حوار | آمنة نصير: ضحايا تفجير الكنيسة "شهداء" والمجادلة في ذلك "وقاحة" وسوء أدب
إسلام البحيري يجتهد ولا يجوز معاملته بطريقة محاكم التفتيش
قانون إزدراء الأديان يمثل عوار إنساني وعقيدي
أهل الذمة كلمة راقية في زمانها وتعادل "المواطنة" في الوقت الراهن
أطالب باستبدال مادة التربية الدينية بأخرى تجمع بين المسيحية والإسلام
هاجمت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، الفكر السلفي المتطرف، الذي اعتبرته مستوردا من ثقافة دول الجوار المتخلفة، بحد قولها، لافتة إلى أن هذا الفكر يُعشعش في الأزهر "مشيخة وجامعة ومعاهد".
وأضافت نصير، في حوار لـ "مصر العربية"، أنه لابد من تنقية الأزهر من الفكر السلفي المتطرف وتعديل مناهج التعليم الأزهري، مطالبة باستبدال مادة التربية الدينية بأخرى تكون من ذات منظور أخلاقي ديني يجمع بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، وإلى نص الحوار ..
كيف تابعتي حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية؟
هذا حصاد 50 عاما لم ننتبه فيهم إلى تشكيل أولادنا ولا ثقافتنا ولا تفكيرنا حتى حدثت حالة من الترهل في جميع أنواع حياتنا المختلفة، مما شجع كل منحرف أن ينحرف بلا رقيب أو حساب، وكل جماعة تستورد لنا من دول الجوار ما تشاء ، وكل من لديه خبث وخبائث وهوى في نفسه ينشره ولا أي إلجام لأي أحد من هؤلاء.
وكذلك الفتاوى التي كانت تُطلق في القنوات السلفية التي كانت تملئ فضائنا دون أن يردهم أحد، وبالتالي فإن إهمال البلد للضوابط الإيجايبة للأمور الدينية والثقافية وحركة المجتمع لأكثر من نصف قرن فكان هذا هو الحصاد.
وماذا تستورد الجماعات من دول الجوار ..كما ذكرتي؟
هؤلاء أصحاب الفكر السلفي الذين سافروا وجاءوا إلينا بهذا المظهر والفكر وأخذوا يضخوه في الزوايا والقرى والكفور وفي القنوات وفي كل موضع قدم استطاعوا أن يضعوا أقدامهم فيه ويبثوا هذا النوع من الثقافة المتخلفة، ونصبوا من أنفسهم أنهم الأوصياء على هذا الشعب والأوصياء لهذا الدين، وكأن الله تعالى سبحانه وتعالى أعطاهم هذه الوصاية وهذا الصك حتى يتصرفوا في الساحة المصرية كما تصرفوا وكما ندفع الآن هذه الفواتير سواء المسلم أو المسيحي.
ولا نستغرب مما يحدث لأنه عندما يُترك هذا الشعب يسافر إلى دول الخليج ليأتي ما أتى به من فكر وثقافة وفقه وعرف ومن تقاليد ، هذا هو حصاد طبيعي، وأقول قاتل الله الفقر لأنه دفع هذه الأعداد المهولة من المصريين للسفر ثم عادوا بهذه الأمراض الثقافية والإنسانية، وها نحن ندفع الفواتير.
وكيف يمكن للأزهر مواجهة هذا الفكر السلفي؟
أتمنى أن يُنقى الأزهر أولا "مشيخة وجامعة ومعاهد" هذا الفكر ، لأن هذا النوع من الفكر السلفي الجامد المتطرف يعشش في كل هذه المواقع، هذا الفكر الذي لا يعرف منهج الوسطية الذي فرض علينا وتحدثت عنه الآية في سورة البقرة "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، فهذه هي أمتنا ولكنهم جاءوا لنا بهذه المورثات والأعراف من دول الجوار وبثوها في عقول شبابنا وفتاياتنا ونسائنا وأصبحت مصر دولة مُسخت بثقافة دول الجوار في الشكل والكلام والفكر والفقه، وللأسف بعد أن كانوا يقلدوننا أصبحنا الآن صورة ممسوخة منها.
