق الرجال خلف سيارة الإسعاف التي تقف في مقابل الممر المؤدي للمقبرة، والسيدات في عمومهن متكئات على سواعد الأهل والأصدقاء.

 

 

مشهد الخروج الأخير بعد مواراة الجثمان الثرى، معبق بروائح الانكسار، لمن فقدوا الأبناء، والزوجات، حيث يجلس الجميع على مقاعد خشبية متجاورة، في غياب تام عن الوعي، وعبارات بلا جدوى للمواساة تحت وطأة الدموع.

 

 

 

-الحزن الممنوع من العرض

 

 

خلف حاجز بشري من شباب الكشافة، جلست سيدة سبعينية متشحة بالسواد، صامتة تمامًا، لا يتحرك منها شيء سوى دمع عفوي هادر على وجنتيها، ومن خلفها الإبن (إيهاب وديع) يربت بوداعة على كتفها، ويرمقها بعينين حائرتين، في صمت مواز.

 

 

سعيت إلى تعزية السيدة الوقور، فأنثنت قائلة عن ابنتها "صباح وديع.. بدل ما هي توديني، أنا وديتها" ، قالت عبارتها، وواصلت التمتمة.

 

 

عطفًا على دموعها، بكى الإبن العشريني، وقال: "عرفنا بوفاة أختي من التليفزيون، لافتًا إلى أنها خادمة في الكنيسة البطرسية، وكانت سندًا لزوجها المريض بـ"فشل كلوي"، ولم تفعل شيئًا في دنياها سوى فعل الخير".

 

 

قبل أن يغادرا معًا إلى منزلهما، استطرد إيهاب: "فرحنا الوحيد، أنها عروسة في السماء".

 

 

نفض شقيق زوج"صباح وديع" غبار تراب المقبرة، وبعث برسالة لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، عبر "مصر العربية" قال فيها: أقول للشيخ الطيب، هذه رسالة من شاب قبطي، لما بسمع إنك متقدرش تكفر "داعش"، فده يعتبر تصريح بأعمال إرهابية، عايزين نغير الأفكار دي لو سمحت).

 

 

 

غياب الأساقفة والشخصيات العامة

المشهد الأخير بمقابر كنيسة الأنبا شنودة بالمقطم، خلا من الرسميات، حيث خيم الهدوء على المكان، اتساقًا مع حالة أسر مكلومة مستسلمة لفراق أحبائها.

 

 

تغيب الأساقفة، والشخصيات العامة، عن المدافن، بينما تمركزت سيارات الأمن المركزي على الطريق الرئيسي أسفل التبة الرملية، وأحيطت الكنيسة بدرع أمني من مجندي الشرطة، حتى انتهاء مراسم الدفن.

 

 

-سيدة مسلمة حركها الوجع

لم يخل المشهد الهاديء من لمحة إنسانية مصرية خالصة، حيث بدت السيدة (صباح ع.م) في وضعية البكاء المستمر، كلما جرى على لسان الكاهن اسم ضحية من الضحايا.

 

 

عن سبب حضورها للكنيسة، قالت : إنها تسكن في منطقة عزبة أبوحشيش خلف الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وسمعت انفجار "البطرسية" صباح الأحد، فحسبت "إطار سيارة" عابرة، لكنها علمت بأنه حدث داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فذهبت إلى هناك.

 

 

السيدة الخمسينية "المسلمة" لم يدفعها أحد لمرافقة أسر الضحايا، لكن صور الأشلاء حركتها من مسكنها، إلى ميدان المنصة بمدينة نصر، قالت: قررت الذهاب إلى هناك لمشاركة الأمهات أحزانهم، وقلت في نفسي:" لو طردوني هروّح".

 

 

بعد انتهاء مراسم الجنازة الرسمية، ذهبت إلى "أتوبيسات" نقل أسر الضحايا، وطلبت منهم اصطحابها للمقابر، فرحبوا بوجودها، واستطردت قائلة : " حزينة على الناس أوي، ولازم حقهم يرجع".

 

 

خادمة الكنيسة

 

أما فرحة وليم فهمي، فهي سيدة أربعينية، تعمل خادمة بالكنيسة، يحرك صراخ النساء المتقطع دموعها، إذ يعد الحدث مفاجئًا بالنسبة لها.

 

 

ورغم الحزن الراسخ في ملامحها، قالت: "إن الكاهن عندما أبلغهم باختيار مقابر الكنيسة كمدافن لضحايا البطرسية، شعرت بسعادة غامرة، لأن هؤلاء قديسين صعدوا للسماء".

 

 

يشار إلى أن كنيسة الأنبا شنودة استقبلت 13 من ضحايا تفجيرات البطرسية، ومن المنتظر إقامة قداس إلهي بها في ذكرى الأربعين.

اعلان