مصر تأكل «على النوتة»| الدين العام يصل لـ 101% .. والتضخم يلتهم ما تبقى في جيوب الغلابة
أوضاع اقتصادية متدهورة، واستثمارات باتت في خبر "كان"، وسلع استراتيجية كادت تنتهي، وتضخم في الأسعار التهم "جيوب الغلابة"، أمور دفعت الحكومة للاستدانة من أجل ترتيب أمور الدولة وتوفير احتياجات المواطنين، ليصل حجم الدين العام إلى 3.8 تريليون جنيه.
و"لا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى".. فهكذا أصبح حال الاقتصاد المصري في مصر خلال السنوات الأخيرة، وازداد الأمر صعوبة بعد قرار تعويم الجنيه، والإتجاه دائما للاقتراض كحل للأزمات.
وبلغ إجمالي الدين العام المحلي بمصر 2.758 تريليون جنيه بما يعادل 85% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الأول من العام المالي الجاري 2016/2017 ، مقابل 2.259 تريليون جنيه بما يعادل 83.4% من الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة من العام المالي 2015/2016.
أما الدين الخارجي فقد بلغ 60 مليار دولار بما يعادل 16.3 % من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الأول من العام المالي الجاري مقابل 46 مليار دولار بما يعادل 13.2 % من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية نفس الفترة المقابلة من العام المالي 2015/2016.
وفقا لذلك، فإن الدين العام المصري ( المحلي والخارجي) يساوي 101% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد المقدر بنحو 3.2 تريليون جنيه خلال العام المالي الجاري. وتشير الأرقام إلى تحول الاقتراض الحكومي المحلي إلى آفة مستمرة، تستخدمه الحكومة لسداد ديونها السابقة، والمعرفة باسم الدائرة الجنهمية الخبيثة، وبالتالي لا ينعكس ذلك في زيارة الطلب الكلي بخلاف ما يرى عدد من الاقتصاديين.
ويؤدي تزايد الدين العام بمصر إلى مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في فرص التمويل، ما يؤثر السلب على وتيرة النمو الاقتصادي وتزايد البطالة بين الداخلين الجدد سنويا إلى سوق العمل.
كما يؤدي استخدام الدين العام لتمويل عجز الموازنة، إلى زيادة أعباء خدمة الدين، بدل من توجيه بنود الموازنة إلى مجالات الصحة والتعليم والدعم مع ترشيده والذي يصب في صالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ما يمثل عبئا على الأجيال الحاضرة والقادمة. وتزيد أعباء الدين العام الخارجي من فوائد وأقساط عجز ميزان المدفوعات، ما يؤثر أيضا على أزمة سعر صرف الدولار، ويحمل الموازنة بمخاطر ارتفاعه.
وخلال الربع الأول ( يوليو- سبتمبر) من العام المالي الجاري، بلغت أعباء الدين الخارجي ( فوائد وأقساط) 2.458 مليار دولار، في حين بلغت إيرادات السياحة 758 مليون دولار ، ورسوم المرور في قناة السويس 1.3 مليار دولار ، وصافي صافي الاستثمار الأجنبي المباشر 1.9 مليار دولار، وتحويلات المصريين بالخارج 3.3 مليار دولار. وفي ضوء اقتراض الحكومة لسد عجز الموازنة وليس إقامة مشروعات استثمارية، فإن الاقتراض يدمر الحاضر والمستقبل. والاقتراض الخارجي يهدد سيادة الدولة ويجعلها عرضة للابتزاز الخارجي ويخضعها للتعبية للخارج دائما.
والاقتراض وعدم البحث عن موارد لسداد هذه الديون؛ أدى إلى ارتفاع الدين الخارجي والمحلي، وهو ما يمثل خطرًا على الاقتصاد القومي، ويثير عدة تساؤلات ومخاوف حول قدرة مصر على الالتزام بسداد مديونياتها، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.
ارتفاع أرصدة المديونيات المستحقة على مصر، أدى إلى زيادة متوسط نصيب المواطن من الدين الخارجي المستحق على مصر، نحو 618.2 دولار، بعد أن كان يبلغ 573.1 دولار، في 2016، وفقًا لبيانات البنك المركزي.
كما سجل تضخم الأسعار في مصر ارتفاعا بمعدل يعد الأعلى من نوعه في تاريخ البلاد، إذ قفزت الأسعار فوق قدرة الغالبية العظمي من المصريين، الأمر الذي من المتوقع أن يعرقل خطط الحكومة في تحريك الاقتصاد وجذب استثمارات خارجية، بسبب نسب التضخم المرتفعة.
ورصدت "مصر العربية" آراء الخبراء حول ارتفاع الديون على مصر ومدى قدرتها علي سدادها، وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي، خلال هذا التقرير:
الدكتور أحمد خزيم، خبير اقتصادي، قال إن ارتفاع الدين العام الداخلي والخارجي يمثل الخطر الأكبر على الدولة، حيث يصيب موازنة الدولة بالعجز الذي يؤدى إلى الاقتراض لسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ" مصر العربية"، أن ذلك الأمر بمثابة الدائرة الجهنمية، التي تؤدى إلى اتخاذ قرارات تصيب الاقتصاد بكل الأمراض من تضخم وركود وتوقف الاستثمارات، ويمكن أن تنتهي بإعلان الإفلاس.
ورأي خزيم، أنه كلما اتسع مقدار الدين وتجاوز حد الأمان 60 % من الناتج القومي المحلى، كلما كان الضغط أكثر اتساعا على الطبقات الوسطى في المجتمع مما يؤدى لزيادة الاحتقان والكثير من المشكلات الاجتماعية الخطيرة من جرائم وعدوان وإدمان وفقدان أمان يؤدى إلى تفكك التماسك الاجتماعي الذي يمثل المناعة الداخلية لاستقرار الدولة.