إذا هل تتفقِ مع الأصوات التي تنادي بتعديل مناهج الأزهر..بدعوى أنها تحرض على التطرف؟
اتفق مع الطرح بأننا نعدل مناهجنا بالشروط الآتية: أننا لا نقتلع من جذورنا ومصادرنا، وفي نفس الوقت لا نغترب عن مستجدات عصرنا، وما بين عدم الاقتلاع وعدم الاغتراب أود من العقول المعاصرة أنها تنكب على الاجتهاد في الأخذ بهذا الأمر.
فإذا وُجد الاجتهاد لن نبق ليلنا ونهارنا على التقليد الذي ساد في علومنا ومناهجنا ومألفاتنا لغياب العقل الذي يعرف مقومات وطريق الاجتهاد، بدلا من تطبيق بعض الموروثات التي كان لها زمانها، وأصحبت الان غير صالحة لهذا الزمان بعد تقدم البشرية والمواثيق الدولية، وفي نفس الوقت سنجد من مصادرنا ما يدعم هذا التوجه .
بالحديث عن الاجتهاد..رأيك فيما يطرحه "إسلام البحيري" من اجتهادات تسببت في سجنه قبل العفو الرئاسي عنه؟
ليس هناك شك في أن إسلام البحيري تناول قضايا قديمة متجددة، ولكن بعيدا عن المصطلحات التي تفي الغرض من الاجتهاد والتي تناسب هذه القضايا، و هذا هو الخطأ الذي وقع فيه إسلام، لذلك كان عليه أن يتريث في المصطلحات التي تتناسب مع علوم العقيدة والتراث الذي يريد أن يجتهد فيه ويقدمه للعقل المعاصر.
المسألة لها ضوابطها ولها أصولها اللغوية والاصطلاحية وطريقة التناول، وحتى وإن اخطأ فهو اجتهد ومن اجتهد وأصاب فلهو أجران ومن أخطأ فله أجر، لكننا تعاملنا مع اللغة الشبابية لإسلام البحيري وبعض الأخطاء في الاجتهاد بشكل السجن وهذا لا يجوز أبدا، فالرأي يكون أمامه الرأي والكلمة يُرد عليها بالكلمة والحجة بالحجة، لكن أن يأتي باجتهاد مهما حمل من أخطاء تبعده عن الكفر فلا يجوز أن نتعامل معه بلغة القرون الوسطى ومحاكم التفتيش .
ولكن ألم يكن حبس إسلام البحيري وفقا لقانون إزدراء الأديان ؟
أنا حاربت كثيرا لرفض قانون إزدراء الأديان، الذي ثار كالشبكة التي تصطاد الإنسان وهذا ليس من صحيح العقيدة، بل كما قلت الحجة بالحجة والرأي بالرأي لكي نصوب ونُرد إلى صحيح الرأي، أما أن يكون بالسجن فهذا أمر أرفضه تماما، وهو ما دفعني إلى أن أتقدم بطلب بسحب هذا القانون ورفضه لأنه قانون هلامي لا يرقى إلى الحرية التي تسع الإنسان في شريعتنا الإسلامية.
شريعتنا فيها مساحة واسعة مما يرد الإنسان عن خطأه أو زلة لسانه أو زلة قدمه، وللأسف أخذتنا الحمية الغير رشيدة على الدين، وهذا ما دفع كثير من النواب لرفض هذا القانون لما فيه من عوار قانوني وعقيدي وإنساني وعوار ضد مصر التي وقعت على مواثيق دولية لحماية فكر الإنسان ورأيه، وفي نفس الوقت ضد الدستور المصري الذي أكد على حرية المواطن في التفكير والكتابة والفن.
باعتبارك أستاذة بجامعة الأزهر..تعليقك على اتهام الداخلية لطلاب الأزهر بالتورط في بعض العميات الإرهابية؟
ليست هذه خصوصية لجامعة الأزهر، فهي كغيرها من الجامعات والمجتمع المعاصر، هذا بلاء حل بالمجتمع المصري نتيجة هبوب ثقافة وتدين وفكر دول الجوار، فما لحق بالأزهر لحق بغيره .
رأيك في وصف شيخ الأزهر للمسيحين بأنهم "أهل ذمة"؟
كلمة أهل الذمة التي تضايق أهلنا من المسيحين هل كلمة راقية جدا في زمانها ولها أبعاد قمة في الحرص على أهلنا بأنهم أهل لنا وضمان لحمايتهم وحماية إنسانيتهم.
فكلمة أهل الذمة عندما قالها الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلمة سامية وراقية ولكن مع تداول العصور أخذت أبعاد تنتقص من المفهوم الذي جاءت به في زمانها، ولذلك أصبح هذا المصطلح له بديل يرتاح له أهلنا المسيحيون وهو مصطلح "المواطنة"وهي لا تتضاد مع قيمة من هم في أعناقنا وذمتنا بأننا لا نؤذيهم ولا ننتقص لهم من حقوقهم.
وهنا أشير إلى أن كلمة المواطنة أصبحت أكثر تقبلا ورحابة ويرتاح إليها أهل هذا الزمان، رغم أن كلمة أهل الذمة كانت في حينها كلمة جميلة رائعة، ولكنها الآن هي كلم غير مقبولة منذ استخدامها كنقيصة في حقهم من قبل المتأسلمون أو المتقولون، فإذا ما المشلكة في أن نترك مفهوم أهل الذمة ونتعامل بالمواطنة، لطالما أنها لا تمس ولا تؤثر أصل من أصول الدين وفي نفس الوقت تُوجد ما يرتاح له أهلنا من مصطلحات العصر.
كيف تابعتي حالة الجدل حول اعتبار ضحايا تفجير كنيسة البطرسية شهداء من عدمه؟
هذا نوع من "الوقاحة" وسوء الأدب، ولماذ لا يكونوا شهداء وهم غُدر بهم غدر خسيس من هؤلاء الأوغاد الذين قاموا بهذا العمل الإرهابي الخسيس ضد أُناس سالمون يعبدون الله في مكان عبادتهم.
كيف يتجرأ عليهم هؤلاء الرافضون لوصفهم بالشهداء، وبأي إنسانية وأدب تجرأو على ذلك والحق سبحانه وتعالى قال في القرأن الكريم " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ".
الرئيس دائما يتحدث دائما عن تجديد الخطاب الديني لماذا تأخر حتى الآن؟
ليست هناك معوقات لتأخيره، ولكن هذه القضايا كثيرة الأراء وبالتالي تحتاج إلى نوع من الحزم والفراسة وحسن التقدير وأن يُقدم فعلا ما يصلح الخطاب الديني، وأود أن الهيئات التي يهمها الأمر أن تتعاون مع الأزهر مثل الهيئات الثقافية وأساتذة الجامعة، وتستطيع هيئات أخرى مع الأزهر بالتعاون مع بعضهم البعض إلى ما نبغيه من الخطاب الديني، وأتمنى من الله أن يوفقوا جميعا وأن يلبوا دعوة الوطن ورئيس الدولة.
رأيك في مقترحات بعض النواب بإلغاء مادة التربية الدينية بالمدارس ؟
ما أطالب به هو "حصة" تجمع المسلم والمسيحي، فنحن لدينا المشترك من القيم الأخلاقية التي جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليتممها، وكذلك عيسى عليه السلام تحدث عن الأخلاق ، وجميع الأنبياء جاءوا بالقيم بدليل قول الرسول صلى الله عليه وصلم "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ومن هذا التمام الذي جاء به النبي والنص القرأني الذي خاطب البشرية بـ "يا أيها الناس، يا بني آدم"، والكثير من الأحاديث النبوية والنصوص الإنجيلية ما يتطابق ويتعارف منهم وما يدعم مفهوم الوطن والوطنية، تُكتب هذه المادة وتُدرس للمرحلتين الإبتدائية والإعدادية، وعندما ندرسها للأطفال في هذا السن سنوجد أرضية مشتركة بين المسلم والمسيحي، وفي هذه الحالة تكون المادة الدينية من منظور القيم الأخلاقية الدينية.
ومن يتولى مهمة كتابة هذه المادة التي تتحدثين عنها..في رأيك؟
لابد أن يُنتقى لها أساتذة يتحلون بمعرفة قيم الأجيال وقيمة المشترك، وأود أن من يكتبها يكون من أهل الاختصاص في المواد الإنسانية، من الأزهر الشريف بالكليات الإنسانية والعقلية ويشاركه أساتذة بمن مثلها من الكليات بالجامعات الأخرى .
ويجب أن تكتب بشكل دقيق موضوعي فيه الجمال للأديان، وتُلقن للأطفال بهذا الشكل التحليل المبسط بجمال أدياننا المسيحية والإسلامية، وتكتب بعناية فائقة وبشكل لا يفرط ولا يفرق .