وأوضح أن هذا العجز والاتجاه للاقتراض، يأتي نتيجة عدم استغلال الإدارة الاقتصادية، للموارد المتاحة في التنمية والقيمة المضافة بشكل أمثل، والتي تعد هي الأساس في التنمية وزيادة موارد الدولة وخزينتها.
من جانبه قال مختار الشريف، خبير اقتصادي، إن الدين الخارجي لا يزال في مرحلة الأمان، حيث تصل نسبته إلى نحو 30% من إجمالي الناتج القومي، بينما الأمر أكثر صعوبة فيما يتعلق بالدين الداخلى، لأنه تجاوز حد الأمان من الناتج القومي، وهو 60% ووصل إلى حوالي 90%.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن ارتفاع الديون سواء الداخلية أو الخارجية، هو السبب في اتجاه الحكومة إلى رفع الدعم والاجراءات الاصلاحية التي أقبلت عليها مؤخرًا، مضيفًا أن مصر قادرة على سداد هذه الديون، خاصة وأنها تمتلك الكثير من الموارد.
السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية سابقاً، ورئيس برنامج الشراكة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي، قال إن مصر أكبر دولة في العالم تتلقى مساعدات للتنمية، والأهم هنا في كيفية استغلال هذه المساعدات.
وأكد أنه لا توجد وسيلة إطلاقا لتحويل المنح إلى نقود تدخل في "جيب" أحد، حسب قوله، موضحا أنها عبارة عن منح تمول خبراء ومنح تمول مشروعات أو دراسات.
وأوضح بيومي في تصريح خاص لـ"مصر العربية"، أن الوزارة لا تقترض إلا وفقا لخطة التنمية الاقتصادية للدولة، الأمر الذي يعني أن الوزارة تنتهج خطة واضحة لاستغلال القروض.
ولفت إلى أن تصنيف "B" الذي حصل عليه مركز مصر المالي من مؤسسة "فيتش" يعد مؤشرا واضحا على أن مصر لديها القدرة على سداد تلك القروض.
وأوضح أن القروض الخارجية لمصر ما زالت في الحدود الآمنة حيث إنها لم تزد على 14% من إجمالي الناتج القومي المصري قائلا: "وده ناتج قليل".
وأشار إلى أن القروض الداخلية لمصر زادت عن الحدود الآمنة، ويرى أنه إذا تم تحديد عجز الموازنة والأجور والدعم؛ فإن هذه القروض سوف تتراجع.
واتفق معه الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادي، وأستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، حيث أكد أن الحكومة الممثلة في وزارة التعاون الدولي، المنوط بها الحصول على القروض من أجل دعم الوزارات الأخرى، تسير وفق خطة ممنهجة وواضحة.
ويرى الشريف أنه في الوقت الذي نسعى فيه لتحقيق مزيد من التنمية والتقدم الاقتصادي فإن مصر تحتاج خلال الأعوام الثلاثة2016,2017,2018 إلى 30 مليار دولار قروض ومساعدات للنهوض بالوضع الاقتصادي للبلاد.
وأكد أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة أن المجتمع بأكمله وليست الحكومة وحدها، قادرة على سداد هذه القروض، معللا ذلك بقوله: "نريد حركة نشاط الاقتصاد".
وخلال السنوات الخمس الماضية، حصلت مصر على منح ومساعدات بقيمة 32 مليار دولار، منها 12.5 مليار دولار في عام 2013 وحده، موزعة بواقع 2 مليار دولار من السعودية، و3 مليارات دولار من الإمارات، ومليارين دولار من الكويت، و3 مليارات دولار من قطر، ومليارين من ليبيا، و500 مليون دولار من تركيا، كان آخرها في أغسطس الماضي بوديعة إماراتية بمليار دولار.
ولم تجدْ هذه المنح والقروض الخارجية في حل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلد، حيث سجل الدين الداخلي معدلات تجاوزت زيادة معدلات النمو، وبلغ 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس 2016، أما الدين الخارجي فبلغ 53.4 مليار دولار.
ومع توقف منح الخليج، لجأت الحكومة مؤخرًا إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات حصلت على الشريحة الأولى منه بقيمة 2.750 مليار دولار فضلا عن قرض بقيمة 3 مليارات من البنك الدولي استلمت شريحتين منه بقيمة 2 مليار دولار، بخلاف 18 مليار يوان من الصين، و500 مليون من بنك التنمية الأفريقي.
ورغم الدعم الدولي إلا أن الحكومة باءت بالفشل في أبرز أزمة حالية وهي الدولار حيث وصل سعره قرب الـ 20 جنيها في ارتفاع غير مسبوق بعد تعويم الجنيه.
وقال الدكتور مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد وخبير التمويل، إن هناك قروضا نحصل عليها بسبل ميسرة وسداد ميسر وفوائد مخفضة ما يفيد في التنمية، ضاربا المثل بتنمية بعض قرى الصعيد، إلا أنه أكد أن التوسع بشكل كبير في الاستدانة من الخارج به مخاطر كبيرة على الاقتصاد في المستقبل.
وأوضح قائلا: "إذا كنا نأمن سعر الفائدة وشروط السداد فيما يتعلق بالقروض طويلة الأجل، فنحن لا نأمن تقلبات سعر الصرف وبالتالي رد هذه القروض سيشكل أعباء كبيرة على الأجيال القادمة".
وطالب بأن تكون هناك خطة واضحة لسداد هذه الالتزامات مستقبلاً، حتى وإن كان هناك تنمية.